إسرائيل: حكومة للصدام
الياس حرفوش كاتب و صحافي لبناني
لم يسبق أن دار جدل بهذه الحدة في المجتمع الإسرائيلي حول هوية الدولة وقوانينها وعمل الجهاز القضائي فيها، وصولاً إلى علاقة الحكومة بمؤسسة الجيش، مثل الجدل الدائر اليوم، مع دخول قوى من خارج الأحزاب السياسية التقليدية إلى مقاعد الحكومة. أطراف وقوى ليست فقط من خارج الأحزاب التي تعاقبت على الحكم، بل من بينها وزراء في حكومة نتنياهو الجديدة ممن كانوا ملاحقين قضائياً وممنوعين حتى من دخول صفوف الجيش الإسرائيلي، مثل إيتمار بن غفير الذي أصبح وزيراً للأمن القومي.
تقليدياً، كان هناك دائماً تفاهم على الخطوط العريضة لسياسة الأحزاب الإسرائيلية في قيادة المجتمع اليهودي على أسس تقوم على حد أدنى ومقبول من حرية الاختيار وحرية القناعات. طبعاً لم يشمل هذا المجتمع العربي في إسرائيل إلا فيما ندر، ومع عدد من الشخصيات الإسرائيلية التي برزت في أعقاب اتفاقات مع العرب، مثل معاهدة كامب ديفيد أو اتفاق أوسلو. لكنها ما لبثت أن اندثرت مع تراجع أثر هذه الاتفاقات على العلاقات اليهودية – العربية مثلما كان مؤملاً من صانعيها.
غير أن التفاهم بين القوى السياسية في إسرائيل، حتى على الحد الأدنى يتراجع الآن. وتحل مكانه سطوة تيارات متطرفة ذات طابع ديني وعنصري تعدّ أن القوانين والتشريعات يجب أن تكون في خدمة مشروعها، وترفض احترامها أو العمل بها إذا لم تكن كذلك. 60 في المائة من الإسرائيليين يقولون، إنهم يخشون على طبيعة نظامهم الذي يصفونه بـ«الديمقراطي»؛ بسبب سياسات الحكومة الحالية. 78 قاضياً أصدروا بياناً يحذرون فيه من سقوط دولة القانون وسيادة الديكتاتورية. حتى وصل الأمر برئيس الحكومة السابق يائير لبيد إلى القول إنه يخشى أن يتحول الكنيست إلى مكان يخجل الإسرائيليون منه ومن الذين يمثلونهم فيه بسبب الوجوه الجديدة التي دخلته، والتي صار من بينها وزراء في حكومة نتنياهو.
وتكاد التعليقات على هذه الحكومة، السادسة التي يشكلها نتنياهو، تُجمع على أنها الأكثر تطرفاً وعنصرية في تاريخ إسرائيل منذ قيامها. وليس في هذه التعليقات مبالغة. فهي لا تأتي فقط على لسان معلقين فلسطينيين أو عرب، بل تناولتها أقلام غربية وأميركية، وحتى يهودية، اعتبرت أن هذه الحكومة لا تهدد فقط أي احتمال لمفاوضات سلام مقبلة مع الفلسطينيين، أو أي فرصة لمعاهدات ممكنة مع دول عربية، بل هي تهدد صورة إسرائيل بين داعميها الغربيين، حيث تحاول أن تسوّق نفسها على أنها محكومة بنظام ديمقراطي وبحكم القانون.
كيف يستقيم ذلك عندما تضم هذه الحكومة من سبق أن كانوا ملاحقين في إسرائيل بتهم تتعلق بدعم تنظيمات عنصرية أو بتهم فساد وقبول رشى؟ إيتمار بن غفير رئيس حزب «العظمة اليهودية» الذي أصبح وزيراً للأمن الوطني، وبالتالي مسؤولاً عن عمل الشرطة، قال بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة: حان الوقت لنؤكد أننا أصحاب هذه الأرض. بن غفير كان من مؤيدي اغتيال إسحق رابين. ومُنع في السابق من المشاركة في الانتخابات في إسرائيل بسبب مواقفه المؤيدة للحاخام مائير كاهانا مؤسس حركة «كاخ»، الذي كان ناشطاً في الولايات المتحدة وعُرف عنه عداؤه للعرب والفلسطينيين ودعوته لطردهم كي تبقى إسرائيل دولة يهودية خالصة. كما كان بن غفير من أنصار باروخ غولدشتاين، الذي ارتكب مجزرة ضد المصلين في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل سنة 1994.
أما إرييه درعي، مؤسس حزب «شاس» (حزب اليهود الشرقيين في إسرائيل)، فقد سبق أن فُصل من منصبه كوزير للداخلية عام 2000 بعد ملاحقته بتهم فساد، وصدر بحقه حكم بالسجن سنتين، وأعاده نتنياهو الآن إلى الحكومة وزيراً للصحة. كما يتولى بتسليل سموتريتش، زعيم حزب «الصهيونية الدينية» وزارة المالية، وهو يعدّ وصف الضفة الغربية بالأرض المحتلة أمراً غير مقبول؛ لأن هذا الوصف، كما يقول، يشكك في «شرعية» حق إسرائيل في السيطرة على هذه المناطق. كما يرفض وجود «ما يسمى الشعب الفلسطيني».
يدرك نتنياهو بالطبع صعوبات تسويق حكومة كهذه يتبنى وزراؤها هذه الأفكار أمام أصدقاء إسرائيل، بل حتى بين اليهود الذين يعيشون في دول تقيم وزناً للقانون ولا تقرّ بتشريعات عنصرية أو مخالفة للقواعد المتعارف عليها، والتي لا تسمح بالتمييز بين المرضى في المستشفيات أو بين السجناء تبعاً لانتمائهم الديني أو العرقي، مثلما يدعو عدد من الوزراء الجدد. لكن نتنياهو يجد في هذه الحكومة فرصة للخروج من مأزقه القانوني المتصل بقضايا الفساد التي يُلاحَق بسببها، والتي يأمل من هذه الحكومة أن تطوي صفحتها.
لقد جاءت مواقف قادة اليهود الأميركيين لافتة في إطار انتقاد مواقف عدد من الوزراء في الحكومة الإسرائيلية. فقد دعا عدد كبير من رجال الدين اليهود في الولايات المتحدة إلى مقاضاة نتنياهو، وأعرب ممثلون عنهم في اجتماع عُقد في السفارة الإسرائيلية بواشنطن في الأسبوع الأول من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي عن قلقهم من سياسات وزراء في الحكومة، وخصوصاً مواقف بن غفير وسموتريتش، وقالوا، إن تبني الحكومة الإسرائيلية هذه المواقف يلحق الضرر بالتبرعات التي تحصل عليها إسرائيل من الجالية اليهودية في الولايات المتحدة ومن سواها، كما يمكن أن تدفع اليهود الشباب إلى الابتعاد عن إسرائيل.
وفي حين تنطلق هذه المواقف من الحرص الذي يبديه قادة اليهود، ومعهم أصدقاء إسرائيل، على صورتها، يبقى الأهم بالنسبة إلى الفلسطينيين ما أصبح متوقعاً من تصعيد وصدامات مع الجيش الإسرائيلي، بسبب سياسة توسيع الاستيطان التي تتبناها الحكومة الجديدة وفرض توحيد مدينة القدس عبر ضمها الشطر الشرقي منها، ومخاطر المس بالمسجد الأقصى والأفكار العنصرية التي تطغى على عقول عدد من وزراء هذه الحكومة.