1

من يُعمّر العراق؟

جواد العناني09 سبتمبر 2021

شاركتُ، بين الفترة من 29 – 31 من شهر أغسطس/آب الماضي، في ندوة حوارية مهمة في العراق، بتنظيم من ملتقى مركز الرافدين للحوار في بغداد، جاء انعقادها بعد يوم واحد من مؤتمر القمة الذي التأم في العاصمة بغداد بحضور تسع دول إقليمية هي: الأردن ومصر والسعودية وقطر والكويت والإمارات وتركيا وإيران وفرنسا، وعدد من رؤساء ووزراء دول خارجية أبرزها فرنسا. إضافة إلى جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي.

ولذلك كان لنتائج القمة أثر واضح على مداولات الملتقى الحواري. والسؤال الأساسي عند المشاركين في قمة بغداد كان: من هو صديق العراق، ومن الذي سيتخذ القرار في العراق، عند إحالة عقود الإعمار والتجارة، وعلى من سترسو هذه العطاءات والمشتريات؟ وقد سعى كل طرف إلى إبراز مدى نفعه للعراق.
نائب وزير الخارجية الايراني، كاظم سُجادبور، ركز في مداخلته على أن بلاده هي التي وقفت إلى جانب العراق منذ الاحتلال الأميركي في عام 2003، وأنها هي التي ساهمت في تكوين المعارضة العراقية، وتدريب قوات الحشد الشعبي التي كان لها، حسب ما صرّح، الفضل الأساسي في الانتصار على “حركة داعش الارهابية”. وقال سُجادبور إن إيران لم تأل جهداً في نصرة العراق، ودعمه، ودعم شرعيته واستقلاله. ولكن يجب أن يبقى للحشد الشعبي دوره، وأن إيران لا تريد أن تتدخل في شؤون العراق الداخلية. أما مندوب تركيا، ومدير أحد مراكز البحث فيها، فقد أشاد بدور بلاده وحرصها على استقلال القرار العراقي، واحترام سيادته وبسط ولايته على كامل أراضيه. ولذلك، فإن تركيا ذات الاقتصاد القوي والبنى الإنتاجية الضخمة قادرة على دعم الاقتصاد العراقي، وإعادة بنائه، ودعم الاستثمار فيه.
السعودية مهتمة بتطوير البنية التحتية
وتحدّث رئيس أحد المراكز المهتمة بالدراسات الإيرانية في السعودية إن العلاقات بين العراق والمملكة تطورت وتحسنت كثيراً. وأن السلطات العليا في السعودية على أهبة الاستعداد والرغبة في المساهمة بإعادة إعمار العراق وتطويره، بالمال وبالمساهمة المباشرة في مشروعات البنى التحتية والإنتاجية. وقال إن السعودية تقف متلاحمة مع جارتها وشقيقتها العراق في محاربة الإرهاب ومنظماته.اقتصاد عربي

العراق يتحرك لاستعادة أموال مهربة تصل قيمتها إلى 450 مليار دولار

أما أنا فقد اعتبرت نفسي مشاركاً عربياً وأكثر مني ممثلاً للأردن. ولذلك ركّزت على إعادة اللُحمة بين أرجاء الوطن العربي، ومع الجيران على أسسٍ من الموازنة والاحترام المتبادل. وأكّدت أن العراق يجب أن يحظى بالسيادة الكاملة غير المنقوصة على كامل أراضيه. وأن العراقيين يرون أنفسهم عراقيين، ثم عرباً، ثم مسلمين. ولذلك، هم يحرصون على بلدهم وسيادتها وكرامتها، ويودّون أن يكونوا جزءاً أساسياً من الوطن العربي ومن ركائز تكامله. ولذلك دَخَلَ العراق في تنسيقٍ مع كل من الأردن ومصر ومع كل دول الجوار. وقَدمتُ في الملتقى مقترحاً عمل عليه رئيس منتدى الفكر العربي، الأمير الحسن بن طلال، وهو أننا في منطقة الشرق الأوسط يجب أن نعيد صياغة علاقاتنا على أساسٍ غير متناقض أو غير معقد، فقولنا مثلاً إن العراق مكون من سنة وشيعة وكرد لا يتوافق داخلياً، وذلك لأن السنة والشيعة هما مذهبان، بينما الكرد عِرق.
وفي توزيع أهل العراق على أساس مذهبي سوف يبقي الوضع متوتراً وحسّاساً ومفتوحاً على كل احتمالات الخصام والتوتر. أما إذا قلنا إن العراق عرب وكرد وأقليات أخرى، مثل الفرس والتركمان وغيرهما، تصبح الأمور أكثر وضوحاً وأقل قابلية للخصومة. وبناء على هذه القاعدة، تُفتح حرية الأديان والمذاهب للجميع. ولكن الدول في الشرق الأوسط هي في أساسها عرب، وترك، وفرس، وكرد. ويجب أن يُنجز التوافق على هذا الأساس، تاركين لكل شخص حرية الأديان من دون أن نسمح للخلافات الدينية بأن تطغى على السطح. وقد وجدت فكرتي تجاوباً كبيراً من الأشقاء الكرد الحاضرين والعرب العراقيين سنة وشيعة. ولكن المؤيدين لإيران كانوا أكثر حذراً، وإنْ لم يُبدوا معارضة ضد الفكرة، لا في الحديث المباشر معي، ولا في المداخلات التي قُدِمت.
مصر والأردن متفقتان على التعاون
وعند الحديث عن الأردن، ذَكَّرت الحضور بأن الأردن داعم كبير للعراق، ولمحاولات رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، أن يؤكد استقلالية العراق وسيادته، وأن مصر والأردن متفقتان كل الاتفاق على التعاون مع العراق لتحقيق ذلك. وللإنصاف، فإن رئيس الوزراء العراقي السابق، حيدر العبادي، هو الذي اتخذ تلك المبادرة، تابعها بنجاح مصطفى الكاظمي. وتحدث كل من قائد قوات بدر، هادي العامري، وقائد سرايا الحشد الشعبي، فالح الفياض. وكلاهما نصير لإيران، ودافعا عن سجلها في خدمة العراق. ولكن الفياض كان مصمّماً على بقاء “الحشد الشعبي” منفصلاً عن الجيش العراقي.اقتصاد الناس

كردستان العراق يوقف رواتب 20 ألف موظف

أما العامري فقد أبدى قبوله لأن يكون الحشد الشعبي متلقياً للأوامر من القوات المسلحة العراقية. أما صوت العقل المهم فقد كان عمّار الحكيم، رئيس تيار الحكمة العراقي ورئيس تحالف قوى الدولة الوطنية، الذي أكد على ضرورة حصول العراق على سيادته، والتعامل مع كل الجيران، والتفاعل معهم على قدم المساواة، وقال إن العراق يجب أن يتوحد داخلياً، وأن يمتّن علاقاته مع الجميع.
تشكّل الانتخابات المقبلة في العراق المقرر إجراؤها في العاشر من شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل الهمّ الذي يوحد الجميع. ومن الواضح أن فرص الحكومة العراقية الحالية ورئيسها ليست مضمونة. والعراق الآن يمرّ عند مفترق طرق مهم قد يحدّد الاتجاه الذي سيسلكه. وترى دول مجاورة أن هذه الفترة القلقة حتى الانتخابات تشكل فرصة ثمينة للتفاوض مع أطراف العراق المتنافسة، للحصول على حصصٍ محترمة من كعكة العراق التنموية.

التعليقات معطلة.