توقيف 600 تاجر ومتعاطٍ في 3 أشهر… المخدرات تتفشى في إقليم كردستان
المصدر: النهار العربي رستم محمود
اعتقال أحد كبار تجار المخدرات في إقليم كردستان العراق في أيار (مايو) 2022.
A+A-تشير تقارير وبيانات رسمية عراقية إلى تحوّل البلاد، ومنها إقليم كردستان، إلى ممر عالمي لتدفق مختلف أنواع المواد المخدرة، الحديثة منها بالذات، كحبوب الكبتاغون والكريستال، سواء من إيران وسوريا إلى دول الخليج العربي وشرق أفريقيا، أو وسط آسيا إلى القارة الأوروبية. لأسباب جغرافية، تتمثل بالطبيعة الجبلية للإقليم، ولأخرى أمنية، مرتبطة بالقلاقل المحيطة به من أكثر من ناحية، فإن عصابات تهريب المخدرات تعتبر إقليم كردستان مكاناً مثالياً لنقل المواد المخدرة بين إيران وتركيا وسوريا وباقي مناطق العراق، وإلى حد كبير بيئة لاستهلاك المخدرات.
مجلس أمن إقليم كردستان، وهو أعلى هيئة أمنية في الإقليم، أعلن أنه في ثلاثة أشهر فحسب، تمكن من القبض على قرابة 600 تاجر ومتعاطٍ للمواد المخدرة في الإقليم. وقال إن 107 من هؤلاء يُعتبرون من “كِبار التجار”، ضُبط بحوزتهم 381 كيلوغراماً من المخدرات “التقليدية”، إلى جانب أكثر من عشرات شرائط حبوب الكريستال وقرابة كيلوغرام من الهيرويين، ومواد أخرى مثل الجامايكا والماريجوانا وحبوب الترامادول. لكن المفاجأة كانت في إعلان المجلس ضبط كمية 367 كيلوغراماً من الكبتاغون، وهو من أكبر الكميات المضبوطة على مستوى الإقليم. منبع للكبتاغونالعامل الأبرز لانتشار المخدرات في إقليم كردستان هو تحوّل سوريا وإيران إلى مركز عالمي لصناعة الكبتاغون وتصديره على مستوى العالم، فالدولتان تشكلان تحدياً أمنياً لكل دول جوارهما. السلطات الأمنية في إقليم كردستان أعلنت العام الماضي ضبط كمية هائلة من حبوب الكبتاغون مخبأة في مواد بناء مُعدة للتصدير إلى باقي مناطق العراق، لكن عبر إقليم كردستان، حيث توصلت التحقيقات إلى أن عصابات وشبكات الإتجار تستفيد من القلاقل الأمنية الحدودية والتسهيلات التجارية لتسهيل مثل هذه العمليات عبر الإقليم. تعترف حكومة إقليم كردستان رسمياً بتحول المخدرات في الإقليم، تعاطياً وتجارة، إلى آفة رئيسية، مثلما أعلن منسق التوصيات الدولية في حكومة الإقليم الدكتور ديندار زيباري، قائلاً: “صار إقليم كردستان هدفاً لتجار المخدرات. لذلك نرى أن أعداد المدمنين في تزايد مستمر، كما أن أرقام وإحصاءات القبض على تجار المخدرات والمدمنين من قبل الأجهزة الأمنية تدعو إلى القلق”.بؤر الآفةمصدر أمني في إقليم كردستان، التقاه “النهار العربي”، ذكر أن مقاهيَ شبابية وبعض المباني الجامعية ومراكز تجميل نسائية، إلى جانب تقديم خدمات التوصيل المباشر من التجار المستأمنين، هي مراكز وأدوات تستخدم الشبكات لنشر وتوزيع المواد المخدرة في مدن الإقليم، وقال إن نسبة المتعاطين داخلها أضعاف المتعاطين الريفيين، حيث تقف الثقافة الأهلية والقيم الشعبية مانعاً أمام انتشارها هناك.
الباحثة الاجتماعية روناك كولي كلش، شرحت في حديث لـ”النهار العربي” الطبقات الثلاث من مواطني الإقليم الذين يتعاطون المواد المخدرة، وتفاوتاتهم وأسباب تعاطيهم مع نوعية المواد المخدرة التي يستهلكونها. تقول كلش: “من حيث العدد، فإن متعاطي الأنواع الجديدة من المخدرات، مثل الكبتاغون والكريستال هم الأكثر عدداً، فهذه المواد أرخص ثمناً والأيسر تداولاً، وهي تنتشر في أوساط الشبان العاطلين من العمل والذين يعانون من أزمات نفسية واجتماعية. أما متعاطو الحشيشة وما يشابهها، فهم من المدمنين التقليديين للمواد المخدرة، وغالباً ما يكونون من أبناء الطبقة الوسطى تعليمياً واقتصادياً، ولا يمكن فعلياً تسميتهم بالمدمنين. لكن مواد مثل الكوكايين والهيرويين تنتشر في أوساط أبناء الجيل الثاني والثالث من الطبقة الغنية، من الذين يملكون تداخلاً وتواصلاً مع مختلف مناطق المنطقة والعالم”. الأجهزة الأمنية والقضائية في إقليم كردستان تنفي أي تقاعس من قِبلها عن مواجهة هذه الآفة، مذكرة أنها خلال حملاتها اعتقلت العديد من الشخصيات الاجتماعية والعامة المشهورة من المجتمع، مثل موظفين في البرلمان وإعلاميين ووجوه فنية في الإقليم.قصور قانونيالأوساط الشعبية في إقليم كردستان تعتبر أن القوانين المحلية هي التي تتسبب في تفاقم الظاهرة، مذكرة أن إلغاء حكم الإعدام بحق المتاجرين بالمواد المخدرة بعد العام 2003 زاد من “جرأة” التجار للعمل في إقليم كردستان، وغيره من مناطق العراق. فالقانون العراقي الحالي يحدد عقوبة تراوح بين خمس سنوات إلى السجن المؤبد بحق المتاجرين بالمواد المخدرة، أياً كانت الكميات التي بحوزتهم. الخبير الأمني في شؤون تجار المخدرات عيسى نوفل شرح في حديث لـ”النهار العربي” التوصيات التي ترفعها مختلف الجهات الدولية الاختصاصية إلى الحكومة العراقية ونظيرتها في إقليم كردستان، وتتوزع على مستويات مختلفة للتعامل مع هذه الظاهرة. وقال: “أولاً يحتاج الطرفان إلى إغلاق مختلف الممرات السائبة في مناطق سيطرتهما. ففي تلك المناطق، مثلما تنتشر “داعش” أمنياً، فإن عصابات المخدرات تحدد نقاط مبادلتها وانطلاقها إلى مختلف المناطق. كذلك فإن حكومة الإقليم يجب أن تحصل على دعم دولي لضبط حدودها مع دول الجوار باحترافية أكثر. وهو أمر متعلق بحل مشكلاته الأمنية الصعبة، مثل مواجهته لملف سنجار أو حزب العمال الكردستاني شمالاً. ومع هذه القضايا كلها، فإن جهاز مكافحة المخدرات في الإقليم يحتاج إلى دورات ترقية عالمية، لا تعتبر عمله أمنياً فحسب، بل مرتبطاً ومتداخلاً مع كل جوانب الحياة الاجتماعية في الإقليم”.