إجراءات “المركزي العراقي” الجديدة.. محللون ينتقدون “التأخير” و”المضاربة” في واجهة الأزمة
الحرة / خاص – واشنطن
تراجعت أسعار صرف الدولار، الأربعاء، في السوق العراقية، فيما يستمر تداوله بمستويات أعلى مما حدده البنك المركزي العراقي والذي يبلغ 1460-1470 دينارا مقابل الدولار.
وبلغ سعر تداول الدولار في السوق العراقية 1563 دينارا، بحسب تقرير نشرته وكالة الأنباء العراقية “واع”.
وجاء تراجع أسعار الصرف، بعد حزمة من الإجراءات أعلن عنها البنك المركزي، لضبط استقرار سعر الصرف مقابل الدولار، من بينها، تسهيل تمويل تجارة القطاع الخاص بالدولار من خلال المصارف العراقية، وفتح منافذ لبيع العملة الأجنبية في المصارف الحكومية للجمهور لأغراض السفر.
وكان البنك المركزي العراقي قد دعا في بيان، الثلاثاء، المصارف العراقية إلى “تحمل مسؤولياتها في تسهيل الإجراءات لزبائنها وتسريعها لضمان وصولهم إلى التمويل بأفضل الممارسات المصرفية وبأقل قدر من الحلقات مع مراعات المتطلبات القانونية المقررة”.
وأكد البنك للتجار على أهمية التعامل “مع المصارف مباشرة (و) عدم اللجوء إلى الوسطاء والمضاربين لتلافي تحميل استيراداتهم عمولات ومصاريف لا موجب لها”، مشيرا إلى أهمية قرار مجلس الوزراء بـ” عدم استيفاء الرسوم الجمركية ومبالغ الأمانات الضريبية مسبقا” خاصة وأن هذا سيؤدي إلى تقليل الإجراءات وإزالة التكاليف الناتجة عن مشاكل الرسوم المسبقة.
لكن، هل تكفي هذه الإجراءات لضبط إيقاع أسعار الصرف في السوق العراقية؟
تتباين الآراء حول هذه الخطوات، إذ يراها البعض ذات تأثير قليل، وتحتاج إلى جهود إضافية، فيما يراها البعض جيدة، ولكنها تحتاج إلى وقت كي يظهر تأثيرها على حركة الاقتصاد.
الأكاديمي، الخبير الاقتصادي العراقي، عبدالرحمن المشهداني، يؤكد أن هذه الإجراءات جاءت متأخرة “شهرين على الأقل، إذ كان الأولى أن تبدأ إجراءات تصحيحية قبل أن تبدأ العقوبات التي فرضها الفيدرالي الأميركي على بعض البنوك العراقية”.
وأضاف في حديث لموقع “الحرة” أن “الإجراءات المتخذة حتى الآن، لا تنسجم مع حجم الأزمة، والتراجع في أسعار الصرف خلال الأيام الحالية سببه موسم العطلات حول العالم، حيث تتراجع وتيرة النشاطات الاقتصادية، ويقل الطلب على الدولار”.
وأشار المشهداني إلى وجود عجز يقدر بـ50-60 مليون دولار يوميا تحتاجه السوق العراقية.
وكان البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي قد فرض تعديلات على إجراءات الحوالات العراقية التي تمر بنظام “سويفت”، لتضم تدقيقا في مصدر الأموال وحتى المستقبِل النهائي، وهو ما جاء بعد تبعات ما عرف بقصة “سرقة القرن” في العراق.”منصة إلكترونية” ورقابة دولية على الفساد.. سر ارتفاع صرف الدولار في العراقمنذ عدة أسابيع تشهد السوق العراقية ارتفاع في أسعار صرف الدولار مقابل الدينار والتي وصلت لمستويات غير مسبوقة، والتي يعزوها البنك المركزي في البلاد إلى عوامل عدة أبرزها بدء العمل في “منصة إلكترونية”.
وترى الخبيرة الاقتصادية العراقية، سلام سميسم، أن “إجراءات المركزي العراقي جيدة، ولكنها تحتاج لوقت زمني حتى تؤثر بشكل مباشر في حركة الاقتصاد”.
وتؤكد في رد على استفسارات موقع “الحرة” أن إجراءات التدقيق الجديدة على “نظام للحوالات والاعتمادات ستجعل من حركة الأموال الخارجة والداخلة للعراق أكثر شفافية، وقد يكون لها تبعات تربك الاقتصاد خلال الفترة القريبة، ولكنها مهمة جدا لمستقبل البلاد”.
بدوره دعا رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، الثلاثاء، إلى “تفعيل خطوات بيع العملة الأجنبية بالأسعار الرسمية للمواطنين، مؤكدا على ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع المضاربات غير القانونية، وكل ما يضر بالسوق المحلية ويؤدي إلى ارتفاع الأسعار”.
وحث في بيان على أهمية “تفعيل خطوات بيع العملة الأجنبية بالأسعار الرسمية للمواطنين عبر الشراء بالبطاقات الإلكترونية، وفتح منافذ البيع للمسافرين، أو المتعالجين خارج العراق، أو تمويل التجارة الخارجية، على وفق السياقات الأصولية والمعايير الدولية لفتح الاعتمادات المستندية والحوالات”.
وقال مستشار البنك المركزي، إحسان الياسري, إن “البنك سيصدر تعليمات لعدد من المصارف.. للعمل أيام العطل الرسمية (الخميس والجمعة والسبت والأحد) حتى يستمر ببيع الدولار إلى الجمهور، مما سيعمل على تلبية متطلبات أصحاب الاحتياجات من النقد الأجنبي لأغراض السفر والعلاج والدراسة”.
وأكد في حديث مع وكالة الأنباء العراقية “واع” أن “الأيام المقبلة ستشهد عرض عملة الدولار النقدي تلبية تامة”.
ونفى الياسري معلومات متداولة “تفيد بامتناع البنوك عن صرف أرصدة المواطنين بالدينار وإعادة تجربة لبنان”، مشيرا إلى أنها “معلومات غير صحيحة تماما، والدينار العراقي متوفر بكثرة في المصارف وفي خزائن البنك المركزي”، منوها بأن “هذه شائعات يطلقها المتضاربون”.
إجراءات مقترحة
ويقترح المشهداني على البنك المركزي “توفير مبالغ إضافية من الدولار، ووضع قائمة بالمستوردين المعتمدين الذين لديهم تاريخ رصين من المعاملات المالية، وتخفيف الإجراءات الروتينية التي يخضعون لها، لضمان استمرار عملهم بوتيرة أسرع مما هي عليه الآن”.
وبين أنه يجب التفريق بين “أزمة سعر صرف الدولار خلال فترة الحكومة السابقة التي كان يرأسها مصطفى الكاظمي، وبين الفترة الحالية، إذ أن الحكومة السابقة عندما حددت سعر الدولار كان في ذلك استفادة للخزينة، رغم تأثيراتها السلبية على الفقر والبطالة”.
ورفض رئيس الوزراء العراقي السابق، الكاظمي، الأربعاء، تحميل حكومته أسباب انحدار سعر صرف الدينار مقابل الدولار، بعد أن ربط البعض الأزمة بفضائح فساد مرتبطة بمصارف، حدثت في عهده، رافضا ما وصفه بـ”الخطاب الشعبوي المتزايد، الذي يفتقر إلى المعلومات والحقائق الدقيقة، لأنه يدفع بالأزمة إلى مزيد من التعقيد”.
ودعا المسؤولين إلى “الحفاظ على استقرار سعر الصرف ومنع الفوضى النقدية وضبط السحوبات المالية الكبيرة، وتقليص مستوى التضخم المالي ومنع تهريب العملة الصعبة إلى خارج العراق”.
وتابع المشهداني أن “الأزمة الحالية تأتي وسط إجراءات فرضها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بمتابعة وتدقيق الحوالات، بهدف وقف ممارسات الفساد، وإغلاق منافذ غسل الأموال، وهذا يتماشى مع برنامج الحكومة الحالية”.
بدورها، دعت الخبير سميسم المركزي العراقي إلى “ضخ كميات أكبر من الدولار عن طريق نقاط محددة تتولى مهمة البيع، وبما يدفع السوق الموازية إلى خفض هامش البيع”.
وأكدت أهمية قيام البنك المركزي “بالتوعية، أكان فيما يتعلق بمستويات الأسعار أو بطريقة عمل نظام الحوالات الجديد، بما يقلل من حالة عدم اليقين التي يستغلها المضاربون”.
ودعا نائب رئيس مجلس النواب، شاخهوان عبدالله، في بيان الحكومة ووزارة المالية والبنك المركزي إلى “إعادة النظر في السياسة المالية، واتخاذ إجراءات .. والزيادة في فتح منافذ بيع العملة الأجنبية في المصارف وبالسعر الحكومي، من أجل منع ارتفاع سعر صرف الدولار”.
ودعا إلى “عدم تمكين الذين يتحكمون في الأسواق السوداء للاستفادة من اضطرابات سعر الصرف، وتطويق الممارسات النقدية الخاطئة التي تضر بالاقتصاد والحركة التجارية في عموم البلاد”.
وكان صندوق النقد الدولي قد أوصى، في مطلع ديسمبر، بتعزيز الاستقرار المالي في العراق، من خلال تسريع عملية تنفيذ النظم المصرفية الأساسية، والشروع في إعادة هيكلة المصارف الحكومية الكبرى، مشير إلى أن خبراء الصندوق يدعمون جهود البنك المركزي الرامية إلى تعزيز الرقابة على المعاملات من خلال مزاد العملات الأجنبية، وخططه التي تهدف إلى استكشاف الآليات البديلة لتمويل التجارة بغية تسهيلها.
كما يدعو الصندوق إلى “تطوير الأدوات اللازمة لإدارة السيولة النقدية لأجل دعم استقرار سعر الصرف على نحو أفضل”.الحرة / خاص – واشنطن