من ينقذ إسرائيل؟
سعد العجمي
كتب توماس فريدمان، الصحافي الأميركي المعروف، مقالة في “نيويورك تايمز” عنوانها، “على بايدن أن ينقذ إسرائيل من نفسها”، المقالة كانت لها ارتدادات واسعة بسبب ثقل الكاتب اليهودي الليبرالي ودعمه المعروف لإسرائيل وحل الدولتين، وجاءت المقالة بعد وصول نتنياهو إلى سدة رئاسة الوزراء بالتحالف مع يمين عنصري لا يستطيع مؤيدو إسرائيل تجاهل أو التغاضي عن خطاب الكراهية ضد العرب الذي يتبناه والزيارات الاستفزازية المتكررة لساحة قبة الصخرة بالقدس التي يقوم بها من عيّنه نتنياهو وزيراً للأمن الوطني إيتمار بن غفير، وكذلك التصعيد الدموي في جنين بالأمس حيث قتل الجيش الإسرائيلي تسعة فلسطينيين حتى كتابة هذه المقالة.
وتستمر محاولات نتانياهو الهيمنة على القضاء في إسرائيل والتضييق على وسائل الإعلام وتقديم مشاريع دينية تتماشى مع مطالب اليمين الصهيوني المتطرف وأطروحاته، وهي كلها تقوض “ديمقراطية” الدولة اليهودية التي كانت تتلمظ بها في المحافل الدولية كـ”واحة ديمقراطية معزولة في بحر متلاطم من الديكتاتوريات العربية المتخلفة”.
حكومة نتنياهو الحالية وممارسات وزرائها العنصرية العلنية، تدفع حتى مؤيدي إسرائيل داخل الكونغرس الأميركي إلى التراخي عن تأييدها المطلق الذي تمتعت به على مدى العقود الستة الماضية، إذ حذر عضو مجلس النواب براد شيرمان، المعروف بتأييدة الشديد لإسرائيل، نتنياهو من التغيير القضائي ومن وزراء حكومته المتطرفين.
في ظل هذه الأوضاع وما هو قادم للمشهد الإسرائيلي يتمنى كل مخلص ومساند للحق الفلسطيني لو أن الأوضاع العربية كانت أكثر صلابة وتوحداً في جهودها لإقرار حقوق الشعب الفلسطيني واستغلال المرحلة الصعبة التي ستمر بها السياسة الخارجية الإسرائيلية بفضل التطرف الصهيوني اليميني، لكن الوضع العربي أبعد ما يكون من الوحدة والتنسيق حول ملف القضية الفلسطينية، بل حتى حول مختلف القضايا الإقليمية والدولية.
لكن أنّى للوضع العربي أن يكون موحداً تجاه القضية الفلسطينية إن لم يكن الوضع الفلسطيني كذلك، فالساحة الفلسطينية تشهد منذ 15 عاماً انقساماً حاداً بين دولتين وحكومتين مختلفتين، إحداهما في قطاع غزة بقيادة الإخوان المسلمين (حماس)، والأخرى ممثلة للسلطة الوطنية الفلسطينية التي يقودها الرئيس محمود عباس في الضفة الغربية منذ 20 عاماً تقريباً. السلطتان تتنافسان على الفساد وعلى قمع الإنسان الفلسطيني الواقع تحت سلطتيهما والمتاجرة بقضيته.
وينقسم الشارع الفلسطيني اليوم إلى ثلاثة اتجاهات رئيسة،
– فريق لا يزال يحلم بالدولة الفلسطينية عبر حل الدولتين، وهو حل تلاشى ومات ولن يعود للحياة. فقد وقع الرئيس جو بايدن على “شهادة وفاة حل الدولتين” في يوليو (تموز) الماضي حين زار القدس كما كتب الصحافي الإسرائيلي في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية جدعون ليفي.
– وفريق فلسطيني ينادي بالمقاومة والقتال و”الجهاد” حتى تحرير كامل التراب الفلسطيني ويقود هذا الفريق بالدرجة الأساس حركة “حماس” الإخوانية وحركة “الجهاد” التابعة لإيران ويساند هذا الفريق “عرب الظاهرة الصوتية”.
– أما الفريق الثالث، فهو الأضعف وهو الفريق البراغماتي الذي بدأ يطالب بحل الدولة الواحدة والعيش داخل إسرائيل وحمل جنسيتها والنضال السلمي من أجل الحقوق المدنية الكاملة والمساواة مع اليهود، وهو فريق يجابه اليمين المتطرف الصهيوني الذي يطالب بترحيل فلسطينيي الداخل الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية ناهيك عن مطالبته بترحيل الفلسطينيين الموجودين على أرض “يهودا والسامرة”، كما يسمونها، أي الضفة الغربية المحتلة، ويسانده بالتصدي لهم الفريق الفلسطيني الثاني المطالب بـ”الجهاد والمقاومة والحرب” بمساندة ودعم من إيران.
أما أصوات “بدنا نعيش”، فهي لن تخرج من أحد السيناريوهات الثلاثة إن قدر لها العيش.
“لن ينقذ العالم إسرائيل من نفسها هذه المرة”، هكذا كان عنوان مقالة للكاتبة الليبرالية الإسرائيلية نوا لانداو، نائبة رئيس تحرير صحيفة “هآرتس”، مقالة الكاتبة جاءت بعيد ظهور نتائج الانتخابات الإسرائيلية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعدما نجح اليمين المتطرف محققاً نتائج غير مسبوقة.
يقابل تساؤل لانداو الإسرائيلية تساؤل عربي آخر، “من ينقذ الفلسطينيين ممن يتاجرون بقضيتهم غير الفلسطينيين أنفسهم؟”.
*نقلا عن إندبندنت عربية