الاقتصاد العالمي يدخل مرحلة جديدة مع ضغوط التضخم
صانعو السياسة النقدية يؤكدون أن الإجراءات الاقتصادية “الصعبة” لم تنتهِ بعد
أشار مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي إلى أن أسعار الفائدة ستظل عند “مستويات مرتفعة” طوال العام المقبل (أ ف ب)
من شأن مزيد من الانخفاض في معدل التضخم بالولايات المتحدة والارتفاع المتواضع لمعدلات الفائدة من قبل البنوك المركزية الرئيسة في العالم في وقت لاحق من الأسبوع، أن تحدد النغمة لفصل جديد للاقتصاد العالمي، ومع استمرار بيانات التضخم الرئيسة في معظم الاقتصادات بالتحسن في الأرباع المقبلة، فإن الارتفاع الشديد في تكاليف الطاقة والغذاء الذي حدث على مدار عام 2022 يشكل قلقاً كبيراً لصناع السياسات. لكن صانعي السياسة النقدية في البنوك المركزية الكبرى سيشعرون بالقلق من استمرار ارتفاع الأسعار بوتيرة أسرع مما يرغبون، وسيظلون منفتحين على مزيد من الزيادات في أسعار الفائدة لإظهار أنهم جادون في إعادة التضخم إلى المستويات التي كانت عليها قبل وباء فيروس كورونا.
وقالت سيلفيا أرداجنا كبيرة الاقتصاديين الأوروبيين في بنك باركليز لـ “فايننشال تايمز” “التضخم يتباطأ ووتيرة ارتفاع الأسعار أقل، لكن البنوك المركزية لا تزال تتقدم بزيادات أكبر للفائدة من [0.25 نقطة مئوية اعتدنا عليها] تاريخياً”.
التضخم وضغوط الأسعار
ومن المتوقع أن يظهر الرقم الرئيس للتضخم للولايات المتحدة تباطؤاً إلى 7.3 في المئة في نوفمبر (تشرين الثاني) من 7.7 في المئة في الشهر السابق وأقل بكثير من ذروة يونيو (حزيران) التي بلغت 9.1 في المئة. وفي المملكة المتحدة، من المتوقع أن تظهر البيانات تباطؤ مؤشر أسعار المستهلكين الرئيس إلى 10.9 في المئة في نوفمبر من أعلى مستوى في 41 عاماً عند 11.1 في المئة في الشهر السابق.
وقالت جينيفر ماكيون كبيرة الاقتصاديين العالميين في “كابيتال إيكونوميكس” إنه بينما من المرجح أن ينخفض التضخم “أقل بكثير” على مدار العام المقبل، كانت هناك علامات استفهام كبيرة حول ما إذا كانت ضغوط الأسعار ستعتدل بما يتماشى مع أهداف البنوك المركزية حول اثنين في المئة.
وفي منطقة اليورو، ظل التضخم الأساسي، الذي يستبعد التغيرات في أسعار الطاقة والغذاء والتبغ، عند أعلى مستوياته على الإطلاق عند خمسة في المئة في نوفمبر، وفي الولايات المتحدة انخفض المقياس الأساسي بمقدار 0.3 نقطة مئوية فقط إلى 6.3 في المئة في نوفمبر من أعلى مستوى في 40 عاماً في الشهر السابق.
وقال ناثان شيتس كبير الاقتصاديين العالميين في “سيتي” للصحيفة، إن التضخم المستمر في قطاع الخدمات، إلى جانب ارتفاع أسعار الفائدة المستمر، وإن كان أبطأ، والركود المتداول، سيكون “الأخبار السيئة للعام المقبل”.
تشديد السياسات النقدية
ومن المقرر أن يثبت الإبقاء على تشديد السياسة النقدية أنه يمثل تحدياً أكبر في مجال الاتصالات لمحافظي البنوك المركزية مع تقلص الاقتصادات على جانبي المحيط الأطلسي، ويرجع ذلك جزئياً إلى الزيادات الضخمة في أسعار الفائدة التي حققتها البنوك المركزية على مدار عام 2022.
البنوك المركزية ستبطئ وتيرة رفع الفائدة
ويبدو أن المسؤولون اليوم أكثر استعداداً للمخاطر المرتبطة بالضغط على الاقتصاد بقوة مفرطة، وقال جيروم باول رئيس الفيدرالي الأميركي، إنه في حين أن الاحتياطي الفيدرالي سيفعل ما هو ضروري لإعادة التضخم إلى هدفه طويل الأمد البالغ اثنين في المئة، فإن البنك المركزي لا يريد كبح الطلب بشكل مفرط ودفع الاقتصاد الأميركي إلى الركود، وأضاف في حدث استضافه معهد “بروكينغز” للأبحاث في نهاية الشهر الماضي “أنا وزملائي لا نريد المبالغة في التوتر”، لكن خطر توقف التضخم عن الانخفاض عند مستويات أعلى بكثير من اثنين في المئة سيقود بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع سعر سياسته المعيارية بمقدار نصف نقطة مئوية.
ويأتي القرار الذي سيرفع معدل الأموال الفيدرالية إلى نطاق مستهدف من 4.25 في المئة إلى 4.5 في المئة، بعد أربعة ارتفاعات متتالية قدرها 0.75 نقطة مئوية في وقت يراهن المستثمرون على أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يخفض أسعار الفائدة عام 2023، ومن المرجح أن تتلاشى تلك الآمال على رغم التباطؤ في وتيرة رفع أسعار الفائدة، في حين أشار مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي إلى أن أسعار الفائدة ستظل عند “مستويات مرتفعة” طوال العام المقبل، ومن المتوقع أن تبطئ البنوك المركزية الرئيسة الأخرى، بما في ذلك بنك إنجلترا والبنك المركزي الأوروبي، وتيرة ارتفاع أسعار الفائدة في وقت لاحق من هذا الأسبوع، بينما تظل جادة بشأن السيطرة على التضخم.
ومن المقرر أن يرفع بنك إنجلترا، الخميس 15 ديسمبر (كانون الأول)، أسعار الفائدة بمقدار 0.5 نقطة مئوية إلى 3.5 في المئة، ما يشير إلى أن المعركة ضد ارتفاع الأسعار والأجور لم تكتمل بعد في حين قال عديد من أعضاء المجلس الحاكم للبنك المركزي الأوروبي في الأسابيع الأخيرة، إنهم يتوقعون الاستقرار عند 0.5 نقطة مئوية، الخميس، لأسباب ليس أقلها أن اقتصاد الكتلة على حافة الركود ومعدلات السياسة عند أعلى مستوياتها بالفعل منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008.
ويأتي القرار بعد زيادتين متتاليتين بمقدار 0.75 نقطة، ما رفع سعر الفائدة على الودائع إلى 1.5 في المئة، كما يتوقع المراقبون أن تقاوم رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد فكرة أن أسعار الفائدة ستظل عند مستوى اثنين في المئة الذي من المحتمل أن تصل إليه هذا الأسبوع، وقال كبير الاقتصاديين الأوروبيين في بنك “غولدمان ساكس” سفين جاري ستيهن “من المرجح أن يقترن التنحي، الأسبوع المقبل، إلى 50 نقطة أساس برسالة واضحة مفادها بأن مهمة التشديد لم تنته بعد”.