ترامب وحصاد الأيام المئة الأولى
كيف يرى الأمريكيون والعالم الأيام المئة الأولى من إدارة الرئيس دونالد ترامب؟
يمكن القطع بداية بأن التغييرات الرئاسية التي جرت في نحو ثلاثة أشهر من ولايته الثانية، أعمق بكثير من نظيرتها لدى أي رئيس أمريكي سابق.
في حواره الأخير قبل بضعة أيام مع مجلة «التايم» الأمريكية الشهيرة، وصف سيد البيت الأبيض ما فعله بأنه «هو بالضبط ما خططت له حملته الانتخابية».
يكاد يكون الرئيس ترامب قد أحدث زلزالاً مدوياً، هزَّ أركان الدولة الفيدرالية، إلى الدرجة التي يتصور فيها البعض أنه يريد تدميرها بالمرة، وإعادة هيكلتها، مما دفع أحد كبار مسؤولي إدارته إلى القول: «نجاحنا يعتمد على قدرته على صدمكم».
والشاهد أن الرجل لم يقصِّر في كثير من الإجراءات الصادمة بالفعل، التي تعد الأكثر زعزعةً للاستقرار في التاريخ الأمريكي، لا سيما سلسلة عمليات الاستيلاء على السلطة والتحولات الاستراتيجية والهجمات المباشرة التي تركت المعارضين ونظراءهم العالميين وحتى الكثير من المؤيدين في حالة ذهول.
لكن الرجل يجد، ومن حوله الملايين من الذين يدافعون عن إصلاحاته، أنه في مئة يوم قبض على جمر التغيرات التي تستنقذ روح أمريكا من اليسار الديمقراطي الذي انحرف بأمريكا بعيداً.
وعند هؤلاء أن ترامب تعهد بإعادة تشكيل أمريكا ودورها في العالم بشكل جذري، كما أنه لم يخترع معظم المشكلات التي يسعى جاهداً لحلها، بل إنه يفعل أكثر من أسلافه من الحزبين كليهما لإصلاحها.
يحاجج الكثيرون بأن نظام الهجرة الأمريكي بات معطلاً منذ عقود طوال، وهو أمر يزعج الرجل الأبيض، شكلاً وموضوعاً، وأن ترامب هو الوحيد الذي بدأ بقوة وثبات العمل على إبطاء عبور الحدود بشكل غير قانوني.
على صعيد الشركاء الدوليين، لطالما ندَّد الاستراتيجيون الأمريكيون بـ«المتطفلين» العسكريين في أوروبا وشرق آسيا، وقد أثار ترامب تحركات لم يكن من الممكن تصورها سلفاً من جانب ألمانيا واليابان لإنفاق المزيد على دفاعهما الجماعي، ودفاع جيرانهما.
المدافعون عن حصاد ترامب في الأيام المئة الأولى يؤمنون بأنه الوحيد الذي قاد المواجهة مع الصين، التي خدعت العالم في تقديرهم، ذلك أنها استغلت انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001 لشن هجوم استمر لعقود على من سعوا إلى التعامل معها تجارياً، ولهذا تعد الرسوم الجمركية الأخيرة التي فرضها ترامب أشد الجهود شراسة.
يبدو ترامب اليوم في ذروة قوته، والمقاومة له لا تماثل بالمرة ما عاصره في الأيام المئة الأولى من إدارته السابقة.
غير أن هناك تفاصيل تعطي انطباعات بأن ما بعد الأيام المئة الأولى، لن تكون أزمنة برد وسلام، لا سيما أن تأييد ساكن البيت الأبيض وصل إلى 40%، وفق مسح أجراه مركز «بيو»، وهي نسبة أقل في هذه المرحلة المبكرة من ولايته مقارنةً بأي رئيس آخر في الآونة الأخيرة.
هل كانت السنوات الأربع التي أعقبت خسارته الانتخابات السابقة فرصة ذهبية لرسم خريطة لأمريكا مغايرة، في هدوء وتؤدة؟
حسب سوزي وايلز، كبيرة موظفي البيت الأبيض «لم يقدم ترامب أي تنازلات للبيروقراطية على الإطلاق»، وتضيف «كل ما يريد فعله، أو يعتقد أنه مهم للبلاد.. وجدنا طريقة لذلك».
أما كبار مساعديه، فيعترفون بالفعل بأنه ما زال في البدايات، وقد كانت لديه أربع سنوات للتفكير فيما يريد فعله، والآن يريد تنفيذه.
تنقسم الولايات المتحدة في نهاية الأيام المئة، بين النقاد المعارضين، والمؤيدين الداعمين للرئيس ترامب. يقول النقاد إن ترامب يُضعف الهياكل اللازمة للمعارضة المنظَّمة، وعنده أنه كلما ازداد تشرذم البلاد، قلّت قدرة شعبها على المقاومة الفعالة، وكلما قلّت قدرة المواطنين على إجبار القادة على الاستجابة لإرادتهم، قلَّت قدرتهم على التأثير في مصيرهم الجماعي، على حد قولهم.
أما أحد أهم الداعمين، بل الداعين إلى حق ترامب في ولاية ثالثة، رغم أنف الدستور الأمريكي، ستيف بانون، رجل اليمين الأشهر، فيزعم أن ترامب في مرحلة جهاد لإصلاحهم أولاً من خلال إخضاعهم.
هل على الأمريكيين والعالم انتظار أمريكا مختلفة تماماً عن تلك التي عرفها الجميع من خلال مفاهيم مثل «القدر الواضح» و«المدينة فوق جبل»؟
في حواره مع مجلة «التايم»، يشبِّه ترامب أمريكا بالمتجر العالمي العملاق، الضخم والجميل، حيث الجميع يرغب في التسوق فيه ومنه، وقال: «أنا مالك المتجر، وأحدِّد الأسعار، وأقول: إذا كنت ترغب في التسوق هنا، فهذا ما عليك دفعه».
أهي أمريكا الديمقراطية أم الزبائنية؟