التسوية الأوروبية للصراع تفتقد “ثقة” فلسطينية و”قبول” إسرائيلي
على رغم أن جوزيف بوريل طالب المجتمع الدولي بفرض “حل الدولتين” فإن رؤيته تحتاج طمأنة المقاومة وموافقة تل أبيب وتنسيق أميركي
الدور الأوروبي لتسوية الصراع يجب أن يبدأ من وقف الحرب في غزة (أ ف ب)
استبق مسؤول السياسية الأمنية والخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل عرض مقاربته لإقامة دولة فلسطينية على وزراء خارجية الاتحاد، اليوم الإثنين، بالجزم بأن الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني “لا يمكن حصوله إلا إذا فرض من المجتمع الدولي”.
ووفق بوريل فإن تجربة الـ30 سنة الماضية فشلت في التوصل إلى سلام دائم عبر إقامة دولة فلسطينية، ولذلك فإن “الحل يأتي بفرضه من الخارج، على رغم إصرار إسرائيل على معارضة ذلك الحل”، لكن مسؤولين وخبراء فلسطينيين استبعدوا إمكانية وجود دور فاعل لاتحاد الأوروبي في شأن تسوية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي من دون تنسيق مع الإدارة الأميركية.
وشكك هؤلاء في جدية الدور الأوروبي في ظل الخلافات بين أعضاء الاتحاد الـ27، وتباين مواقفهم في شأن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، واحتمال اتخاذ إجراءات عملية لفرض حل الدولتين، منها الاعتراف بدولة فلسطين أو فرض عقوبات على إسرائيل.
تحرك أوروبي
وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني إن التحرك الأوروبي “متأخر لكنه مهم”، وشدد على “ضرورة الانتظار لمعرفة مدى جدية الرؤية الأوروبية في شأن حل الدولتين وإمكانية فرضها على الأرض”.
ووفق مجدلاني، فإن الدور الأوروبي يجب أن يبدأ من “وقف حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على قطاع غزة، وضمن مسار سياسي واضح بدعم دولي عبر مؤتمر دولي للسلام”، موضحاً أن نجاح الدور الأوروبي “يتوقف على موقف واشنطن منه”، معرباً عن تشاؤمه، بسبب “الخلافات داخل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي”.
وتدعو مقاربة بوريل إلى عقد مؤتمر “تحضيري للسلام بهدف التسوية للحرب المستمرة في غزة، وتشكيل مجموعات عمل لوضع “إطار مبدئي” لخطة السلام خلال عام واحد”.
وأشارت المقاربة إلى ضرورة أن يشمل الإطار المبدئي “أكبر قدر ممكن من الناحية العملية العناصر الأساسية للسلام الشامل وفقاً لقرارات الأمم المتحدة السابقة وجهود الوساطة”.
وبحسب تلك المقاربة فإنه “يجب أن تؤدي هذه العملية إلى “قيام دولة فلسطينية مستقلة تعيش جنباً إلى جنب” مع إسرائيل، و”علاقات سلام كاملة بين إسرائيل والعالم العربي”، ووفق رؤية بوريل فإنه عندما “تصبح خطة السلام جاهزة فينبغي تقديمها إلى الإسرائيليين والفلسطينيين للتفاوض في شأنها على النص النهائي”.
حل الدولتين
لكن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية طالب بتحويل “الإجماع الدولي على إقامة دولة فلسطين إلى خطوات عملية تجسد الدولة على الأرض نحو إنهاء الاحتلال”، ومن تلك الخطوات “فرض عقوبات على إسرائيل لاستمرارها في العدوان والاستعمار والاحتلال، ورفضها للسلام”.
وأشار اشتية إلى أن من بين تلك الإجراءات “الاعتراف بدولة فلسطين بشكل ثنائي، والتصويت لصالح منحها عضوية كاملة في الأمم المتحدة”.
ومع أن بوريل أشار في “مقاربته الشاملة” إلى أن حركة “حماس” من الأسباب التي تمنع إقامة دولة فلسطينية، فإنه أحجم عن اتهام إسرائيل بذلك، على رغم تكرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رفضه إقامة دولة فلسطينية، لكن بوريل طالب تل أبيب بتقديم بديل عن رفض حل الدولتين في ظل تأييد الأمم المتحدة لإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967.
وجاء إعلان نتنياهو رفضه إقامة دولة فلسطينية رداً على إشارة الرئيس الأميركي جو بايدن لموافقة نتنياهو على ذلك الحل عقب اتصال هاتفي بينهما، وشدد رئيس الوزراء الإسرائيلي على أنه لن يتنازل “عن السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة على جميع الأراضي الواقعة غرب الأردن”، في إشارة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، مشيراً إلى أن ذلك “يتعارض مع الدولة الفلسطينية”، وفق اشتية.
من جهته شدد الباحث السياسي جمال زقوت على أن رؤية بوريل “تحاول أن تعالج الأمور بطريقة لا تضمن لجم العدوان الإسرائيلي”، في إشارة إلى تجنبها الدعوة لوقف الحرب على قطاع غزة.
اقرأ المزيد
- بوريل يتوقع عقد اجتماع لإحياء الاتفاق النووي هذا الأسبوع
- الاتحاد الأوروبي يوافق على تشكيل “مهمة” بالبحر الأحمر لردع الحوثيين
- خلافات إسرائيلية- أميركية حول عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة
وأوضح زقوت أن أي “مبادرة سياسية حتى تكون فاعلة يجب أن “تضمن وقف الحرب في قطاع غزة، ومعالجة الكارثة الإنسانية، وقطع الطريق على مخطط التهجير مع إلزام إسرائيل وقف الاستيطان وخطة ضم الضفة الغربية”.
وتطالب رؤية بوريل “ببناء بديل سياسي متجدد لـحركة (حماس) في إشارة إلى ضرورة اعترافها بإسرائيل ونبذ العنف”، إلا أن زقوت أوضح أن ذلك أثبت فشله خلال العقود الماضي منها اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بوجود إسرائيل.
ووفق زقوت، فإن اشتراط قيادة منظمة التحرير الحالية على حركة “حماس” الاعتراف بإسرائيل قبل انضمامها إلى المنظمة “غير صحيح”. وطالب بضرورة “عودة منظمة التحرير كائتلاف لجميع القوى الفلسطينية مع احتفاظ تلك القوى برؤيتها الخاصة، ومن دون المساس برؤية المنظمة”.
تسوية الصراع
واعتبر الباحث السياسي أن الاتحاد الأوروبي بإمكانه أن يكون “لاعباً فاعلاً في التوصل لتسوية للصراع إذا امتلك الإرادة السياسية لذلك، شرط التنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية”، لافتاً إلى أنه على الاتحاد الأوروبي وأميركا “إلزام إسرائيل قواعد القانون الدولي وإنهاء الاحتلال، والاعتراف بتقرير الشعب الفلسطيني مصيره”.
وبحسب زقوت فإن “تحول الاتحاد الأوروبي إلى عنصر فاعل في الصراع العربي الإسرائيلي مرتبط بأنه لا يقتصر دوره على تمويل التسوية السياسية أو السلطة الفلسطينية”، كما وصف دور الاتحاد الأوروبي خلال العقود الماضية بـ”الهامشي من عملية تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي سواء لجهة عدم اتخاذ إجراءات عملية رداً على الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي بخاصة استمرار الاستيطان، أو عدم دعم المصالحة الفلسطينية الداخلية”.
وأشار الباحث السياسي إلى “ضرورة معالجة أوروبية وأميركية لأسباب الصراع، والقضاء على أسبابه، والاستفادة من أسباب فشل التسوية السياسية السابقة”، منوهاً بأن إقامة دول عربية علاقات سلام مع إسرائيل قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) “شكل جائرة لإسرائيل” في ظل عدم قيام دولة فلسطينية، لكن الحرب الحالية بدأت “تخلخل فكرة القفز عن الحقوق الفلسطينية.
ويرى متخصص العلوم السياسية في جامعة بيزريت أحمد جميل عزم أن الاتحاد الأوروبي “يبدي فهماً متزايداً لحقيقة أن إسرائيل هي التي تعطل المصالح الدولية، وتقوض الأمن في منطقة الشرق الأوسط”. ووصف خطة بوريل بأنها “مخيبة بشدة للآمال، لأنها جاءت لإحداث توازن بين مواقف دول الاتحاد المتناقضة”.
وبحسب عزم فإن الخطة “تحدثت عن عملية فضفاضة، ومفاوضات غير مباشرة، وتبنت سياسية لوم الضحية”، مشدداً على أن “الحديث عن حل الدولتين لم يعد مجدياً من دون وجود جدول زمني لتنفيذه، وإلزام مسبق لإسرائيل به، وضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي قبل الحديث إقامة الدولتين”، لافتاً إلى أنه “من دون ذلك فستبقى الأمور تراوح مكانها، من دون أي تقدم”.
تشكيك فلسطيني
وشكك عزم في قدرة بوريل على فرض حل الدولتين، مشيراً إلى أن “موقعه لا يمنحه سوى تقديم الرأي وليس فرض سياسات معينة”.
من ناحيته اعتبر رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل بلال الشوبكي أن موقف بوريل يأتي في سياق “التطور الإيجابي التدريجي في مواقف الاتحاد”، مشيراً إلى أن تحذير بوريل من غياب حل الدولتين “خطوة في الاتجاه الصحيح لكنها غير كافية”.
ووفق الشوبكي فإن “الموقف الأوروبي مهما كان قوياً فلن يكون قادراً على فرض ضغوط حقيقية على إسرائيل، إلا في حالة وجود تنسيق أوروبي أميركي مشترك في شأن ذلك”.
وأشار الشوبكي إلى أن اتخاذ الاتحاد الأوروبي خطوات كسحب الامتيازات من إسرائيل في حال حصوله فلن يكون مؤثراً على تل أبيب، وإن كانت ستأخذها بعين الاعتبار”.