رد “حزب الله” الصاروخي في الجنوب اللبناني: رسالة إيرانية إلى إسرائيل والغرب
12-08-2021 | 15:47 المصدر: النهار العربي
شاحنة الصواريخ التي أوقفها أهالي شويا
A+A-قدم “حزب الله” أوراق اعتماده للرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي، الذي عكس خلال حفل تسلمه مهماته أن إيران دخلت اليوم مرحلة جديدة من الحكم. ولا شك في أن كلام الأمين العام لـ”الحزب” حسن نصر الله في إطلالته الأخيرة قد حسم في التبعية وتقديم أوراق الاعتماد هذه لإيران. حاول موقع “النهار العربي” تقديم قراءة جيوسياسية تكشف ولاء “حزب الله” لإيران في عهد رئيسي أكثر من أي وقت، من خلال لقاء مع كل من الخبير في الشؤون الإيرانية الدكتور خالد الحاج والكاتب والمحلل السياسي زكريا الغول. بالنسبة إلى خالد الحاج، “إذا كان الأمين العام لـ”حزب الله”، قد شرح البعد المحلي للرد الصاروخي الأخير، الذي جاء في أعقاب استهداف الطائرات الحربية الإسرائيلية للعمق اللبناني خارج منطقة عمل قوات الأمم المتحدة، للمرة الأولى منذ أربعة عشر عاماً (حرب 2006)، واعتبرها تثبيتاً لقواعد الاشتباك، لا يمكن في الوقت ذاته عدم الأخذ في الاعتبار أن للضربة الصاروخية بعداً إقليمياً”، مشيراً الى أنها “جاءت مع حدثين رئيسيين في المنطقة لا يمكن اغفالهما، الأول هو المعارك الباردة الحاصلة بين إيران وإسرائيل في البحار، من استهداف للسفن التجارية، والحدث الآخر هو تنصيب السيد إبراهيم رئيسي رئيساً للجمهورية الإسلامية في إيران”. برأيه، “في أعالي البحار، تستعر حرب استهداف السفن بين إسرائيل وإيران، والتي على إثرها هدد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن الرد على إيران سوف يكون جماعياً”، مشيراً الى أن “الضربة الصاروخية في لبنان، تذكير لإسرائيل والغرب بأن أي ضربة لإيران، تعني فتح جبهة لبنان، وألّا يراهنا على الأزمة اللبنانية الداخلية، وانعكاسها على جاهزية حزب الله”. واعتبر الحاج أنه “في الوقت ذاته، كانت الضربة الإسرائيلية عبر تخطيها قواعد الاشتباك، هي بمثابة جس نبض لطريقة تعامل الحزب، وإن كان قد تأثر بانهيار الوضع السياسي والمالي والاقتصادي في لبنان”. أما على صعيد الحدث الإقليمي الآخر، أي تنصيب الرئيس الإيراني، فإنه “لا يمكن تمرير الضربة الإسرائيلية بعد أيام قليلة من تنصيب رئيسي، وهو المرشح الأكثر حظاً لكي يكون المرشد”. من غير الممكن، وفقاً للحاج، “أن يتزامن حدث بهذه الضخامة في إيران، وفي الوقت ذاته يسمح بخرق بهذا الحجم في الجبهة اللبنانية، بخاصة أن إيران على مشارف مفاوضات جديدة في فيينا، ولا يمكنها التغاضي عن تعريض أقوى الأوراق الإيرانية في المنطقة لأي ضعف”، مشيراً الى أن هذين السببين الرئيسين على الصعيد الإقليمي، إضافة إلى الأسباب الداخلية التي شرحها الأمين العام لـ”حزب الله”، فرضت على “حزب الله” الرد”. هل الحرب قريبة؟ “لا يستطيع حتى قادة الطرفين أن يعطوا جواباً قاطعاً”، ويشير الحاج الى أنه “لا أحد يقرر عملياً اليوم الذهاب إلى حرب، لكن يمكن القول إن مجموعة من الأعمال الحربية قد تتطور لتصبح حرباً”. وقال: “بمعنى أن الرد وعملية الرد قد تجران الطرفين إلى حرب. التركيز اليوم على الأسباب التي قد تدفع الطرفين إلى أعمال حربية تنتج حرباً، وأهمها هو خروج الإسرائيلي عن قواعد الاشتباك، كتوجيه ضربة تفرض على “حزب الله” الرد، ومنها عملية اغتيال، أو محاولة اغتيال معلنة من الإسرائيليين أو غير معلنة”. أما السبب الآخر الذي لا يقل أهمية عن السبب الأول، وفقاً له، “فهو تعرّض إيران لضربة عسكرية. فحرب السفن المستعرة في البحار، ودخول الدول الغربية وأميركا على خط التصعيد، قد يسخّنان الجبهة الجنوبية في لبنان، كما أن الهجوم المباشر على المنشآت النووية الإيرانية، يحتم رداً قاسياً انطلاقاً من لبنان. كذلك الأمر، قد لا تصبر إيران كثيراً على الأعمال التخريبية من تفجيرات واغتيالات إذا ازدادت في المرحلة المقبلة. وإذا كان لإيران أوراق ضغط كثيرة في المنطقة، لكن الجبهة اللبنانية تبقى عبر “حزب الله”، أقوى الأوراق وأكثرها تأثيراً”. وأكد أن “أكثرية المراقبين للوضع، يستبعدون اندلاع حرب بين “حزب الله” وإسرائيل، انطلاقاً أولاً من نتائج حرب 2006، والتي ما زالت ترخي بظلالها بعد 14 سنة”، مشيراً إلى أن “إسرائيل تدرك التأثير السلبي للحرب على اقتصادها، وخير دليل التقارير الأمنية التي يعلن عنها في صحفها ومراكز الدراسات، والتي تؤكد أن الجبهة الداخلية لإسرائيل غير جاهزة بأفضل السيناريوات، إضافة الى الوضع السياسي الضعيف نسبياً، فكما هو معروف أن التحالفات الهشّة التي أسقطت بنيامين نتنياهو وأتت بنفتالي بينيت لا تتمتع بالثقة لقيادة حكومة حرب”. أما من جهة “حزب الله”، وفقاً للحاج، “فهو يدرك أن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والمالية، لها تأثير كبير في الساحة اللبنانية بعامة، وفي ساحته الطائفية بخاصة، إضافة الى أن الحاضنة الشعبية التي كان يتمتع بها في الأعوام السابقة قد تعرضت لضعف وتآكل، وأخيراً سوريا الحليف الاستراتيجي اليوم بعد الحرب لا تشبه سوريا 2006”. الناقلة ميرسر وإطلاق الصواريخمن جهته، تناول زكريا الغول “التزامن بين ضرب الناقلة ميرسر وإطلاق الصواريخ والترابط بينهما، مشيراً الى أن الأسبوع الماضي حفل بحوادث إقليمية ومحلية أظهرت حجم الارتباط المحلي بما يجري في ملفات الشرق الأوسط الشائكة، وتالياً تأكيد انعكاسات الحوادث الجارية في اليمن والعراق وبحر العرب على لبنان، كما تأكد ربط بيروت بمحور المقاومة الذي تقوده طهران”. ولفت الى أن “الأسبوع الماضي بدأ على وقع حادثة الناقلة ميرسر وما خلّفته من توتر في منطقة الشرق الأوسط، استمراراً لحرب الناقلات الناشطة بين إيران وإسرائيل، مع بروز تأييد بريطاني – أميركي لمواقف إسرائيل، في موقف علني بعد تسلّم حكومة الائتلاف الجديدة مهماتها في إسرائيل”. وأشار الى أن “حادثة الناقلة ميرسر تزامنت مع تسلّم الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي مهماته الدستورية على وقع تعقيدات واضحة في مفاوضات الملف النووي الإيراني، بخاصة مع رغبة أميركية بتعديل الاتفاق القديم ليشمل الصواريخ الدقيقة وموضوع حلفاء إيران وامتداداتها في المنطقة، والتي تشكل حرب الناقلات عبر المسيّرات والمفخخات أحد أوجه التعقيدات في المفاوضات، كصندوق بريد ينعكس على مسار مفاوضات فيينا”. وتوقف الغول عند “الداخل اللبناني المنهك بكوارثه الاقتصادية واستمرار الكباش حول تشكيل حكومة جديدة”، مشيراً الى أنه “قد شهد حوادث بالغة الخطورة، بدءاً من حادثة خلدة بين عشائر العرب و”حزب الله”، وصولاً الى واقعة إطلاق الصواريخ باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة وما رافقها من اعتراض أهالي شويا الواقعة في منطقة حاصبيا على مرور شاحنة الصواريخ في منطقتهم”. واعتبر أن “إطلاق الصواريخ أحدث ردود فعل معترضة، كان أبرزها ما قاله البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عظته يوم الأحد الماضي. ولعل التزامن بين ضرب الناقلة ميرسر وتسلّم رئيسي مهماته وتعقيدات مسار المفاوضات النووية، أكد الترابط بينها وبين إطلاق صواريخ “حزب الله”، بل أكثر من ذلك، فقد بدا واضحاً أن الغرض من إطلاق الصواريخ هو رسالة الى إسرائيل عبر الأراضي اللبنانية مفادها أن ضرب إيران سيتم الرد عليه عبر لبنان في وحدة مسار ومصير بين طهران وبيروت”. وقال: “قد يقول قائل إن إطلاق الصواريخ إنما تم بعد القصف الإسرائيلي للأراضي اللبنانية، وهو رد فعل طبيعي، لكن الأمر خلاف ذلك، وهنا تقتضي العودة الى أول حصيلة صواريخ أُطلقت عبر جهة مجهولة، بخلاف الحصيلة الأخيرة التي تبنى حزب الله إطلاقها”. برأي الغول “أصبح ظاهراً للعيان أن ربط لبنان بمحور المقاومة قد أخذ مداه، من التأكيد على استيراد البنزين الإيراني، الى استيراد الدواء الإيراني، وصولاً الى الترابط الصاروخي ـ وهو الأخطر ـ ما يزيد أزمات لبنان المماثلة لدول محور المقاومة الغارقة في الظلام”. وأشار الى أن “مكمن الخطورة في استخدام صواريخ “حزب الله” كرسالة إيرانية ضد إسرائيل هي في عدم قدرة لبنان على تحمل تبعات أي حرب مقبلة، مع فقدان أدنى مقومات العيش الكريم للمواطن اللبناني، من كهرباء وغاز وبنزين، ناهيك بفقدان السيولة النقدية”. وخلص الى أن “ربط لبنان واستعمال أراضيه كصندوق بريد إيراني موجه ضد إسرائيل قد يكون رصاصة الرحمة على ما تبقى من بلد”.