انسحاب تركي مفاجئ من بعض مناطق إقليم كردستان… ما أسبابه؟
المصدر: النهار العربي رستم محمود
قوات تركية في إقليم كردستان العراق.
A+A-من دون إعلان رسمي، انسحبت وحدات من الجيش التركي من العديد من نقاط تمركزها ضمن مناطق إقليم كردستان العراق، خصوصاً تلك المواقع في محافظة دهوك الغربية، التي استهدفها الجيش التركي بحملات عسكرية عدة خلال النصف الثاني من العام المنصرم، بحجة ملاحقة مقاتلي حزب العمال الكردستاني. ولهذا الحزب قواعد ومناطق استقرار في المناطق الحدودية الجبلية بين تركيا والإقليم. ويأتي هذا الانسحاب في سياق تحولات سياسية وأمنية خاصة تعيشها تركيا مع محيطها الإقليمي خلال الأسابيع الماضية. وسائل إعلام وسكان محليون من منطقة العمادية في محافظة دهوك أكدوا انسحاب الجيش التركي من ثلاث قواعد جبلية رئيسية محيطة بالمدينة خلال الأسبوع الماضي، وتحديداً في مرتفعات جبيل متين، تضاف إلى ثماني نقاط عسكرية أخرى، تم إخلاؤها خلال الشهر الأخير من العام المنصرم. المركز العسكري الأكبر الذي أخلاه الجيش التركي كان في منقطة “بريى سيلى”، القريبة جداً من مدينة العمادية، إلى جانب النقطتين الاستراتيجيتين في منطقتي كاني ماسي شمال محافظة دهوك. وهذه نقاط تضاف إلى مناطق إخلاء في مناطق “جياي رشى” ونهيل وطروان ومنطقة برواري. النقاط العسكرية التي انسحب منها الجيش التركي هي واحدة من ثلاثين نقطة ومعسكر وقاعدة عسكرية انشأها داخل أراضي إقليم كردستان خلال السنوات الماضية، على طول 240 كيلومتراً، وصولاً إلى المثلث الحدودي مع إيران. لكن هذه النقاط الأخيرة كانت الأكثر عمقاً ضمن أراضي الإقليم، خصوصاً خلال عمليتي “المخلب-القفل” و”المخلب-النسر” التي نُفذت خلال النصف الثاني من العام المنصرم.
الأسباب المحتملةالباحث والمحلل العسكري رشاد البوناصر شرح في حديث لـ”النهار العربي” الأسباب الموضوعية التي تدفع تركيا لهذا الانسحاب العسكري المفاجئ، الذي وصفه بـ”الموقت”. وقال البوناصر: “تشكل الأحوال الجوية عاملاً أولياً وجوهرياً لحدوث ذلك. فدرجات الحرارة التي وصلت إلى قرابة 10 ما دون الصفر طوال الأسابيع الماضية، إلى جانب الثلوج والضباب الكثيف، صارت مانعاً أمام وصول المساندة اللوجستية التي يقدمها الجيش التركي لتلك النقاط العسكرية في أعالي الجبال، حيث يمكن لمقاتلي حزب العمال الكردستاني أن يشنوا هجمات ارتدادية سريعة على تلك النقاط، مستغلين توقف الدعم اللوجستي لتلك النقاط، ما قد يشكل حرجاً سياسياً وعسكرياً خاصاً للحكومة التركية في هذا الوقت بالذات، قبيل الانتخابات بأسابيع قليلة”. يتضيف البوناصر: “كذلك يأتي الانسحاب العسكري غداة زيادة التنسيق الأمني بين الجيش التركي مع نظيره العراقي وقوات البيشمركة، حيث زاد الطرفان الأخيران من انتشار قواتهما على كامل مناطق واسعة من الشريط الحدودي بين البلدين، ما قد يمنع مقاتلي حزب العمال الكردستاني من الاستفادة من الفراغ الأمني في تلك المناطق الحدودية”. في مقابل القواعد العسكرية ونقاط التمركز التركية، فإن مقاتلي حزب العمال الكردستاني يملكون عشرات نقاط الارتكاز على طول الشريط الحدودي بين تركيا وإقليم كردستان، في مناطق الزاب وخواكورك وحفتينان، وصولاً إلى جبال قنديل العصية في المثلث الحدودي مع إيران، إلى جانب سيطرة الحزب على منطقتي مخمور وسنجار في العمق العراقي. ولأجل ذلك يخوض الجيش التركي حملات عسكرية متواصلة لإخراج مقاتلي الكردستاني من مختلف المناطق الحدودية. اتهامات باستخدام الكيماويوكان عضو اللجنة القيادية في حزب العمال الكردستاني مراد قره يلان قد كشف في حديث لموقع مُقرب من حزبه إن “مقاتلي الجيش التركي عالقون في منطقة الزاب، وزيادة وتيرة استخدام الأسلحة الكيماوية ضد مقاتلي العمال الكردستاني دليل على عدم قدرتهم على الاستمرار في تحقيق أي من أهدافهم”.
الباحث الأكاديمي في مركز الفرات للدراسات وليد جليلي شرح في حديث الى “النهار العربي” كيف أن الحكومة التركية، وفي ظل تحولها لإيجاد مظلة تفاهم مع القوى الإقليمية، بما في ذلك النظام السوري، تسعى لتهدئة التصعيد العسكري في مختلف مناطق انخراطها، بما في ذلك إقليم كردستان، لأن أي فشل في أية ساحة عسكرية سيصعد الأصوات القومية المناهضة لسياسة الحكومة التركية الراهنة. يضيف جليلي: “مرات عدة خلال العقود الماضية، كادت العمليات العسكرية الخاطفة من حزب العمال الكردستاني تنهي سلطات الحكومات التركية، خصوصاً في الشهور السابقة للانتخابات، وهو مصير لا يريد “حزب العدالة والتنمية” أن يواجهه، خصوصاً أنه قد يكون محتاجاً للأصوات الكردية والتوصل إلى اتفاق ما مع حزب الشعوب الديموقراطي الموالي للأكراد”.الكلمات الدالة