1

طالبان تتقدّم وتُعيد الزمن 47 عاماً.. “سايغون” لا تموت

15-08-2021 | 08:10 المصدر: النهار العربيي

إجلاء رعايا أميركيين من سايغون عام 1975

A+A- فجأة عادت “سايغون” رئيسةً إلى عناوين الأخبار. عجيبة حقاً مصادفات التاريخ. …بين عامي 1975 و 2021 هوامش زمنية، حوادث سياسية وعسكرية كثيرة… وصورة واحدة. الصورة لعملية إجلاء فوضوية أميركية من فيتنام، عادت إلى المشهد بفعل التقدم السريع لـ”طالبان” في أفغانستان.  الحركة تكسب ميدانياً. استعادت معاقلها التقليدية جنوبي البلاد، طرقت أبواب كابول، فسارعت الولايات المتحدة بإرسال آلاف الجنود لإجلاء دبلوماسييها ورعاياها، وسرت المخاوف من تكرار سيناريو سايغون، يومَ اضطر الأميركيون للانسحاب من عاصمة ما كان يُعرف بفيتنام الجنوبية عام 1975.  تمسّك إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بالانسحاب المقرر إنجازه بحلول نهاية هذا الشهر، استدعى انتقادات جمهورية لسياسات الرئيس الديموقراطي. زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش مكونيل قال: “إن لم يغير الرئيس بايدن من مساره بسرعة، فـطالبان على طريق تحقيق فوز عسكري بارز”. الجمهوري، أضاف بلهجة تحذيرية: “قرارات الرئيس بايدن وضعتنا بمواجهة مشهد أسوأ من سقوط سايغون المذل في عام 1975”. عملية فوضويةسريعاً بُعيد إعلان وزارة الدفاع الأميركية يوم الخمس 12 آب (أغسطس) 2021 إرسال جنود مجدداً لأجلاء الرعايا، انتشرت صورة خلدت في الولايات المتحدة الهزيمة الأميركية في فيتنام، وفيها يظهر  مدنيون يستقلون مروحية على سطح أحد المباني. الولايات المتحدة ذهبت إلى أكثر من حرب لتمحو من ذاكرتها تلك الصور المهينة، يومَ سقطت سايغون بأيدي الشيوعيين. وقتذاك، أخلت مروحيات المدنيين، ورمت بهم من سطح حاملات الطائرات في البحر.  صحيفة “ذا تلغراف” البريطانية سبق ونشرت في أيار (مايو) الماضي أن المملكة المتحدة تستعد لإجلاء المئات من موظفي سفارتها مع عائلاتهم في كابول رغبة في ألا تتكرّر مأساة سقوط سايغون في 1975، وما رافقها من عمليات إجلاء فوضوية بمروحية. هل يمكن تجنب المقارنة؟حاول الرئيس الأميركي جو بايدن عبثاً التقليلَ من إمكان المقارنة بين الانسحاب من أفغانستان والنهاية البائسة للحرب في فيتنام. بحكم الواقع والتاريخ، يصعب فصل الحدثين، ويصعب منع المقارنة بين اليوم وما حصل في فيتنام قبل نحو 46 عاماً. بايدن أكّد أن إمكان المقارنة معدومة بين الرحيل من أفغانستان والنهاية البائسة للحرب في فيتنام. برأيه “لن يكون هناك من يجب إجلاؤه جواً من على سطح سفارة أميركية في أفغانستان. لا يمكن المقارنة على الإطلاق”. رئيس الأركان الأميركي الجنرال مارك مايلي قال بدوره: “قد أكون مخطئا. لا يمكننا التنبؤ بالمستقبل لكنني لا أرى سايغون 1975 في أفغانستان. مقاتلو طالبان –قال- ليسوا جيش فيتنام الشمالية”.  شاهد… وأشهر عمليات الإجلاءعملية “الرياح المتكررة”، هو اسم أشهر عمليات الإجلاء. في إطارها أجلي أكثر من سبعة آلاف مدني فيتنامي من سايغون في 29 و30 نيسان (أبريل) عام 1975 بمروحيات. الصحافي الفرنسي اوليفييه تود، كان شاهداً من بين قلة من الصحافيين الغربيين ممن عاشوا اللحظات الأخيرة من نهاية الحرب الفيتنامية وسقوط سايغون. قدم الرجل شهادته موثقاً تلك اللحظات في كتاب تحت عنوان “سقوط سايغون”. في مؤلفه يقول تود إن “سقوط سايغون لا يزال حدثاً راهناً جداً في السياق الدولي الحالي. ما جرى يسمح بفهم أفضل للحملة-الكارثة التي قام بها جورج دبليو بوش على العراق وكذلك فهم الحرب التي لا تنتهي في أفغانستان”. يصف الكاتب تلك الليلة، قائلاً: “في الصباح، وبعد ليلة مقمرة بدون ضباب ولا غيوم، حاصرت 15 فرقة من قوات فيتنام الشمالية المدينة. بدون معارك تقريباً تقدّم الثوار الشماليون وراء دبابات ت-54 وت-56 سوفياتية الصنع، وسيطروا على مدينة تعتريها الدهشة”. يشرح المؤلف في فصول كتابه العشرة، أهم أحداث الحرب الفيتنامية وقصة الـ”1789 كيلومترا من هانوي، عاصمة الشمال، إلى سايغون، عاصمة الجنوب”. وما يؤكده أن أهل سايغون وقادتها لم يفهمواً جيدا كيفية سقوط مدينتهم”. دخل الأميركيون حرب فيتنام منذ عام 1965. لكنهم عرفوا الهزيمة في نهايتها وانتصرت قوات الكتلة الشيوعية. يكرّس المؤلف العديد من صفحات الكتاب لتوصيف الدبابات وجنود المشاة الفيتناميين الشماليين وهم يدخلون إلى سايغون، بينما كانت عدسات التلفزيون ترصد المدنيين والعسكريين الأميركيين وهم يهربون بطائرات الهليكوبتر. ما يتم تأكيده في هذا السياق هو أن هناك سؤالا لا يزال دون أجوبة كافية شافية وهو: كيف حصل ووجدت القوة الكبرى الأميركية نفسها مهزومة من قبل قوة شيوعية صغيرة آسيوية؟ عملة سايغون… الدولار!يركّز المؤلف على القول إن قادة فيتنام الشمالية قاموا بحملة إعلامية ناجحة وفعّالة تحت عنوان عريض: “على الولايات المتحدة أن تخرج من أرضنا وتعود إلى بلادها”. وأفهموا الجميع بالوقت نفسه أنه “لا يمكن الحصول على سلام شامل من خلال القيام بحرب محدودة. وكان قادة فيتنام الشمالية يدركون جيّدا أيضا أن أي بلد ديموقراطي يتجنّب دائما استخدام القوة. وإذا بالغ في استخدامها قد يواجه الرأي العام لديه”. …تاريخ 30 نيسان (أبريل) أصبح يوم عطلة وطنية في فيتنام الموحّدة من جديد. تسمية هذا اليوم هي: “يوم التحرير” أو “يوم إعادة التوحيد”. اللاجئون الفيتناميون في مختلف أنحاء العالم يتحدثون بالمقابل عن “أبريل الأسود”.  اللافت، بين هذه التسمية وتلك، أن مدينة سايغون جرى تعميدها باسم مدينة هوشي منه منذ عام 1999، والعملة الأجنبية الأكثر تداولاً فيها اليوم هي الدولار.  

التعليقات معطلة.