في عصرنا الحالي، لم نعد نألف الشعور بالملل. سواء أكنت تنتظر موعدك في عيادة ما أم تتجه في حافلة إلى مكان بعيد، فالهاتف الذكيّ جاهز لتسليتك. لا ملل بعد اليوم! لكنك إذا قررت أثناء احتفالك في بداية العام 2025 أن تُحدث بعض التغييرات وتنفصل عن هاتفك قليلاً، فاستعد بكلّ ما أوتيت من قوة لمواجهة هذا الشعور القديم، أتذكره؟ الملل.
قد يدفعك الملل إلى اتخاذ أفضل القرارات في حياتك… أو أسوئها! والتحذير واجب!
الملل والألم
قد يكون الملل مزعجاً كالألم. وفي بعض الحالات، ربما يكون أقلّ تفضيلاً: في إحدى التجارب البحثية الشهيرة التي أجريت في عام 2014، اختارت نسبة كبيرة من المشاركين ألم الصدمة الكهربائية التي يتعرّضون لها ذاتياً على الجلوس في غرفةٍ لمدة 15 دقيقة مع أفكارهم وحدها.
واتضح أن الملل قد يخدم نفس الغرض الذي يخدمه الألم. “الألم ليس موجوداً ليجعلك تشعر بالألم. فالألم موجود كإشارة لتحفيزك نوعاً ما على التصرف، لمعالجة ما كان السبب في الأذى في المقام الأول. والأمر نفسه ينطبق على الملل”. هذا ما قاله عالم الأعصاب الإدراكي جيمس دانكيرت لكبير المراسلين الطبيين في شبكة “سي أن أن”، الدكتور سانجاي غوبتا.
يلجأ دانكيرت، المؤلف المشارك لكتاب “الخروج من جمجمتي: سيكولوجية الملل”، إلى عملاق أدبي لتعريف الملل. يقول: “أحب عندما أعطي تعريفاً للملل أن ألجأ إلى هذا الاقتباس من ليو تولستوي، من (روايته) “آنا كارينينا”، حيث يتحدث عن الملل باعتباره “الرغبة في الرغبات”. الملل هو حالة تحفيزية. أنت تريد أن تفعل شيئاً مهماً بالنسبة لك، ولكنك لا تريد أيّ شيء متاح لك حاليا“.
إذن، كيف يمكنك التخفيف من الملل؟
قدم دانكيرت خمسة اقتراحات وأفكار غير علمية باعتراف الجميع، استناداً إلى عقود من الخبرة والملاحظة، للتعامل مع الملل.
- لا تقدم قائمة من البدائل
إذا كنت والداً لطفل يعبّر عن شعوره بالملل، أو صديقاً لشخص يشعر الملل، فلا تعرض مجموعة من الخيارات لما يمكن أن يفعله بدلاً من ذلك. يقول دانكيرت: “من النتائج الثابتة والقوية إلى حد ما أن الأشخاص الذين يشعرون بالملل يشعرون بأنهم لا يملكون الكثير من القدرة على التصرف. إنهم يشعرون بأنهم لا يتحكمون بحياتهم. وإذا أعطيتهم فقط قائمة من الاقتراحات، فهذا لا يحل المشكلة”.
إن تقديم البدائل قد ينجح مع بعض الأشخاص الذين يشعرون بالملل من حين لآخر، ولكن “بالتأكيد لن ينجح مع الأشخاص الذين يشعرون بالملل بشكل مزمن”.
لذا، أغلق فمك ودع الأشخاص الذين يشعرون بالملل في حياتك يكتشفون ذلك بأنفسهم.
- أنشئ قائمة لنفسك
ضع قائمة بالأنشطة والمهام والمشاريع التي يمكنك اللجوء إليها عندما تشعر بالملل.
قال دانكيرت: “بالنسبة إليّ، فإن النشاط الأساسي اللجوء إلى غيتاري… ولكن بعد ذلك يجب أن يكون لديك شيء ثانٍ أو ثالث أو رابع، بحيث عندما لا يعمل هذا الشيء الأساسي الذي يعمل عادةً، يمكنك اللجوء إلى هذه الأشياء الأخرى في قائمتك”.
- تصفّح الإنترنت بلا تفكير
على الرغم من أن التكنولوجيا تجعل العالم في متناول أيدينا، فإن المجتمع يعاني من مستويات أعلى من الملل (خاصة لدى الفتيات المراهقات) مما كان عليه الحال قبل عقد أو عقدين من الزمن، بحسب دانكيرت.
“إن هواتفنا ووسائل التواصل الاجتماعي ليست حلولاً لمللنا. في الواقع، يمكن أن تزيد الأمر سوءاً… إذا كنت تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بك من دون تفكير فهذا ليس عملاً فعالاً… سيزيد ذلك من شعورك بالملل على المدى الطويل”.
شدّد دانكيرت على أنه لا يريد أن يشير إلى أن التكنولوجيا كلها سيئة؛ فالانخراط في مجتمع الصيد عبر الإنترنت، على سبيل المثال، أو العثور على فيديو على يوتيوب لتعلّم الغيتار أو الحياكة يمكن أن يكون له تأثير إيجابي. وقال: “هذا الجزء الطائش هو ما يجعلها على الأرجح سلبية بالنسبة للملل”.
- لا تتوقع أن يجعلك الملل مبدعاً
هناك فكرة شائعة -فكرة تدفع دانكيرت وباحثين آخرين إلى الجنون- وهي أن الملل سيجعلك مبدعاً. “لن يجعلك مبدعاً”.
“إن الأدلة على هذا الادّعاء ضعيفة للغاية، وقد نشرنا في الواقع شيئاً ما أخيراً يُظهر أنه إذا جعلتك تشعر بالملل، فأنت في الواقع أقلّ إبداعاً”، وفقاً لدانكيرت. وأضاف: “ما لا يمكننا أن نأمله هو أن احتضان الملل وإدخاله في حياتك سيجعلك بطريقة ما أكثر إبداعاً. لن يفعل ذلك”، بل قد يمنحك الانفصال عن نوع من صخب الحياة وقتاً للتفكير، وهذا يشعرك بالإبداع. لكن الملل ليس العنصر الذي يجعلك مبدعاً بطريقة سحريّة.
- لا تحاول الاختباء من الملل
الملل يحمل رسالة إليك، فانتبه. قال دانكيرت: “لا أعتقد أنه يجب أن نتبنى الملل، ولكنني لا أعتقد أيضاً أنه يجب أن نحاول تجاوزه… هذا ليس جيداً ولا سيئاً، لذا يجب أن نتعلم الاستماع إليه ومعرفة ما يخبرنا به في تلك اللحظة. نحن بحاجة إلى تكييفه والاستجابة له بطرق جيدة”.
وقال إن إحدى الاستجابات يمكن أن تكون مخرجاً إبداعياً. لكن، يمكن أن تكون أشياء أخرى كالذهاب إلى الركض أو الاسترخاء أمام برنامج على “نتفليكس”، إذا اخترت ذلك عن قصد. أما إذا اخترت الاستجابة السلبية، على حدّ قوله، فمحتملٌ ألا تشعر بأنك تملك الكثير من القدرة على التصرف.
“الأشخاص المملّون هم من يشعرون بالملل”
يقول دانكيرت إن هذه المقولة الشائعة تنطوي على بعض الأحكام المسبقة.
“هناك شعور أخلاقيّ بأنك لا تحاول جاهداً بما فيه الكفاية، وعليك أن تحاول بجدية أكبر للتفاعل مع العالم. لكنني أعتقد أن الحقيقة هي أننا جميعاً نشعر بالملل. هناك البعض منا جيّدون وسريعون جداً في التكيّف مع ذلك، والمستجيبون الفعّالون هم من يصدرون حكماً على بقيتنا الذين لا يتعاملون بالضرورة مع الأمر بشكل جيد”.
وختم: “نحن لسنا أشخاصاً مملين. نحن معرضون فحسب لتجربة إنسانية شائعة وطبيعية جداً”.