يحدث في بلاد العجائب.. والسحر والجمال
جودة مرسي:
الهند.. بلاد السحر والجمال، بلاد العجائب التي تختلف تمامًا عن كل بلاد العالم، بلاد يوجد بها أغلى منزل في العالم يمتلكه شخص ثري يسمى “موكيش امباني” يبلغ سعر المنزل مليار دولار، ليصبح الأغلى في العالم. الهند من أكثر الدول تصديرا للشعر، ومصدر هذا الشعر الفقراء الذين يمثلون أكبر شريحة، وفي نفس الوقت تمتلك نساء الهند أكبر كمية من الذهب تبلغ 11% من الكمية المستخرجة من الذهب في العالم. الهند يوجد بها “قصر تاج محل” وهو إحدى عجائب الدنيا السبع، والذي استغرق بناؤه 22 عاما، يوجد في الهند أكثر من 780 لغة وأكثر من ألف لهجة مختلفة. واليوم بلاد العجائب تتصدر أخبارها كل فضائيات وصحف العالم بسبب كارثة “كوفيد 19″.
مع بداية انتشار وباء “كوفيد 19″ كانت الهند من الدول القليلة التي كانت الإصابات بها محدودة مقارنة بعدد السكان الذي يبلغ 1,393,409,038 نسمة، وأتذكر حينها أن أحد المذيعين العرب اتخذ الهند مثالا عى الوقاية من الفيروس، وعلَّل هذا بالقول “إن الهند لم يقترب منها فيروس كورونا بسبب تناول الناس لأحد أنواع البهارات والتي تسمَّى (الكرومونيوم)!! ومع بداية الموجة الثالثة لفيروس كورونا “كوفيد 19″ كانت الهند مع موعد لكارثة بيئية تسببت بأعلى النسب في الإصابات والوفيات اليومية على مستوى العالم. ولأن الحياة أشمل وأعمق وأهم من اختزالها في مجرد خبر أو عدد يتصدر الفضائيات، كان لا بُدَّ من تتبع سبب انتشار فيروس “كوفيد 19″ في الهند إحدى الدول التي مرَّت بسلام من الموجات الأولى على أقل تقدير إلى بداية مارس الفائت وعبَّر عن ذلك أعداد الإصابات المحدودة. ولأن الهند قريبة منا، سواء جغرافيا أو اقتصاديا أو بالنسبة لأعداد الأيدي العاملة وحجم التجارة، لا بُدَّ من البحث والعودة إلى مصادر عليمة لتحليل الخبر ووضعه في سياقه والاستشهاد بتجارب سابقة أو التحذير من مآلات لاحقة.
لماذا هذا التحوُّل وهذه الكارثة التي جعلت الكثير من مطارات العالم تغلق مجالها الجوي أمام الرحلات القادمة من الهند؟ بعد أن وصلت الأرقام حتى كتابة هذا المقال وعلى لسان خبراء في القطاع الصحي الهندي قالوا: إن الأعداد الحقيقية للمصابين والوفيات من جرَّاء فيروس كورنا المستجد، قد تصل إلى 10 أضعاف الأرقام المعلنة حكوميا. والتي أعلنت من جانبها تسجيل 392488 إصابة جديدة و3689 وفاة من جرَّاء “كوفيد 19″ خلال الـ24 ساعة فقط، فيما يقول الأطباء والخبراء إن الأرقام الحقيقية قد تكون أكبر بعشر مرات. وبهذا المعدل، يمكن أن تشهد الهند أكثر من 30 ألف حالة وفاة بسبب الفيروس يوميا في غضون أسابيع قليلة.
تعود بداية انتشار المرض بنسخته الهندية التي أكدت منظمة الصحة العالمية أنها رُصدت في 17 دولة على الأقل إلى بداية الاحتفال بمهرجان ديني استمر عدة أسابيع بدءا من 11 مارس، إذ تجمع أكثر من 3 ملايين شخص على ضفاف نهر الجانج “للاغتسال من الذنوب”، كما اجتذبت التجمعات الانتخابية في الهند حشودا كبيرة، غاب خلالها التباعد الاجتماعي. فيما شهدت بعض الولايات الهندية انتخابات في مارس وأبريل، وكان رئيس الوزراء يقود حملات حزبه من خلال تجمعات اجتذبت أعدادا كبيرة من المؤيدين، فيما دفع ارتفاع حالات الإصابة بمرض “كوفيد 19″ المحكمة العليا في الهند إلى إلقاء اللوم على لجنة الانتخابات في الهند، لسماحها بالاستمرار في الاقتراع خلال فترة تفشِّي الوباء.
من سياق الأحداث وتتبعها منذ نشأتها يتضح أن التباعد الاجتماعي الذي كان غائبا هو السبب الحقيقي في انتشار الوباء وعدم الالتزام بالاشتراطات الصحية، والاعتماد على أن نسبة الإصابات قليلة التي كانت تسبق الاحتفالات وأجواء الانتخابات، مما دفع الناس للتخاذل في أخذ الاحتياطيات اللازمة، والتي كانت نتيجتها النسخة الهندية الجديدة من الفيروس، وهنا تأتي أهمية العلم والطب وتنفيذ التعليمات، إذ لا يمكن قراءة أي حدث قراءة صحيحة إلا بعد أن نعزل الأسباب في الحجر الصحي تماشيا مع أسباب النجاة؛ لنكرر أن أهمها هو التباعد المجتمعي وأخذ الاحتياطات، وتنفيذ التعليمات الصادرة من الجهات المسؤولة التي بح صوتها للأخذ بها.