1

كيسنجر عن الانسحاب من أفغانستان: نكسة ذاتية لا يمكن تعويضها

26-08-2021 | 09:16 المصدر: النهار العربي

وزير الخارجية الأميركي الأسبق هينري كيسنجر

وصف وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هينري كيسنجر، انسحاب القوات الاميركية من أفغانستان بـ”نكسة ذاتية “، لا يمكن تعويضها مستقبلا، مشددا على انه لا يمكن لاميركا التنصل من مسؤوليتها حيال النظام العالمي.

وحذر في مقال له بمجلة “ذا “إيكونميست”، من الاندفاع الأميركي إلى الداخل لأنه يفاقم خيبة الأمل بين الحلفاء ويشجع الخصوم، ويزرع الارتباك”.

وأشا ر إلى أن “أميركا عنصر أساسي في النظام العالمي، ولا يمكن الهروب من هذه الوضعية عبر الانسحاب، لأن العالم يعتمد على قيم أميركا وقدراتها خصوصا في مكافحة الإرهاب وهزيمت”.

ورأى كيسنجر في مقاله أن “استيلاء “طالبان” على أفغانستان سلط الضوء على القلق المباشر على عشرات الآلاف من الأميركيين والحلفاء والأفغان، الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد”، مشددا على ان  “إنقاذهم أولويتنا”.

 وقال: “الشاغل الأساسي هو كيف وجدت أميركا نفسها منسحبة في قرار تم اتخاذه دون انذار مسبق أو تشاور مع الحلفاء أو الأشخاص الأكثر انخراطًا بشكل مباشر في 20 عامًا من التضحية. ولماذا تم تصور التحدي الأساسي في أفغانستان وتقديمه للجمهور كخيار بين السيطرة الكاملة على أفغانستان أو الانسحاب الكامل؟”.

ولفت الى “قضية أساسية تعترض جهودنا لمكافحة التمرد من فيتنام إلى العراق لأكثر من جيل وهي عندما تخاطر الولايات المتحدة بحياة جيشها، وتهتم بمكانتها وتشرك دولًا أخرى، يجب أن تفعل ذلك على أساس مجموعة من الأهداف الاستراتيجية والسياسية. وتكمن الأهداف الاستراتيجية في توضيح الظروف التي نقاتل من أجلها، أما الأهداف السياسية فهي لتحديد إطار الحكم للحفاظ على النتيجة داخل البلد المعني ودوليًا”.

واضاف، “لقد مزقت الولايات المتحدة نفسها في جهودها لمكافحة التمرد بسبب عدم قدرتها على تحديد أهداف قابلة للتحقيق وربطها بطريقة مستدامة بالسياسية الأميركية. لقد كانت الأهداف العسكرية مطلقة للغاية وغير قابلة للتحقيق، والأهداف السياسية أيضا مجردة ومراوغة للغاية. وأدى الفشل في ربطهم ببعضهم البعض إلى إشراك أميركا في مستنقع من الصراعات اللانهائية بخلاف الخلافات الداخلية”.

وتابع: “لقد دخلنا أفغانستان وسط دعم شعبي واسع رداً على هجوم القاعدة على أميركا الذي انطلق من أفغانستان الخاضعة لسيطرة “طالبان”. ولكن بينما كانت طالبان تفر من البلاد، فقدنا التركيز الاستراتيجي. لقد أقنعنا أنفسنا أنه في نهاية المطاف، لا يمكن منع إعادة إنشاء القواعد الإرهابية إلا من خلال تحويل أفغانستان إلى دولة حديثة ذات مؤسسات ديمقراطية وحكومة تحكم دستورياً”.

واوضح ان “مثل هذا المشروع لا يمكن أن يكون له جدول زمني قابل للتوافق مع العملية السياسية الأميركية… إن بناء دولة ديمقراطية حديثة في أفغانستان حيث تسري أوامر الحكومة بشكل موحد في جميع أنحاء البلاد يعني ضمنًا إطارًا زمنيًا يمتد لسنوات عديدة، بل قد يمتد لعقود؛ وهذا يصطدم بالجوهر الجغرافي والعرقي الديني للبلد. لقد كانت انقسامات أفغانستان على وجه التحديد، وعدم إمكانية توحيدها وغياب السلطة المركزية هي التي جعلت منها قاعدة جذابة للشبكات الإرهابية في المقام الأول ولطالما قاوم الأفغانيون المركزية بشدة دائماً”.

وتابع “لقد استمر التوطيد السياسي والعسكري بشكل خاص في أفغانستان على أسس عرقية وعشائرية، وفي بنية إقطاعية تتكون أساسًا من سماسرة السلطة والمنظمين لقوات الدفاع العشائرية. وعادة يتحد أمراء الحرب هؤلاء في صراع كامن مع بعضهم البعض في تحالفات واسعة في المقام الأول عندما تسعى بعض القوى الخارجية إلى فرض المركزية والتماسك – مثل الجيش البريطاني الذي غزا أفغانستان عام 1839 والقوات المسلحة السوفيتية التي احتلت أفغانستان في عام 1979”.

واعتبر كيسنجر أن “كل من الانسحاب البريطاني المأساوي من كابول في عام 1842، والانسحاب السوفيتي الخطير من أفغانستان في عام 1989 نتج عن هذه التركيبة المؤقتة بين العشائر. والحجة المعاصرة أن الشعب الأفغاني ليس على استعداد للقتال من أجل نفسه لا يدعمها التاريخ. لقد كانوا مقاتلين شرسين من أجل عشائرهم ومن أجل الحكم الذاتي القبلي”.

واشار إلى أن “بمرور الوقت، اتخذت الحرب السمة اللامحدودة بسبب مواصلة التمرد وضعف فيها الدعم الأميركي المحلي تدريجياً، لقد تم تدمير قواعد طالبان بشكل أساسي. لكن بناء الدولة في بلد مزقته الحرب استوعب قوات عسكرية كبيرة وكان يمكن احتواء طالبان ولكن لا يمكن القضاء عليها”.

وأضاف: “ما تم إهماله هو بديل يمكن تصوره يجمع بين أهداف قابلة للتحقيق. وربما كان من الأجدى تقليص مكافحة التمرد إلى احتواء طالبان بدلاً من تدميرها. وربما يكون المسار السياسي الدبلوماسي هو اكتشاف أحد الجوانب الخاصة للواقع الأفغاني وهو أن جيران البلاد حتى عندما يكونون على خلاف مع بعضهم البعض وأحيانًا ضدنا يشعرون دائما بالتهديد العميق من قدرة أفغانستان الإرهابية”.

وتساءل “هل كان من الممكن تنسيق بعض الجهود المشتركة لمكافحة التمرد؟ من المؤكد أن الهند والصين وروسيا وباكستان غالبًا ما يكون لديها مصالح متباينة. وربما تكون الدبلوماسية الخلاقة قادرة على استخلاص إجراءات مشتركة للتغلب على الإرهاب في أفغانستان”.

وحذر من خطورة الانسحاب “يجب أن ندرك أنه لا توجد أي خطوة استراتيجية دراماتيكية متاحة في المستقبل القريب لتعويض هذه الانتكاسة الذاتية، مثل تقديم التزامات رسمية جديدة في مناطق أخرى. الاندفاع الأميركي من شأنه أن يفاقم خيبة الأمل بين الحلفاء ويشجع الخصوم، ويزرع الارتباك”.

وأضاف: “لا يمكن لأميركا الهروب من كونها مكونًا رئيسيًا في النظام الدولي بسبب قدراتها وقيمها التاريخية. ولا يمكن تجنب هذا بالانسحاب”.

التعليقات معطلة.