رسائل شيكابالا مع عمرو أديب
جودة مرسي:
حقق برنامج تليفزيوني يذاع على قناة (أم بي سي مصر) نسبة مشاهدة بلغت 130 مليون مشاهدة. برنامج (الحكاية) يقدمه الإعلامي الشهير عمرو أديب ودائما ما يحقق برنامجه نسبة مشاهدة عالية ولكنها لم تبلغ هذا الرقم الكبير من قبل.. ولكن لماذا حقق هذه الشهرة هذه المرة؟ الإجابة هو الضيف الذي كان محور حلقة البرنامج، إنه لاعب كرة القدم الموهوب قائد فريق “الزمالك” ونجمه الخلوق “محمود عبدالرازق شيكابالا” والذي ظهر مع الإعلامي عمرو أديب في أول حوار تليفزيوني للاعب المعروف عنه الظهور الإعلامي النادر بعد فوز فريقه ببطولة الدوري المصري، لتخطف الحلقة الأضواء وتصبح حديث المشاهدين حتى من غير المتابعين لكرة القدم.
وهنا يسلط الضوء على كيفية الاستخدام الذكي لاهتمام المشاهدين الذي لم يعد ينصب على استضافة رجال السياسة أو المسؤولين الكبار، أو الفنانين والفنانات، أو أي من المشاهير الذين تلهث وراءهم الفضائيات. بل كانت مع لاعب شهير في كرة القدم. وللأمانة لم تصدر القناة أو القائمون على البرنامج أي بيان حول نسبة المشاهدة للحلقة التي بالفعل جذبت اهتمام الملايين، وكانت “التريند” رقم واحد في مصر والوطن العربي وقت إذاعتها.
ولا ننكر أن كرة القدم ولاعبيها المشهورين هي الأكثر شعبية للألعاب الجماعية التي يتابعها ملايين المشاهدين في كل أنحاء العالم شمالا وجنوبا، غربا وشرقا، وأصبحت هدفا للساسة ورجال الاقتصاد لكسب المال أو التأييد الجماهيري، ونرى هذا في بعض رجال الأعمال الذين يقومون بصرف الملايين على بعض الأندية طمعا في الشهرة واعتلاء بعض المناصب، حتى ذهب البعض أكثر من ذلك بتأسيس بعض الأندية وتنظيم بطولات عالمية ومحلية من أجل أهداف ليست كروية، بل من أجل ميول إما سياسية أو أيديولوجية طمعا في الاستفادة من الإقبال الجماهيري الكبير، حتى الأندية الخاصة بالشركات والمؤسسات والتي تدخل في فئة التأسيس الاقتصادي تتحرك وفق ميول مؤسسيها والقائمين عليها، إلى أن أصبحت الأندية هي أكبر أداة للحشد السياسي، ووسيلتها كرة القدم، وما يزيد تلك الأهمية تعلق الجماهير ببعض نجوم كرة القدم وينتابهم الهوس بتتبع أخبار هؤلاء النجوم وتقليدهم، ويستغل بعض النجوم تلك الجماهيرية في طرح فكرة ما أو تسليط الضوء على قضية معينة لجذب انتباه المجتمع الدولي لتلك القضية.
وشاهدنا في الحلقة المذاعة مع قائد فريق الزمالك عبدالرازق شيكابالا في شرحه للأزمة التي يتعرض لها من جماهير الفريق المنافس، وخصوصا الحادث الأخير الذي تعرض له أثناء المباراة النهائية لحظة تتويج الفريق بدرع الدوري، وكان لافتا أن هناك العديد من الرسائل التي كان يود المذيع واللاعب توصيلها للمشاهدين والمسؤولين، وهذا الأمر ليس بجديد فقد تم توظيف بعض اللاعبين في العديد من المواقف المختلفة، وحدث هذا في العام 2008 حين ارتدى نجم المنتخب المصري السابق محمد أبو تريكة قميص اللعب مكتوبا عليه (تعاطفا مع غزة) أثناء مباراة في كأس إفريقيا أقيمت في غانا معبرا عن التعاطف مع قطاع غزة الفلسطيني الذي عانى ويعاني أهله حصارا إسرائيليا خانقا.
إن استخدام كرة القدم ولاعبيها المشهورين ليس أمرا حديث العهد، بل استخدمته العديد من الدول في تفريغ طاقات الشعوب في هذه اللعبة المستديرة لتخفي إخفاقات أو تحركات لا كروية، مثل الحرب التاريخية التي نشبت في منطقة أميركا الوسطى بين الدولتين الجارتين هندوراس والسلفادور والتي عرفت باسمي “حرب الكرة” أو “حرب المائة ساعة”، نشبت بسبب مباراة في كرة القدم جمعت بينهما ضمن التصفيات المؤهلة لكأس العالم بالمكسيك عام 1970، أو بطولة 1978 بالأرجنتين والتي شهدت اتهامات بالفساد والغش الذي استغل البطولة لإلهاء الشعب والمجتمع الدولي عن أساليب القمع التي تنتهج ضد الشعب الأرجنتيني.
إن ظاهرة كرة القدم ظاهرة اجتماعية متكاملة الأركان يلتف حولها الملايين، فساهمت في بناء نمط جديد من العلاقات الدولية، وإيجاد مجال بديل للتنافس الدولي. كرة القدم بنجومها وأهدافها، بأجوائها الجماهيرية في المدرجات وخارجها كانت وستظل ملعبا مفتوحا للمكسب والنفوذ واستمالة الشعوب وتعاطفهم سياسيا واقتصاديا؛ لما لها من متعتها وجاذبيتها ومناصريها.