عراقيون يحنون إلى “زمن الملكية” ويرفضون تحويل سقوطها يوماً وطنياً
11-09-2021 | 09:00 المصدر: النهار العربيرستم محمود
آخر ملوك العراق فيصل الثاني
A+A-في شقتها البسيطة في حيّ الشورجة وسط العاصمة العراقية بغداد، تستقبل السيدة وديعة البرزنجي “النهار العربي”، وتفتح بحضوره ألبوم صورها العائلية، مُستعرضة المناسبات الاجتماعية والثقافية والفنية التي كانت تحضرها في أواخر الأربعينات من القرن المنصرم، في زمن حُكم الملك فيصل الثاني، في كُل من العاصمة بغداد ومدينتي السليمانية والموصل، حيث كان والدها عبدالخالق برزنجي يعمل مُديراً عاماً في مؤسسة الحبوب في تلك المُدن، مقارنة أحوال العراقيين راهناً بما كانت عليه وقتئذ.
البرزنجي التي تجاوزت الثمانين من عمرها، تقول لـ “النهار العربي”: “كان والدي مواطناً عراقياً كُردياً، حاصلاً على شهادة الهندسة الزراعية، وصعد في السلم الوظيفي حتى أصبح مديراً عاماً في وزارة الزراعة، بينما كانت والدتي مُدرسة للموسيقى، تتحدر من أصول عربية شيعية من مدينة الناصرية. كُنا أربع أخوات، تلقينا جميعاً تعليماً منتظماً حتى المرحلة الثانوية، وسافرنا وعشنا مع والدي في مختلف مُدن العراق، التي كانت متخمة بالمسارح ودور السينما والمعارض، نظيفة للغاية وفيها صحافة حُرة وحياة سياسية ديموقراطية، ومن دون أن نتعرض لأي موقف طائفي أو قومي. كان ذلك العصر الملكي، الذي كان عصر العراق الذهبي في كل شيء، ولا يشبه مطلقاً البؤس الذي يعيشه العراقيون راهناً”. حالة هذه السيدة ومواقفها تشبه مواقف متنامية في أوساط المُجتمع العراقي حيث صار الرأي العام العراقي يعتقد أن الفترة الملكية العراقية 1921-1958 كانت الأفضل في تاريخ العراق، لأنها قدمت نموذجاً يجمع الحرية بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية. مئات المواقف من المُعلقين والمهتمين بالشأن العام العراقي في هذا الشأن تفاقمت بعد إعلان الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي يوم سقوط الحُكم الملكي في العراق يوماً وطنياً عراقياً، وبعدها عطلت مختلف الدوائر الرسمية في البلاد، وأخذت مؤسسات الدولة طابعاً احتفالياً لأيام كثيرة. المعلقون العراقيون أجمعوا على أن المرحلة الملكية لم تشهد أي مشاهد وأحداث دموية، وأن العنف والبطش والشمولية اجتاحت العراق منذ يوم إطاحة الملكية على يد الجيش وإعلان الجمهورية، والذي مر عبر “جريمة دموية وحشية” طاولت جميع أبناء العائلة المالكة في قصر الرحاب وسط العاصمة بغداد، كما غردت إحدى المُعلقات العراقيات: “لم يكن هناك أي سبب واضح وراء هذه الجريمة البشعة بحق العائلة الملكية، وفعلاً مقتلهم أصبح بمثابة لعنة تطارد العراق الى يومنا هذا”. المتابعون العراقيون قارنوا أوضاع العراق الخاصة والعامة في العصر الملكي مع مختلف الأنظمة التالية التي تعاقبت على حُكم العراق، وتوصلوا الى نتيجة بأن العراق لا يُمكن أن يُحكم إلا بنظام ملكي، كما كتب محمد معالي: “كان يحكم العراق حزب البعث، والآن يحكمه حزب المرجعية الإيراني، والمواطن العراقي لا يزال يعاني والواقع أن العراق ملكي منذ الأزل، والحل الوحيد هو الملكية لأن كل الأنظمة الجمهورية في الشرق الأوسط غير مستقرة وتتقاسم مجموعة أفراد الحكم ولا دور للشعب إلا شهادة الزور”. الباحثة الاجتماعية العراقية نرمين عبدالله، شرحت في حديث مع “النهار العربي” الدوافع النفسية والاجتماعية والحياتية التي تحرض العراقيين على النزوح إلى مثل هذه الخيارات والدعوات: “يشعر العراقيون بضغوط في كل تفاصيل حياتهم، الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية، ثمة ضيق شديد في سُبل العيش، حتى أبسطها وأكثرها عادية، مثل إمكان الحصول على الكهرباء والماء الصالح للشرب والتعليم بمراحله الأولى. ومن دون أن يكون ثمة إمكان لتغيير هذه الوقائع في الأفق المنظور. لذلك يميلون الى زمن كان ذا قطيعة تامة مع الحاضر، زمنٍ كانت الحياة فيه مختلفة تماماً، أكثر بساطة واندماجية بين مُختلف المواطنين العراقيين”. في المقابل، فإن حيزاً من المعلقين العراقيين أشاروا إلى التفاوت الكبير في المُلكية والثروة التي كان يشهدها العراق أثناء سنوات الحُكم الملكي، حيث كانت نسبة قليلة من نُخب الحُكم السياسية والاقتصادية تملك مساحات واسعة من الأراضي والمؤسسات، عبر ما كانت تملكه سطوة في سُدة الحُكم، فيما كانت الأغلبية العظمى من المواطنين العراقيين تعاني من الفقر والأمية والتهميش الثقافي والرمزي والاقتصادي. الجدال الذي نشأ على وسائل التواصل الاجتماعي حول هذا الموضوع، رد عليه المعلقون العراقيون مؤكدين بأن تلك المعطيات ربما كانت صحيحة، إلا أن الحريات السياسية والنقابية والمهنية التي كانت في العراق وقتئذ، كانت تسمح للقوى الاجتماعية والسياسية بأن تتكتل بالتقادم، وأن تدافع عن حقوقها المغبونة، مذكرين بالمثال البارز الذي شكله الحزب الشيوعي العراقي، الذي كان يمثل طبقات البلاد الأكثر فقراً وهامشية، لكنه ينفذ الإضرابات ويخرج بتظاهرات ويؤثر في الانتخابات العامة، دفعاً عن حقوق أبناء هذه الطبقة. لكن أهم ما لاحظه المعلقون العراقيون هو غياب خيار المواجهة في العراق أثناء سنوات الملكية، فالعراق لم يكن جزءاً من أي محاور وأشكال للحروب الإقليمية والدولية، وكان يسعى دوماً الى أن يكون صلة وصل وتعاون بين مختلف القوى الإقليمية والدولية، ومن دون أن يسمح لأحد بالتدخل في شؤونه الداخلية، أو العكس.