Share on TwitterShare on WhatsAppالتعليقاتمن زاوية أخرى
العراق.. المكوناتية والجماعاتية والجغرافيا الوطنية
مصطفى فحص04 سبتمبر 2021
تجنبا للقول إن العراق أو العراقيين يعانون من أزمة هوية، فهذا مجحف بحق تضحياتهم وإصرارهم على استعادة بلدهم وثرواتهم وعيشهم الكريم، إذ يمكن القول إن فائض الهوية الوطنية الذي تبلور بعد تحولين الأول الحرب على داعش والثاني انتفاضة تشرين، قد أديا إلى إعادة تبلور الهوية الوطنية، وإعادة الاعتبار للجغرافيا الجامعة والالتفاف حول الجيش باعتباره المؤسسة الرسمية الوحيدة التي تعبر عن الوحدة الوطنية برغم مما تواجهه من عوائق مناطقية وجماعاتية لم تزل مسكونة بهواجس الماضي عندما كانت القوات المسلحة أداة لنظام مجرم اختزل الدولة والشعب.
من 1958 وحتى 2003 استخدم العنف الفردي والجماعي وسيلة لفرض هوية السلطة التي صادرت المؤسسات والنظام والدولة لصالح الشخص الواحد، وبعد سقوط البعث، واجه العراق عنفا داخليا متعددا يخدم أهدافا محلية ارتبطت بمصالح نخب سياسية وجماعات عقائدية، مما أدى إلى تعدد السلطات وغياب الدولة، حيث فقدت الدولة المركزية دورها، فيما تحصنت الجماعات والمكونات الدينية والعرقية وراء واقع ديمغرافي، تشكل أو تعزز بعد دورة عنف أثرت حتى في شكل الحياة اليومية للعراقيين.
بعد 18 سنة من الاستقرار الهش، ينشغل العراقيون بكيفية تجنب العنف، وترتفع هذه الهواجس عند أي استحقاق سياسي خوفا من نتائجه وانعكاسها على القوى السياسية، خصوصا تلك المتهمة أو التي يشار إليها على أنها تقف عائقا أمام وحدة المؤسسات ووحدة الجغرافيا.
في البحث عن الهوية العراقية المركبة لا بد من تقليب الجغرافيا والبحث في تضاريسها ضمن الإطار الوطني، أي داخل حدود الكيان أو النظر بواقعية إلى ما يحاذيها وارتباطها بالديمغرافيا، وما تفرضه من صلات روحية وعقائدية واجتماعية، تسهم في إعادة تشكيل الجغرافيا الوطنية وفقا لشروط داخلية وخارجية، يضاف إليها بعدان، جغرافيا مكوناتية (إثنية) وجغرافيا جماعاتية (عقائدية).
وفي ظل تعثر التعريف بهوية الجغرافيا الوطنية المرتبطة بضعف مؤسسات الدولة المركزية فإن الأخيرين (الجماعاتي والمكوناتي) يستغلان موقعيهما مرة في مشاريع فوق وطنية ومرة أخرى في شبه انفصالية أو لا مركزية مناطقية تدفعهما إلى أن يقوما مقام الدولة، وهذا ما دفع إلى التحذير بأن الدولة في طبيعتها لا ترغب كثيرا في التآلف مع من يريد أن يقوم مقامها أو من يتصرف من دونها.
فأمام جدلية العلاقة مع الدولة، هناك خيار الاندماج الكامل والانقطاع الجزئي أو الكلي، وفكرة الاندماج الكلي لا تكون مشروطة بأن تكون الدولة طبيعية، لذلك فإن قرار تجنب العنف المحتمل يحتاج إلى تسوية شجاعة في الاندماج دون شروط على الدولة كونها المساحة الوحيدة الضامنة للجميع، شرط أن يلتزم صاحب المشروع بالدولة لا أن يُلزمها به، ولا أن يبحث عن خصوصية ديمغرافية داخلية يستقوي بها على الدولة أو يشترط عليها.
يرتبط التكوين الجغرافي العراقي بعقيدة المكان بوصفها حيزا جغرافيا يشكل جزءا أساسيا من هوية الدولة وطبيعتها الديمغرافية، لذلك ليس من السهل مواجهة أو استعداء أي مشروع جيوعقائدي، لأن الواقعية السياسية والاجتماعية تفرض الأخذ في الحسبان دوافع تشكله، لكن لا اعتبارها ذريعة لاستمراره، لأن الاستمرار في هذه الحالة قد يؤدي إلى مزيد من التجزئة في بلد يشعر مواطنوه بتهديد لهويتهم الوطنية، ولأن الإيمان بالوحدة الوطنية الحافظة للتعدد تدفع إلى إيلاء التجزئة العناية الضرورية والتعامل معها بشفافية.
لذلك لا بد من حوار وطني يكون أقرب إلى المكاشفة، لأننا أمام استحقاقات كبيرة مقبلة وهناك خوف من الذهاب إلى مزيد من التجزئة والاحتراب، مما سيؤدي إلى توسع دورات العنف التي يستفيد منها الخصوم و الأعداء وحتى الأصدقاء لأنها تؤدي إلى مزيد من الضعف، والتجزئة والعنف يؤديان إلى مزيد من الخسارة في الأرواح والمقتنيات والثروات.