سقوط كابول…إنذار لدول الساحل
موسى تشانغاري – صحراء ميديا
دعا الخبير والناشط المؤثر موسى تشانغاري، الأمين العام للجمعية النيجيرية “فضاءات المواطنين البديلة”، النخبة الحاكمة في دول الساحل وحلفائهم في الغرب إلى إصلاحات سياسية عميقة، وقال في مقال نشرته وكالة الأنباء الأفريقية، إن منطقة الساحل تواجه خطراً شبيهاً بما حدث في أفغانستان التي عادت فيها حركة طالبان إلى الحكم بعد عشرين عاما من إسقاطها على يد الأمريكيين.
في أفغانستان، التي تعيش على وقع الحرب منذ 20 عاماً، سيطرت حركة طالبان على عدد من المدن من ضمنها العاصمة كابول، وفر رئيس البلاد أشرف غاني، فيما يستعد العدد القليل المتبقي من المسؤولين إلى تسليم مقاليد الحكم لعدوهم اللدود، وفق ما نقلت كبريات وسائل الإعلام الدولية، أحداث وقعت في غضون أيام معدودة، مباشرة بعد الانسحاب النهائي للجيش الأمريكي، العمود الفقري للتحالف الدولي الذي بدأ الحرب في 2001.
أما في واشنطن، ولندن، وباريس، وبرلين، وأوتاوا، عواصم القوى المنخرطة منذ 20 عامًا في الحرب الأفغانية، فالقادة في فزع، إذ يتابعون وهم عاجزون، عودة طالبان إلى الحكم، يتابعونها وليس بحوزتهم أي مشروع لهذا البلد الذي نشروا فيه آلاف الجنود وصرفوا عليه مبالغ جنونية، خطتهم الوحيدة هي إجلاء رعاياهم و”أعوانهم” الأفغان.
قال مسؤول أمريكي رفيع: “هذه ليست سايغون” في مقارنة مع أكبر مدن فييتنام التي انسحب منها الأمريكييون بعد هزيمتهم أمام المقاومة الشيوعية، منتصف سبعينيات القرن الماضي، ولكن على الأقل فإن ما حدث يعد كارثة، بل حتى أن ما حدث في أفغانستان، كان في بعض مستوياته، أكثر صدى وتداعيات مما حدث في فييتنام، عام 1975، حين سقطت مدينة سايغون.
في الساحل، المنطقة التي تعيش هي الأخرى منذ سنوات على واقع حرب تخوضها عدة دول ضد جماعات مسلحة مشابهة من الناحية الإيديولوجية لحركة طالبان الأفغانية، يُدوي سقوط كابول مثل الإنذار، لأنه يوحي بما يمكن أن يحدث في السنوات المقبلة في الساحل، إذا استمرت النخبة الحاكمة وحلفائها الغربيين في تجاهل الدعوات المطالبة بإصلاحات سياسية جريئة.
إن سقوط كابول يشير، في جميع الأحوال وبشكل واضح جداً، إلى أن الحرب على الجماعات المسلحة الجهادية لا يمكن كسبها دون هذه الإصلاحات، القادرة وحدها على أن تشرك في المعركة، الشعوب التي تمثل القوى السياسية والعسكرية الأهم.
بعد عشرين عاما من المعارك، التي خلفت خسائر بشرية هائلة، خاصة لدى الشعب الأفغاني، فشلت الجيوش الغربية المجهزة بأحدث الوسائل وأكثرها تطورا، أمام حركة طالبان العنيدة، ولكن هذا الفشل هو أولاً وقبل كل شيء فشل للقادة السياسيين الغربيين، الذين حركوا كل قوتهم من جنود، وسلاح، وأموال، وخبرة، في هذه الحرب، مراهنين على نخبة فاسدة تشترك مع طالبان في رفض الديمقراطية، ونحن نتذكر الانتخابات الأفغانية التي نظمت تحت مراقبة “دول ديمقراطية عريقة”، ومع ذلك غلبت عليها عمليات تزوير فاضحة.
عشرون عاما من الحرب في أفغانستان، حققت الثراء الفاحش لنخبة ينخرها الفساد، حملتها إلى السلطة جيوش أجنبية، وأبقتها في هذه السلطة لقرابة عقدين من الزمن، ولكن يجب القول إن هذه الأعوام العشرين من الحرب حققت أموالا طائلة للمجمع الصناعي العسكري الغربي، وشركات الأمن والخبراء من كل نوع.
إن الأموال التي التهمتها هذه الحرب والأنفس البشرية التي أزهقتها، لم تكن خسارة إلا “للشعب” الأفغاني والمساهمين الصغار في الحرب، ولأن استمرار الحرب في الساحل، لا يعد مصيبة لدى الجميع، بالنظر إلى فساد النخب الحاكمة، والحرمان من الحقوق، ورفض الحوار والإصلاح، فإننا أمام خطر رؤية اجتياح العواصم في يوم من الأيام من “راكبي الدراجات” في إشارة إلى مقاتلي القاعدة وداعش في منطقة الساحل، والذين اشتهروا بالتنقل على متن الدراجات النارية.
في الساحل، أصبح من العاجل أن يقف رجال ونساء من ذوي الإرادة الصادقة والعزيمة القوية، للقول إن الحرب الدائرة الآن لا يمكن أن تحسم بالنصر عبر نفس الجيوش الأجنبية التي لم تنتصر في أفغانستان، ولا عبر نفس النوعية من القادة الفاسدين، الذين لا يتمتعون بأبسط قدر من الوطنية، ولا عبر نفس النمط من قوات الأمن والدفاع التي ترتكب في بعض الأحيان انتهاكات خطيرة وهي المنهكة بالأنشطة التجارية لقادتها.
إن النصر في هذه الحرب لن يتحقق إلا عبر إرادة موسعة ومبادرات جريئة لوضع عقد سياسي واجتماعي جديد، يعيد للشعب سيادته ويخلق ظروف حياة كريمة لملايين المحرومين منها اليوم.