5 عوامل داعمة لتراجع الدولار والسوق الموازية في مصر

1

مصري يمر أمام أحد محلات الصرافة وسط القاهرة

تجاوز سعر صرف الدولار في السوق السوداء (الموازية) في مصر، السعر الرسمي بنسبة تصل إلى أكثر من 100 في المئة خلال كانون الثاني (يناير) الماضي مُتجاوزاً مستويات 70 جنيهاً للدولار الواحد لأيام عدة، غير أن الأيام القليلة الماضية سجلت تحسنًا للعملة المصرية بشكل ملحوظ بقيمة تقدر بأكثر من 15 جنيهاً خلال أسبوع.

يُتداول دولار السوق الموازية -بحسب منصات التسعير الفورية عبر مواقع التواصل- عند حدود 55 جنيهاً نزولاً من 73 جنيهاً في وقت سابق، ما اعتُبر خطوة على الطريق الصحيح، بالنظر إلى كون أسعار السوق الموازية لا تعبر عن القيمة الحقيقية للجنيه المصري وتخضع للمضاربات في ضوء أزمة شح العملة الأجنبية وصعوبات الحصول على الدولار من المصارف الرسمية، وفي ظل القيود التي تفرضها السلطات على الحصول على “الأخضر الأميركي” للتجارة أو السفر وفي المعاملات الخارجية.

ويشير المحللون إلى عددٍ من الأسباب الرئيسية الدافعة إلى هذا “الانهيار” الحاد السريع الذي شهدته السوق الموازية في الأيام الأخيرة، وفي مقدمتها التقدم الحاصل في مفاوضات مصر مع صندوق النقد الدولي لزيادة برنامج التمويل (استكمال صرف شرائح قرض الصندوق البالغ قيمته 3 مليارات دولار، وتقديم دعم إضافي من الصندوق)، ومع التصريحات الإيجابية الصادرة عن الطرفين (مسؤولي الصندوق والحكومة المصرية) في الأيام الأخيرة بعد زيارة وفد الصندوق القاهرة.

اتفاق وشيك

وأعلن الصندوق، الجمعة، عن “اتفاق وشيك” مع الحكومة المصرية، بشأن الحزمة المالية الجديدة. وقال في بيان إنه تم تحقيق تقدم وصفه بـ”الممتاز”.

وبحسب رئيسة بعثة الصندوق إلى مصر، إيفانا فلادكوفا هولار، فإن تقدماً تم إنجازه في ما يتعلق  بحزمة سياسات شاملة قد تبدأ معها مراجعات طال انتظارها لبرنامج الإصلاح الاقتصادي في البلاد، و”لتحقيق هذه الغاية، اتفق فريق صندوق النقد والسلطات المصرية على عناصر السياسة الرئيسية للبرنامج. وأبدت السلطات التزامها القوي بالتحرك بسرعة بشأن كل الجوانب المهمة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي في مصر”، وفق نص البيان.

رفع الفائدة

العامل الثاني من بين العوامل الأساسية التي دعمت تراجع الدولار في السوق الموازية أخيراً، ما يتعلق بقرار رفع الفائدة بنسبة 2 في المئة، الذي اتخذه البنك المركزي المصري في أول اجتماع للجنة السياسة النقدية في 2024 قبيل أيام، والذي كان له وقع وصدى مباشران على الأسواق.

وقررت لجنة السياسة النقديـة للبنك المركــزي المصـري في اجتماعهـا يــوم الخميس 1 شباط (فبراير) 2024 رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 200 نقطة أساس ليصل إلى 21.25، 22.25 و21.75 في المئة، على الترتيب. كما تم رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 200 نقطة أساس ليصل إلى 21.75 في المئة. ورصد بيان اللجنة مجموعة من المخاطر التي تؤثر على معدلات التضخم المتوقعة، بما في ذلك الاضطرابات في البحر الأحمر وآثارها المحتملة على الاقتصاد الوطني.

يأتي ذلك في وقت يحبس فيه المصريون أنفاسهم انتظاراً لقرار “التعويم” المحتمل، أو تحرير سعر صرف العملة.

وكشفت أحدث البيانات الصادرة عن البنك المركزي المصري، الاثنين، عن أن صافي الاحتياطيات الأجنبية في البلاد ارتفع إلى 35.249 مليار دولار في كانون الثاني 2024 من 35.219 مليار دولار في كانون الأول (ديسمبر) 2023، بزيادة بلغت نحو 30 مليون دولار.

استثمارات جديدة

ويضاف إلى العوامل المؤثرة في تراجع سعر العملة الأميركية في السوق الموازية (رغم تفوقها على الأسعار الرسمية بأكثر من 20 جنيهاً، إذ يصل السعر الرسمي للدولار إلى ما دون 31 جنيهاً)، ما يرتبط ببشائر دخول استثمارات مباشرة جديدة.

وروجت تقارير محلية أخيراً إلى مشاريع مستقبلية يُجرى الإعداد لها باستثمارات عربية وأجنبية طرحتها الحكومة المصرية على المستثمرين، وبما يفتح الباب أمام ضخ سيولة دولارية “في الفترة المقبلة”، وهو ما كان له تأثير معنوي على السوق الموازية.

ملاحقة المضاربين

والعامل الرابع يتعلق بـ”الإجراءات الأمنية” التي لاحقت المتعاملين في السوق الموازية أخيراً في مصر، ومع إلقاء القبض على عددٍ من المضاربين، من بين العوامل التي عززت التراجعات.

كذلك يُضاف عامل تراجع الطلب من جانب المستوردين والمتنفذين إلى تراجع العملة الأجنبية في السوق السوداء، كعامل خامس مؤثر في سعر الدولار بالسوق الموازية.

ويرجع تراجع الطلب إلى ارتفاع الأسعار مع اضطرابات السوق العالمية وفي ضوء حالة عدم اليقين الناتجة عن اضطرابات البحر الأحمر.

ومع الانهيار “النسبي” للسوق الموازية في مصر، فإن ثمة مجموعة من الأسئلة يرددها المصريون، من بينها ما إذا كانت العملة المحلية قادرة على مواصلة الارتفاع أمام الدولار وصولاً ربما إلى القضاء على السوق السوداء؟ وما تأثير ذلك على الأسعار المحلية؟

توفير الدولار

في هذا السياق، يرهن محللون استمرار ارتفاعات الجنيه أمام الدولار الأميركي وصولاً الى انهيار السوق الموازية   بعوامل رئيسية عديدة؛ في مقدمتها مدى وفرة الدولار في البنوك وإتاحة الحصول عليه، وهو عامل رئيسي، لا سيما أن أحد أهم أسباب وجود السوق السوداء هو عدم وفرة العملة الأجنبية أو صعوبة الحصول عليها من المصارف الرسمية بالأسعار العادلة والحقيقية.

يرتبط ذلك بمدى قدرة الحكومة المصرية على توفير مصادر دولارية، سواء من خلال جذب الاستثمارات المباشرة، والتقدم على صعيد برنامج الطروحات الذي تعول عليه الدولة في توفير العملة الأجنبية.

ومع الأخذ في الاعتبار مجموعة من المخاطر التي تلف المشهد الاقتصادي، بما في ذلك الاضطرابات في البحر الأحمر وأثرها على عائدات قناة السويس، مع اضطرار عدد من السفن وشركات الشحن الدولية لتحويل مسارها هرباً من الهجمات، فضلاً عن أثر التوترات في منطقة الشرق الأوسط على القطاع السياحي، كما أبرز تقرير حديث صادر عن صندوق الدولي.

وتعد إيرادات القطاع السياحي جبناً إلى جنب وعوائد القناة من بين أبرز قنوات توفير العملة الصعبة في مصر، وبالتالي فإن تأثيرات المخاطر المحتملة من شأنها أن تلقي برياح غير مواتية على وتيرة التعافي الاقتصادي واستعادة الجنيه لمستوياته العادلة أمام الدولار.

التعليقات معطلة.