البنوك المركزية لأسواق العالم: مكافحة التضخم مستمرة بسياسة متشددة
“المركزي الأوروبي” ومصرف إنجلترا و”الوطني السويسري” تسير على درب “الفيدرالي” برفع الفائدة
انعكست السياسة المالية والنقدية المتشددة التي انتهجتها البنوك المركزية على الأسواق العالمية بشكل سلبي (أ ف ب)
انعكست السياسة المالية والنقدية المتشددة التي انتهجتها البنوك المركزية على الأسواق العالمية بشكل سلبي بعدما رفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا ثم البنك الوطني السويسري أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس هذا الأسبوع، بما يتماشى مع التوقعات وكان رد فعل الأسواق سلباً، بعد أن رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي، الأربعاء الماضي، سعر الفائدة القياسي بمقدار 50 نقطة أساس إلى أعلى مستوى له في 15 عاماً. وكان هذا بمثابة تباطؤ عن الاجتماعات الأربعة السابقة، إذ نفذ البنك المركزي 75 نقطة أساس زيادة.
ومع ذلك أشار رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول إلى أنه “على رغم المؤشرات الأخيرة إلى أن التضخم ربما يكون بلغ ذروته، فإن الكفاح من أجل إعادته إلى مستويات يمكن التحكم فيها لم ينته بعد”.
وقال باول خلال مؤتمر صحافي، الأربعاء الماضي، “هناك توقع حقيقي بأن تضخم الخدمات لن ينخفض بهذه السرعة، لذا سنضطر إلى البقاء عنده”، مضيفاً “ربما نضطر إلى رفع أسعار الفائدة للوصول إلى ما نريد أن نذهب إليه”.
بعد قرار “الفيدرالي” بـ24 ساعة، حذا البنك المركزي الأوروبي حذوه واختار أيضاً رفعاً أقل ولكنه يشير إلى أنه سيحتاج إلى رفع أسعار الفائدة بشكل كبير أكثر لترويض التضخم”، كما طبق بنك إنجلترا رفعاً بمقدار نصف نقطة، مضيفاً أنه “سيستجيب بقوة” إذا بدأت الضغوط التضخمية تبدو أكثر ثباتاً”.
استمرار التشدد المالي
قال رئيس قسم أبحاث الفوركس في “دويتشه بنك” لـشبكة “سي أن بي سي” جورج سارافيلوس إن “البنوك المركزية الكبرى أعطت الأسواق رسالة واضحة مفادها بأن الظروف المالية يجب أن تظل مشددة”، مضيفاً أنه “بعدما حققت البنوك المركزية ذلك، فإن موضوع 2023 مختلف وهو منع السوق من فعل العكس”، ومشيراً إلى أن “شراء الأصول المحفوفة بالأخطار على أساس ضعف التضخم هو تناقض من حيث المصطلحات، فالتيسير في الظروف المالية الذي يستتبعه يقوض حجة إضعاف التضخم”.
وفي هذا السياق قال سارافيلوس إن “التحول الواضح للمركزي الأوروبي والاحتياطي الفيدرالي في التركيز من مؤشر أسعار المستهلك (CPI) إلى سوق العمل أمر ملحوظ لأنه يشير إلى أن تحركات جانب العرض في السلع ليست كافية للإعلان عن إنجاز المهمة”.
وخلص سارافيلوس إلى أن “الرسالة العامة لعام 2023 تبدو واضحة وهي أن البنوك المركزية ستدفع الأصول عالية الأخطار إلى أن تبدأ سوق العمل بالتحول”.
الرسائل المتشددة
وكانت الرسائل المتشددة من بنك الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي فاجأت السوق إلى حد ما، على رغم أن قرارات السياسة نفسها كانت متوافقة مع التوقعات.
وعدل كبير الاقتصاديين في بنك “بيرنبرغ” الألماني من القطاع الخاص هولغير شمايدينغ، الجمعة، توقعاته لسعر الفائدة النهائية وفقاً للتطورات التي حدثت في آخر 48 ساعة، مشيراً إلى أن “أي زيادة إضافية في سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس لبنك الاحتياطي الفيدرالي عام 2023 قد يرفع التضخم إلى الذروة حتى نطاق يتراوح بين 5 في المئة و5.25 في المئة على مدى الفترة وفقاً لاجتماعاته الثلاثة الأولى في العام”، ومضيفاً “ما زلنا نعتقد بأن انخفاض التضخم إلى 3 في المئة وارتفاع معدل البطالة إلى ما يزيد على 4.5 في المئة بنهاية عام 2023 سيؤديان في النهاية إلى التحول إلى موقف أقل تقييداً ولكن في الوقت الحالي من الواضح أن الاحتياطي الفيدرالي يعتزم رفع الفائدة”، كما رفع بنك “بيرنبرغ” الألماني من توقعاته حول توجهات البنك المركزي الأوروبي في الفترة المقبلة في اتجاه رفع أسعار الفائدة إلى “مستويات تقييدية” بوتيرة ثابتة لأكثر من اجتماع مقبل.
معدل التمويل يرتفع
وقال بنك “بيرنبرغ” إن “أي تحرك إضافي في أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في مارس 2023 قد يرفع معدل إعادة التمويل الرئيس للبنك المركزي الأوروبي إلى 3.5 في المئة”.
وأوضح شمايدينغ أن “من هذا المستوى المرتفع، من المرجح أن يحتاج البنك المركزي الأوروبي إلى خفض أسعار الفائدة مرة أخرى بمجرد انخفاض التضخم إلى ما يقرب من 2 في المئة عام 2024″، مضيفاً “نحن نبحث الآن عن تخفيضين بمقدار 25 نقطة أساس لكل منهما في منتصف عام 2024، مما يترك دعوتنا إلى معدل إعادة التمويل الرئيس للبنك المركزي الأوروبي في نهاية عام 2024 من دون تغيير عند 3.0 في المئة.”
أما بنك إنجلترا، فكان أكثر تشاؤماً من بنك الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي، فمن المرجح أن تعتمد القرارات المستقبلية بشكل كبير على الكيفية التي يتكشف بها الركود المتوقع في المملكة المتحدة ومع ذلك، حذرت لجنة السياسة النقدية مراراً وتكراراً من توخي الحذر في شأن تشديد سوق العمل.
وحول توجهات البنك البريطاني، توقع بنك “بيرنبرغ” زيادة إضافية بمقدار 25 نقطة أساس في فبراير 2023 لرفع سعر الفائدة البنكي إلى ذروة 3.75 في المئة، مع تخفيضات بمقدار 50 نقطة أساس في النصف الثاني من عام 2023 و25 نقطة أساس أخرى بحلول نهاية عام 2024″، وشرح شمايدينغ “لكن على خلفية المفاجآت الإيجابية في البيانات الاقتصادية الأخيرة، فإن الزيادة الإضافية في أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس من بنك الاحتياطي الفيدرالي وبنك إنجلترا لا تحدث فرقاً جوهرياً في توقعاتنا الاقتصادية”، قائلاً إن “ما زلنا نتوقع أن ينكمش الاقتصاد الأميركي بنسبة 0.1 في المئة عام 2023 يليه نمو بنسبة 1.2 في المئة عام 2024، بينما من المرجح أن تعاني المملكة المتحدة ركوداً مع انخفاض بنسبة 1.1 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي عام 2023، يليه انتعاش بنسبة 1.8 في المئة عام 2024”.
الركود الشتوي
وبالنسبة إلى البنك المركزي الأوروبي، يرى البنك الألماني أن 50 نقطة أساس إضافية من المتوقع أن يكون لها تأثير واضح، مما يحد من النمو بشكل واضح في أواخر عام 2023 وأوائل عام 2024.
وعن ذلك قال شمايدينغ “بينما نترك طلب الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للعام المقبل من دون تغيير (عند – 0.3 في المئة)، فإننا نخفض دعوتنا إلى وتيرة التعافي الاقتصادي عام 2024 من 2.0 في المئة إلى 1.8 في المئة”، مشيراً إلى أنه “خلال عام 2022 لم تثبت التوجيهات المستقبلية للبنوك المركزية والتحولات في اللهجة أنها دليل موثوق على إجراءات السياسة المستقبلية”.
وتابع البنك أن “الأخطار على توقعاتنا الجديدة لبنك الاحتياطي الفيدرالي وبنك إنجلترا متوازنة في الاتجاهين ولكن نظراً إلى أن الركود الشتوي في منطقة اليورو من المرجح أن يكون أعمق من مشاريع البنك المركزي الأوروبي وبما أن التضخم من المحتمل أن ينخفض بشكل كبير من مارس فصاعداً، فإننا نرى فرصة جيدة لأن تكون الزيادة النهائية للبنك المركزي الأوروبي على سعر الفائدة في مارس 2023 بمقدار 25 نقطة أساس بدلاً من 50 نقطة”.