مصر والأردن والعِراق ومجلس التعاون العربى مُجددًا
سعد الدين ابراهيم
الدكتورة نيفين مُسعد، عالمة السياسة تتمتع بالرشاقة شكلًا وموضوعًا، وبالموسوعية عُمقًا وتحليلًا، فى الشؤون العربية والشرق أوسطية.
وقد تناولت فى مقالها بالأهرام (السبت 5/9/2021)، الحدث المهم عربيًّا، وهو تقارب مصر والعِراق والأردن.. نظرة واعية، والمُبررات والدوافع لتقاربها والتعاون بينها، للوقاية ضد مخاطر مُحدقة فى الحاضر والمستقبل المنظور، ولكن الأهم هو بناء كيان أكبر، أقوى وأغنى للمستقبل الأبعد. والواقع أن ما تستشرفه د. نيفين مُسعد هو ما تدور حوله سياسة الدولة الأردنية، منذ وطئها آل الشريف حسين بن على، جد الملك عبد الله، منذ مائة سنة -أى عام 1920.
ورغم أن ذلك الحلم الهاشمى كان ولا يزال مُنصبًّا على بُلدان المشرق العربى، فإن الملك حسين بن طلال، حفيد الشريف حسين بن على، رأى بثاقب نظره، ومنذ تسعينيات القرن العشرين، أن إشراك مصر فى ذلك الحلم الهاشمى المشرقى، يُعطيه من القوة والحصانة ما يضمن له الاستمرار والازدهار.
ورغم أن مصر والمصريين لديهم من الاكتفاء الذاتى ببلدهم فى نفس موقعه وموضعه، ومنذ إجهاض مشروع وحدتهم مع سوريا، فى الجمهورية العربية المُتحدة (1958-1961)، وهو ما لا يجعلهم يُبادرون، أو يتحمسون لأى مشروعات وحدوية، خارج وادى النيل -أى بين مصر والسودان. ومع ذلك لا تُمانع مصر من التعاون، والتعاطف، والتنسيق، أو حتى الانضمام إلى المشروعات الإقليمية التى يُبادر بها الأشقاء العرب. ونعتقد أن الرئيس عبد الفتاح السيسى من ذلك المُنطلق لم يُعارض مُبادرة الأردن بمشروع تكاملى مع كل من الأردن والعِراق، ورأى فيه تكريسًا لمكانة مصر الإقليمية، وخاصة فى لحظة تاريخية تواجه فيها تحديات فى بُعدها الإقليمى الجنوبى، ممثلًا فى مخططات إثيوبيا للتحكم فى مجرى نهر النيل، الذى يعتمد جريانه ومصدر مياهه على أمطار الهضبة الإثيوبية.
ورغم أن الشقيقة السودانية تُشارك مصر مخاوفها من المُخططات الإثيوبية، وتتضامن معها فى ضرورة اتفاق مُلزم مع إثيوبيا لتقنين التقسيم العادل لمياه النيل، فإن مصر السيساوية لا تُهمل أى فُرصة إقليمية فى أى اتجاه إلا رحّبت به، إن لم تُبادر به هى نفسها. وفى حالة مجلس التعاون المشرقى، يجد الأردن والعِراق تعاطفًا خاصًا مع مصر، لا فقط بُحكم الرابطة القومية العربية، ولكن أيضًا لأنهما يواجهان مشكلات مُماثلة مع جيرانهما فى مسألة المياه.
ففى الحالة العِراقية التى ينبع نهراها الكبيران الوحيدان من هضبات جارتها تركيا. فقد تناقص بالفعل حجم ما يصل إلى العِراق فى السنوات العشرين الأخيرة، بسبب عِدة سدود شيّدتها تركيا لنفس أغراض توليد الكهرباء والتنمية الزراعية. وهو ما وضع العِراق تحت رحمة الكرم التركى. وقد أدى شُح مياه نهر الفُرات بالفعل إلى بوار أراض زراعية شاسعة فى العِراق.
ويواجه الأردن نفس المشكلة منذ أربعين سنة بسبب تحويل إسرائيل مجرى نهر الأردن، الذى ينبغ من هضبة الجولان السورية، شمال إسرائيل، ليصب فى بُحيرة طبرية، ثم يستأنف جريانه جنوبًا إلى الأردن. وقد حاولت إسرائيل حفر قناة تحجز جزءًا من مياه النهر قبل دخوله الأردن، لتروى بها أراضى استصلحتها، أو حاولت استصلاحها فى العقود الخمسة الأخيرة.
وربما لا تتذكر الأجيال العربية الأصغر أن قضية تحويل إسرائيل مجرى نهر الأردن كانت السبب فى دعوة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لأول مؤتمر قمة عربية، للتضامن مع الأردن، بمحاولة بناء قناة بديلة من مرتفعات الجولان السورية، حيث منابع النهر، قبل أن تصب تلك المياه من الهضبة السورية فى بُحيرة طبرية، التى تقع فى إسرائيل.
المهم لموضوع هذا المقال أن هناك تحديات مشتركة للبُلدان العربية الثلاثة- مصر والأردن والعِراق- وأن ذلك وحده ينبغى أن يكون حافزًا قويًّا للتنسيق والتعاون.
ولكن بالنسبة لمصر، وحدها، فإن هذا التعاون التكاملى مع الأردن والعِراق ينطوى أيضًا على درء أخطار مُحدقة بالعِراق، تحديات وأطماع من جارتها إلى الشمال ممثلة فى الأطماع الأردوغانية لإحياء مشروع الخلافة -الإمبراطورية العثمانية. وقد ضم بالفعل أجزاء من الأراضى الحدودية العِراقية، بدعوى مُطاردة الانفصاليين الكُرد، ممثلين فى الباش ميرجا، التى يقودها أبناء وأحفاد المقاتل العنيد مصطفى البرزانى.
ولأن تركيا فى ظل رئاسة الطيب أردوغان، تستضيف منذ عشر سنوات القيادات الهاربة للإخوان المسلمين، والذين لا يكفون عن تنفيذ مخططات عدائية ضد النظام الحاكم فى مصر المحروسة، فهناك مصلحة مصرية لدعم العِراق فى مواجهة جارته التركية فى الشمال. طبعًا، بالنسبة لمعظم، إن لم يكن لجميع المصريين، تبدو كل تِلك المشكلات الإقليمية بعيدة وغريبة، وربما لسان حالهم الجماعى يُردد: ما لنا نحن هنا فى مصر، وتِلك البُلدان والأسماء والمشكلات المُعقدة؟ أليس لدينا ما يكفينا؟!.
وللوهلة الأولى تبدو تِلك التساؤلات الاستنكارية فى محلها، ولكن، وكما اتضح من التطورات فى بلاد، حتى أبعد عنا من العِراق والأردن وتركيا، مثل أفغانستان، أن ما يحدث أو حدث فيها بالفعل، له تأثيرات علينا وعلى المنطقة بأسرها. وفى المقابل كنا نحن فى مصر منَ صدّرنا لهم الأفكار والمعتقدات الإسلاموية المتشددة. ألم يكن التفكير الإخوانى المصرى، والدكتور أيمن الظواهرى من صُلب حركة طالبان؟!.
باختصار، لقد أصبح العالم قرية كونية، والشرق الأوسط أحد أحياء تِلك القرية الكونية، ومصر والأردن والعِراق معًا أحد مسارات أو حارات تِلك القرية الكونية. والله أعلم
وعلى الله قصد السبيل