داود الفرحانحاصل على بكالوريوس الصحافة من جامعة بغداد عام 1968. نائب نقيب الصحافيين العراقيين لثلاث دورات، الأمين العام المساعد لاتحاد الصحافيين العرب. مدير «مركز المعلومات والبحوث» في وزارة الثقافة والإعلام العراقية. معاون المدير العام لوكالة الأنباء العراقية. المستشار الإعلامي للسفارة العراقية في القاهرة (1989 – 1990). كاتب عمود صحافي في الصحف العراقية منذ عام 1966، وكاتب عمود في مجلات: «المجلة» السعودية، و«الأهرام العربي»، و«الصدى» الإماراتية، و«اليمامة» السعودية، و«التضامن» اللندنية. رئيس تحرير صحف ومجلات عراقية أسبوعية عدة ومؤلف لعدد من الكتب.
يطلق الصينيون على إقليم التبت، حيث قمة إيفرست، تسمية «سقف العالم»؛ لأنها أعلى قمم العالم، وتصل إلى 9 كلم عن سطح البحر. وهذا الإقليم يتمتع بحكم ذاتي تحت السيادة الصينية منذ عام 1955 أي قبل تمتع الأشقاء الأكراد بالحكم الذاتي في عام 1970 بموجب اتفاقية بين الحكومة العراقية والزعيم الكردي الراحل الملا مصطفى البرزاني. والمقارنة صعبة جداً بين تطور إقليم التبت الصيني منذ عهد القائد ماو تسي تونغ وبين حالة الإقليم الكردي رغم توقف الحرب العراقية – الكردية الداخلية منذ عام 1990، وتمتع الإقليم بحكم برلماني مستقل وميزانية تُستقطع من ميزانية الدولة العراقية يدخل الإيراد النفطي فيها بعد الاحتلال الأميركي للعراق.
في كل الأحوال نرجو أن يجد الأشقاء الأكراد مفاتيح المستقبل السياسي داخل الوطن العراقي، خصوصاً أن لديهم جبال زاغروس وجبال حمرين وجبال قنديل وجبل أزمر، وهي سلسلة مرتفعات تمتد من تركيا إلى إيران مروراً بالعراق.
بدأتُ بالتبت في الصين، وأستمر بها لأن هذه المنطقة المميزة عن كل دول العالم بدأت عصراً جديداً من التنمية والتغيير واستئصال الفقر المدقع الذي كان فيه مالك العبيد في نظام العبودية الإقطاعي يفرض فيه ظلماً وظلاماً لا يُعدّ ولا يُحصى.
ولأن الحزب الشيوعي الصيني ماهر في استخدام الثقافة والفنون والعلاقات الإنسانية عرض حياة العبيد القدماء في مسرحيات تصور كيف أنهم كانوا يسرقون طعام الكلاب ليأكلوه! ثم يأتي الإقطاعي لينهال عليهم بالضرب والتعذيب إلى أن يموت بطل المسرحية وتصاب زوجته بالجنون، ثم يتعرض أولادهما إلى التعذيب حتى الموت. إنها مسرحية «دموع العبيد» التي ما زال الصينيون يشاهدونها جيلاً بعد جيل ليس لأنها ممتعة؛ فهي غير ممتعة إطلاقاً، ولكن للإشادة بالنظام الصيني الجديد الذي ألغى الإقطاع ونظام العبيد.
لم تتوقف النظرة المستقبلية في الصين على تطوير المدن الشهيرة مثل بكين وشنغهاي وهونغ كونغ، وإنما امتدت إلى الدولة كلها وأكثر من 600 مدينة متحضرة. ولم يعد سور الصين العظيم أُعجوبة الصين، فالتبت التي قدمت تجربتها إلى العالم مثالاً للمدنية المعاصرة، روجت لتمدن الأرياف في المناطق النائية بكل احتياجاتها من مدارس وجامعات ومستشفيات وإسكان عصري وأسواق ومراكز تجارية وموانئ ومصانع وقطارات أنفاق. يكفي أن نعلم أن إحدى محطات المترو عمقها 31 طابقاً تحت الأرض!
وللمعلومات فإن الصين أقامت قطارات الأنفاق في تل أبيب. وهي تمول حالياً مشروع إنشاء مترو أنفاق قطارات في طرابلس بقيمة ثلاثة مليارات يورو، إلا أن المشروع يتلكأ بسبب الاضطرابات السياسية في ليبيا، مثلما حدث في بغداد بعد استكمال خرائط خطوط الأنفاق في الثمانينات من القرن الماضي، وما زالت خرائط المشروع معلقة في أمانة بغداد بعد أن أفتى أحد حفاري القبور قبل سنوات قليلة بأن قطارات الأنفاق «حرام» لأنها تقلق نوم المرحومين!
لا بأس بإطالة المقال بعض الشيء، فكل المجتمعات الدولية المتخلفة تواقة إلى الانتقال من الفقر المدقع والحرمان والأمية والأمراض والجهل إلى الحياة الرغيدة. وهذا الانتقال لا يمكن أن يحدث في ظل الفساد المالي والاقتصادي الحكومي التي ابتُليت به بعض الدول، ولا تحت قرقعة السلاح وانفجار الصواريخ والمسيّرات وفوضى الميليشيات المسلحة.
احتاجت الصين إلى ثمانين عاماً أو قرن كامل لتتجاوز الأمية والفقر والمجاعة والإقطاع والأمراض والحروب الداخلية لتصل إلى حيث هي اليوم؛ دولة عظمى وعضو دائم في مجلس الأمن الدولي ولها أقمار تحلق في الفضاء الخارجي، وسفارات في كل دول العالم، وتخشى غضبها دول كبرى.
في كل عام يستذكر سكان التبت مآسي العبيد والإقطاع القاسي والظالم، ومع الإصلاحات الإنسانية تقول وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) إن الحياة في قرى مرتفعات التبت انتقلت مع مشاعر السكان من العبودية إلى الحياة الرغيدة. ويشير السكان إلى بقايا مظاهر حياة العبيد من أكواخ وأدوات التعذيب والسجن.
منذ عام 2012 أعطت الحكومة الصينية الأولوية للقضاء على الفقر الذي كانت نسبته في المجتمع الصيني أكثر من 80 في المائة، وعملت الدولة على تطوير البنى التحتية من طرق ومرافق مياه وكهرباء وإسكان. وهذه ليست دعاية مباشرة للحكومة الصينية بقدر ما هي إحساس إنساني بقيمة الحرية والعيش الكريم، والقضاء على الفقر، وتوفير المنازل الحديثة ورياض الأطفال والمستشفيات وفتح الشوارع. وحسناً فعلت الصين بعرض استعدادها لنقل تجاربها إلى غابات أفريقيا حيث ما زالت بعض ركائز الاستعمار الأوروبي تروي مآسي الأفارقة طوال أكثر من قرن. وها هو السودان الشقيق يغطس في مستنقع الحرب الأهلية بعد أن كان يحلم بوطن غني وحضاري وحر وشعب سعيد.
ولولا الشعب الصيني وهمته العالية وصبره الطويل لما استطاع الرئيس الصيني الحالي شي جينبينغ أن يفخر بإعادة الحياة إلى طريق الحرير تدريجياً وسط حروب ليست بعيدة وأزمات ليست سهلة. ووصف الرئيس الصيني ما حققته بلاده بأنه «معجزة» القضاء على الفقر بين مئات الملايين من الحالمين ببلد مزدهر. وبلغة الأرقام أزيل الفقر من 832 محافظة و128 ألف قرية فقيرة من خريطة الفقر.
إلا أن الحكومة الصينية وضعت نصب عينيها ونصب عيون الدول النامية الفقيرة أهمية تشجيع الفقراء على التنمية الذاتية لتقليل إمكانية عودتهم إلى الفقر من جديد، سواء بزيادة عدد أفراد الأسرة الواحدة أو انخفاض الدخل خلال ظروف الأوبئة الصحية.
ومع ذلك فإن القطاع المالي في الصين يواجه سلسلة من تحقيقات الفساد الجديدة تزلزل ما قيمته 60 تريليون دولار كما ذكر موقع «سكاي نيوز». وفي موقع آخر قال تشوجيا نغنان، خبير الفساد الصيني، وهي وظيفة تحتاجها بشدة معظم الدول العربية، إن القيادة الصينية رأت بصدق «مشكلة خطيرة» في مخاطر الفساد المالي الذي يقوض الاستقرار والثقة، كما هو واضح في العراق وسوريا ولبنان وليبيا والسودان واليمن، والإنكار لا يحلّ أي مشكلة.