انهيارات في الأسواق العالمية بسبب تدهور أسهم المصارف
أكبر 4 بنوك أميركية تخسر أكثر من 50 مليار دولار في يوم واحد والسلطات تغلق “سيليكون فالي بنك”
أحمد مصطفى صحافي متخصص في الشؤون الدولية
وصل الانهيار في أسهم “بنك سيليكون فالي” إلى 68 في المئة (رويترز)
أعلنت السلطات الأميركية الجمعة أنها أغلقت مصرف “سيليكون فالي بنك” المقرب من أوساط التكنولوجيا والذي وجد نفسه فجأة في حالة عسر وعهدت إدارة الودائع إلى المؤسسة الفدرالية لتأمين الودائع في الولايات المتحدة (FDIC).
وتخطط المؤسسة المذكورة لإعادة فتح فروع البنك الاثنين والسماح للعملاء بسحب ما يصل إلى 250 ألف دولار على المدى القصير، وهو المبلغ الذي عادة ما تضمنه المؤسسة.
وأوضحت المؤسسة الفدرالية أن هيئة الحماية المالية والابتكار في كاليفورنيا (DFPI) هي التي استحوذت رسمياً على المصرف، مشيرة إلى “عدم كفاية السيولة والإعسار”.
وإغلاق “اس في بي” لا يمثل أكبر عملية إفلاس مصرفي منذ إغلاق بنك “واشنطن ميوتشوال” للادخار في العام 2008 فحسب، بل أيضا يمثل ثاني أكبر إفلاس لبنك بالتجزئة في الولايات المتحدة.
وأكدت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين الجمعة، قبيل إعلان إغلاق المصرف، أنها تتابع “عن كثب” الوضع في القطاع المصرفي.
وأوقفت البورصة الأميركية التداول على أسهم مصرف “بنك سيليكون فالي” SVB المسجل على مؤشر “ناسداك” في “وول ستريت” بنيويورك. وجاء وقف التعامل على أثر انهيار أسهم البنك الذي يتخذ من ولاية كاليفورنيا مقراً له في تعاملات قبل فتح السوق، الجمعة. وكانت أسهم البنك قد انهارت مع أسهم كثير من المصارف الأميركية، أمس الخميس، مما هوى بمؤشرات الأسواق الرئيسة حول العالم.
وهوت جميع المؤشرات في الأسواق الرئيسة في آسيا وأوروبا في تعاملات نهاية الأسبوع، الجمعة، مقتفية أثر الانخفاض الشديد، أمس الخميس، متأثرة بانهيار أسهم المصارف. ومنذ أمس الخميس، وصل الانهيار في أسهم “بنك سيليكون فالي” إلى 68 في المئة، وتوقعت الأسواق انهياره مع خسائر بمليارات الدولارات.
ومع مسارعة المودعين في البنك الذي يقرض شركات التكنولوجيا الناشئة إلى سحب أموالهم في الأيام الأخيرة، حاول البنك توفير تمويل لتعويض نقص أموال المودعين التي يعتمد عليها في إقراض الشركات. وشكك مصرف “غولدمان ساكس” الاستثماري في محاولات البنك توفير التمويل، واعتبرها “فاشلة” في مذكرة له، الجمعة. واضطر “بنك سيليكون فالي” إلى بيع القدر الأكبر من موجوداته من سندات الخزانة الأميركية التي اشتراها في وقت سابق حين كانت أسعار الفائدة قرب الصفر. وتكبد خسائر هائلة من بيع السندات التي زاد العائد عليها، وانخفضت قيمتها بشدة في الأشهر الأخيرة. ويعاني البنك خسائر وصلت إلى 1.8 مليار دولار في موجوداته من سندات الخزانة البالغة قيمتها 21 مليار دولار.
ذعر من مصير المصارف
وتأتي أزمة مصرف “بنك سيليكون فالي” بعد انهيار مصرف “سيلفرغيت كابيتال كورب” في الأيام الأخيرة، ومقره كاليفورنيا أيضاً، لكن بنك “سيلفرغيت” يتعرض لسحب الودائع منه منذ العام الماضي مع أزمة الانهيارات في قطاع العملات المشفرة. ويعد البنك من المقرضين الرئيسين لشركات المشفرات. إلا أن سحب المودعين أموالهم من “بنك سيليكون فالي” بدأ أخيراً.
وفي إفصاحه الأخير، كشف “بنك سيليكون فالي” عن انخفاض الودائع في حسابه الجاري للربع الأول من هذا العام بمقدار خمسة مليارات دولار، بينما انخفضت أموال العملاء بشكل عام بمقدار 15 مليار دولار. وأدى الانهيار في أسهم البنك، أمس الخميس، بنحو 60 في المئة إلى حالة ذعر في الأسواق جراء انهيار أسهم البنوك ومخاطر نشوء أزمة في القطاع المالي الأميركي كله.
وعقد الرئيس التنفيذي للبنك غريغوري بيكر، الجمعة، اجتماعاً على الهاتف مع المستثمرين فيه، طالباً دعمهم لمنع انهيار المصرف تماماً. وكانت شبكة “سي أن بي سي” قد ذكرت أن البنك يسعى إلى بيع أصوله في محاولة لوقف الانهيار.
وخسرت البنوك الأربعة الكبرى في الولايات المتحدة، أمس الخميس، 52 مليار دولار من قيمتها السوقية مع انهيار أسهم المصارف. وفقد بنك “جيه بي مورغان” 32 مليار دولار من قيمته السوقية نتيجة انخفاض أسهمه في السوق، أمس الخميس، فقط، بينما فقد “بنك أوف أميركا” ما يصل إلى 16 مليار دولار من قيمته السوقية. وانخفض رأس المال السوقي لشركة “ويلز فارغو” المالية 10 مليارات دولار. أما بنك “سيتي غروب” فخسر نحو أربعة مليارات دولار من قيمته السوقية، أمس الخميس.
وتواجه البنوك مشكلة في توفير التمويل، سواء من الأسهم في السوق، أو حتى من بيع موجوداتها من سندات الخزانة الأميركية التي تعد أصولاً مقابلة لعمليات الإقراض التي تقوم بها. وبحسب شركة “فيدرال ديبوزيت إنشورانس”، فإن القطاع المصرفي الأميركي معرض لخسائر بقيمة 600 مليار دولار بحساب الفارق بين قيمة موجوداتها من سندات الخزانة حالياً والقيمة التي اشترتها بها قبل سنوات عندما كانت أسعار الفائدة صفر والعائد على السندات منخفض جداً.
انهيار أم تصحيح؟
وعلى رغم انهيار الأسواق بسبب الهبوط الهائل في أسهم قطاع المصارف، فإن بعض المحللين يرون أن ما يحدث هو عملية تصحيح، وإن كانت حادة ومؤلمة، لكنها ليست انهياراً تاماً للقطاع المالي. وذكر تقرير لوكالة “بلومبيرغ” أنه حتى لوكانت عملية تصحيح فهي “أزمة مؤلمة”.
ونقلت الوكالة عن باحثين أنه “بدلاً من مواجهة موجة كبيرة من استقبال الودائع، ستضطر البنوك إلى التنافس بقوة أكبر لتقديم معدلات فائدة أعلى للمدخرين. وهذا من شأنه أن يقوض ما تكسبه البنوك من عمليات الإقراض، ويقلل الأرباح”. وستكون البنوك الأكثر عرضة للمخاطر، الأكثر تضرراً من الأزمة، فغالباً ما يكون التمويل للبنوك الصغيرة والمتوسطة الحجم أقل تنوعاً، مما يجبرها على جمع سيولة عبر بيع مزيد من الأسهم، الأمر الذي يخفض من حصص المستثمرين الحاليين.
وقال رئيس مجلس إدارة شركة الاستشارات المالية “والين غلوبال أدفيزرز” كريستوفر والين، إن “بنك سيلكون فالي هو مجرد غيض من فيض، لست قلقاً في شأن اللاعبين الكبار، لكن كثيراً من الصغار سيتعرضون لضربات رهيبة. وسيضطر عديد منهم إلى رفع رأس المال”.
وكتب الاقتصادي المخضرم كبير مستشاري مجموعة “أوليانز” محمد العريان على صفحته في موقع التواصل “فيسبوك”، أن “ما يحدث هو عملية تصحيح أكثر منها أزمة انهيار للقطاع المالي وقطاع المصارف”. وذكر العريان ثلاث ملاحظات أساسية على الأزمة، فقال “مع أن القطاع المصرفي الأميركي في وضع جيد، إلا أن ذلك لا يعني أن كل المصارف في وضع جيد. والمؤسسات المالية الأكثر عرضة للمخاطر هي تلك الأكثر انكشافاً على مخاطر ارتفاع سعر الفائدة ومخاطر الائتمان نتيجة زيادة العائد على السندات وانخفاض قيمتها. وسيمكن احتواء خطر انتشار عدوى التدهور والانهيار بالحفاظ على سلامة الحساب الجاري وتجنب مزيد من السياسات الخاطئة”.
مع ذلك، يتوقع مراقبون أن يستمر التدهور في قطاع المصارف حتى لو سلمت المصارف الكبرى من خطر الانهيار. ومع احتمالات استمرار الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) وغيره من البنوك المركزية الرئيسة، في رفع أسعار الفائدة، ستزداد مخاطر الانكماش الائتماني، بالتالي مزيد من الضغط على أسهم المصارف.