انسحاب روسي وانتشار إيراني في الميادين بدير الزور
09-09-2021 | 06:30 المصدر: دمشق-النهار العربي
قوة روسية في دير الزور
A+A-في موازاة التصعيد الذي شهدته محافظة درعا، جنوب سوريا، أخيراً، وما تخلله من كلام عن وجود صراع خفي بين روسيا وإيران لبسط السيطرة على المحافظة الجنوبية المحاذية للأردن وإسرائيل، كانت مدينة الميادين في ريف دير الزور الشرقي بالقرب من الحدود السورية – العراقية على موعد مع تحركات غامضة شملت سحب روسيا مقارها من المدينة، بالتزامن مع قيام القوات المحسوبة على إيران بإعادة انتشار ضمن المدينة، مسترجعة عدداً من مقارها التي اضطرت في وقت سابق لإخلائها خشية من غارات التحالف الدولي والطيران الإسرائيلي. التقارب الزمني بين الحدثين حمل البعض على الحديث عن وجود صفقة خفية لإرضاء إيران في دير الزور مقابل تراجع نفوذها في درعا جراء اتفاق التسوية الأخير، لكنّ البعض الآخر ذهب إلى القول إن ما يجري في درعا أو الميادين هو نتيجة تنسيق روسي إيراني عالي المستوى، وإن أيّ حديث عن صراع بين الطرفين هو ضرب من الخيال ولا أساس واقعياً له. وكانت القوات الروسية قد أخلت، قبل نحو أسبوعين، المواقع والمقار في مدينة الميادين. وشملت عملية الإخلاء المقر الرئيسي للقوات الروسية والذي كان بمثابة مربع أمني يمنع دخوله، بالقرب من مشروع المياه في المدينة. ولم يتبق في مدينة الميادين من القوات التابعة لروسيا سوى بعض النقاط التي تنتشر فيها قوات قليلة من “لواء القدس” بالقرب من منطقة البلعوم وقرية بقرص شمال المدينة. وتوجهت القوات الروسية المنسحبة باتجاه مطار دير الزور العسكري. وتعرضت القوات الروسية لخسائر كبيرة في مدينة الميادين منذ انتشارها هناك، بعد تحرير المدينة من تنظيم “داعش” أواخر عام 2017. فعام 2019 تعرض ضابط روسي برتبة رائد لكمين بعبوات ناسفة أدى إلى مقتله. وفي العام التالي قُتل الجنرال الروسي فياتشيسلاف جلادكيخ الذي شغل قيادة “الفرقة 36” في الجيش الروسي، وقتل معه في الحادثة نفسها التي تبنى تنظيم “داعش” المسؤولية عنها، محمد تيسير الظاهر، قائد الدفاع الوطني في الميادين. ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، في حينه، نقلاً عن مصدر عسكري في الجيش السوري، مقتل جنرال روسي وإصابة عسكريين روسيين إثر انفجار عبوة ناسفة خلال مرور رتل عسكري روسي كان عائداً إلى المدينة “بعد تنفيذه عملية إنسانية في المنطقة”. وقد سحبت روسيا جزءاً من قواتها من مدينة الميادين بعد أيام قليلة من مصرع الجنرال جلادكيخ. وتحدثت بعض المواقع السورية المعارضة، صيف العام الماضي، عن انسحاب كامل للقوات الروسية وقوات “الفيلق الخامس” باتجاه بادية الرقة. ولكن تبين بعد ذلك عدم دقة هذه المعلومات، وأن القوات الروسية كانت قد أبقت على مقارها الرئيسية في مدينة الميادين قبل أن تنسحب منها أخيراً. وتباينت التفسيرات حول خطوة الانسحاب الروسي من مدينة الميادين. فقد ذهب بعض المراقبين إلى ربطها بالتطورات الجارية في محافظة درعا، معتبراً أن إخلاء الميادين من القوات الروسية جاء لإرضاء إيران التي شعرت أن نفوذها في الجنوب السوري تعرض للتآكل بعد اتفاق التسوية الجديد الذي اشترط انسحاب القوات الموالية لها من محيط درعا البلد. غير أن مراقبين آخرين استبعدوا هذه الفرضية، لأن مخرجات الاتفاق الذي جرى في درعا لم يمس بالنفوذ الإيراني، بل على العكس قد يسفر تنفيذه عن ترسيخ قدم إيران في الجنوب السوري، وصولاً إلى الحدود مع الأردن والأراضي التي تحتلها إسرائيل. وأشار هؤلاء إلى أن انسحاب روسيا من مدينة الميادين قد يكون بسبب الخشية من غارات التحالف الدولي أو لإفساح المجال أمام طائرات التحالف وإسرائيل لتنفيذ غارات على معاقل القيادات الإيرانية في المدينة، من دون أن يؤدي ذلك إلى وقوع خسائر روسية بحكم قرب هذه المعاقل من المربع الأمني الذي كانت تشغله القوات الروسية. ولم تخل العلاقة بين القوات التابعة لروسيا وتلك الموالية لإيران في مدينة الميادين من بعض التوترات الأمنية. فقد وقعت في شهر أيار (مايو) الماضي اشتباكات بين قوات الدفاع الوطني التابعة لروسيا وقوات الحرس الثوري في مدينة الميادين، أسفرت عن وقوع جرحى في صفوف الجانبين. غير أن مثل هذه التوترات البسيطة لا تكفي لتفسير خطوة الانسحاب الروسي، نظراً الى الأهمية الاستراتيجية التي تحظى بها المدينة بسبب موقعها القريب من الحدود مع العراق. ولا يستبعد بعض المراقبين أن يكون السبب وراء الانسحاب الروسي هو نصب القوات الإيرانية، الشهر الماضي، منظومة دفاع جوي متحركة في منطقة المزارع في المدينة، تشمل رادارات وصواريخ أرض – أرض بهدف التصدي للغارات التي تستهدفها، الأمر الذي يمكن أن تكون روسيا قد اعتبرته بمثابة مؤشر الى إمكان تصاعد العمليات العسكرية بين القوات الإيرانية وقوات التحالف الدولي وإسرائيل في المنطقة في المرحلة اللاحقة، وهو ما دفعها للانسحاب من المدينة. وقد سارعت القوات الموالية لإيران إلى إعادة انتشار واسعة نسبياً بالتزامن مع الانسحاب الروسي. وقد انقسمت هذه العملية إلى شقين: الأول هو مغادرة القوات الموالية لإيران منطقة المزارع التي كانت قد انتشرت فيها سابقاً بسبب قربها من المربع الأمني الذي سيطرت عليه القوات الروسية بالقرب من مشروع المياه في المدينة. ويبدو أن هذه القوات كانت تتوخى اتخاذ المقر الروسي بمثابة مظلة لحمايتها من الغارات الجوية، لذلك سارعت إلى إخلاء منطقة المزارع بمجرد انسحاب القوات الروسية وزوال المظلة المفترضة. وكان المدعو “الحاج أحمد” قائد ميليشيا الحرس الثوري الإيراني في مدينة الميادين، أول الشخصيات التي غيّرت مقارها، خشية استهداف المنطقة بغارات طيران التحالف الدولي بعد انسحاب الروس. أما الشق الثاني، فقد شمل عودة القوات الموالية لإيران إلى مقار سابقة كانت قد أخلتها خلال السنوات الماضية لمواجهة غارات التحالف الدولي وإسرائيل. وفي هذا السياق، ذكر موقع “عين الفرات” أن ميليشيا الحرس الثوري الإيراني أعادت خلال الساعات الأخيرة، تفعيل عدد من المقار التي أُخليت في الفترة الماضية داخل مدينة الميادين، كنوع من إعادة الانتشار لتشتيت طيران الاستطلاع التابع للتحالف الدولي. وأضاف الموقع أن الحرس الثوري عاد إلى منزل زياد الحرب السلامة، الواقع بالقرب من ثانوية عبد المنعم رياض واتخذه مقراً له مجدداً. كما دخل منزل ياسين الحمد، بالقرب من فرن البلدية وسلّم قيادته الى حسن الحمصي، وهو قيادي محلي في الحرس الثوري ينحدر من ريف حمص، ومسؤول عن العناصر والصواريخ ضمن جماعة الاختصاص التابعة للمربع الأمني في حي التمو، ليتخذه مقراً ومسكناً له ومكتباً خاصاً لاجتماعات جماعة الاختصاص. وفي السياق، عمل قائد ميليشيا “لواء أبو الفضل العباس” عدنان السعود (الزوزو)، على نقل سيارة أسلحة محملة بصناديق كبيرة يقدر عددها بنحو عشرة من مقر محطة القمة في بلدة محكان إلى مقر تابع للحرس الثوري بالقرب من ثانوية عبد المنعم رياض في الميادين. وجاءت تحركات الحرس الثوري عقب زيارة قائده في سوريا الحاج جواد أكبر للميادين والمنطقة الشرقية قبل أيام عدة، بحسب ما ذكر الموقع نفسه.