من هو السير جون تشيلكوت المحقق في حرب العراق والمساهم في سلام أيرلندا الشمالية؟
حقق مسيرة مهنية ممتازة في “وايتهول” ومن بين أعظم إنجازاته المساعدة في المحافظة على مسار عملية السلام في أيرلندا الشمالية
داليا محمد منتجة ومقدمة برامج الأربعاء 6 أكتوبر 2021 1:34
جون تشيلكوت قام بتشكيل لجنة تحقيق في غزو العراق (أ ف ب)
ربما لم يتردد اسم السير جون تشيلكوت كثيراً في وسائل الإعلام خلال السنوات الأخيرة، لكن سيبقى اسم هذا الرجل الذي رحل في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري عن عمر يناهز الـ82 عالقاً في الذاكرة بالنسبة للكثيرين.
يعود الفضل في معرفتنا بالسير تشيلكوت إلى قيامه عام 2009، بتفويض من رئيس الوزراء البريطاني آنذاك غوردن براون، بتشكيل لجنة تحقيق في غزو العراق عام 2003.
استغرق التحقيق سبع سنوات للوصول إلى نتائجه، إذ لم يقدم تشيلكوت تقريره حتى يوليو (تموز) عام 2016 عندما سلم بعد 13 عاماً من عملية الغزو لائحة اتهام مدمرة حول الأسباب التي استند إليها توني بلير في المضي قدماً بقراره، وذكر أن بلير لم يكن “صريحاً” مع الجمهور وقدم له “معتقدات وليس حقائق” لتبرير التدخل.
لم يسعف الحظ براون بالاطلاع على نتائج التحقيق وهو في منصبه، كما أن خليفته ديفيد كاميرون، الذي أعرب مراراً وتكراراً عن سخطه من التقدم البطيء للجنة، أعلن استقالته قبل أسبوع من صدور التقرير، وذلك بعد خسارته في استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
كانت هناك تخمينات بأن التأخير المتكرر في نشر الخلاصة قد أعطى أولئك الذين يواجهون النقد فرصة لتمويه النتائج. لكن تأثير التقرير المكون من مليوني كلمة كان مزلزلاً، حيث أجبر بلير – الذي أصر على أن قرار الغزو كان لا يزال صحيحاً – على اتخاذ موقف دفاعي.
ورد في وصف صحيفة “ذا تليغراف” التي أعدت تقريراً مطولاً بمناسبة رحيل السير تشيلكوت، أن ذلك الرجل قصير القامة، والحازم وصاحب الموهبة، كان موظفاً حكومياً معروفاً بديناميكيته وقدرته على التفسير للوزراء لماذا لا يمكن القيام ببعض الأمور.
وخلص السير تشيلكوت إلى أن بريطانيا اختارت الانضمام إلى الغزو الذي قادته الولايات المتحدة قبل “استنفاد الخيارات السلمية لنزع سلاح [العراق]”، وأن العمل العسكري لم يكن “الملاذ الأخير”. كما أن القرار بوجود أساس قانوني للغزو قد اتخذ بطريقة “هي أبعد ما تكون عن المُرضية”، حيث كانت المعلومات الاستخبارية الداعمة له خاطئة، و “قُدمت بيقين غير مسوَّغ”.
وكشف تشيلكوت أن بلير قال للرئيس جورج دبليو بوش قبل تسعة أشهر من الغزو: “سأكون معك، مهما يكن” ، وأنه “بالغ في تقدير قدرته على التأثير على قرارات الولايات المتحدة”.
وبحسب التقرير، فقد تم “التقليل” من نتائج الغزو، وتجاهل المخاطر التي يتعرض لها الاستقرار الإقليمي من التدخل رغم أنها كانت معروفة، كما أن التخطيط لإعادة بناء العراق كان “غير ملائم على الإطلاق”.
انتقد معارضو الحرب تعيين تشيلكوت لأنه كان عضواً في المراجعة التي يرأسها وزير مجلس الوزراء السابق اللورد باتلر بشأن استخدام المعلومات الاستخباراتية عن أسلحة الدمار الشامل قبل الغزو، والتي اعتبروها تمويهاً. على وجه الخصوص، زُعم أن تشيلكوت برّأ المدعي العام في ذلك الوقت، اللورد غولدسميث، من المسؤولية بشأن ما إذا كان قد نصح بعدم قانونية التدخل.
كانت المهمة الموكلة إلى تشيلكوت واسعة: النظر في تورط بريطانيا في العراق بين عامي 2001 و 2009 حيث يشمل ذلك الفترة التي سبقت الصراع، والغزو وما تلاه من فوضى. كان عليه تحديد ما حدث وكيفية اتخاذ القرارات، واستخلاص الدروس لضمان مواجهة الحكومة المستقبلية وضعاً مشابهاً بشكل أكثر فاعلية وبما يخدم المصالح الفضلى للبلد.
بيّن تشيلكوت استقلاليته من خلال جمع الأدلة علناً كلما أمكن ذلك، واستمع إلى الشاهد الأول في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2009، والأخير – وزير الخارجية السابق جاك سترو – في فبراير (شباط) عام 2011.
خيم على التحقيق اعتقاد بين منتقديه بأن نتائجه لن تكون ذات مصداقية إلا إذا ثبت أن بلير مذنب. أما بالنسبة للجمهور، فكان أبرز ما في التحقيق هو شهادة بلير مرتين في عامي 2010 و2011.
كما قدم غوردن براون شهادته، حيث اضطر إلى التراجع عن الادعاء بأن الإنفاق على الدفاع كان يرتفع كل عام بسبب مشاركة القوات البريطانية في العراق. واستمع التحقيق إلى وزراء في الحكومة في ذلك الوقت وكبار الدبلوماسيين وموظفي الخدمة المدنية والجيش.
ورغم قيام براون بتعيين أربعة مستشارين خاصين للعمل مع تشيلكوت، إلا أن الأخير كان دائماً في الواجهة.
بعد مرور ست سنوات، وما زال الجمهور بانتظار النتائج، كشف السير جيريمي هيوود، رئيس الخدمة المدنية، أن اللجنة رفضت مراراً عروضاً لتقديم المساعدة. وأشارت وسائل الإعلام إلى أن تشيلكوت كان يتقاضى 790 جنيهاً إسترلينياً في اليوم – رغم تردد مزاعم في أغسطس (آب) عام 2015 أنه توجه إلى العمل في خمسة أيام فقط خلال أسبوعين.
قال تشيلكوت، الذي تم استدعاؤه أمام لجنة الشؤون الخارجية في فبراير لتبرير التأخيرات، إن 13 شهراً قد ضاعت في محاولة الحصول على اتصالات بين بلير وبوش.
ولد جون أنتوني تشيلكوت في 22 أبريل (نيسان) عام 1939. حصل على منحة دراسية في كلية برايتون، وعلى منحة دراسية أخرى في كلية بيمبروك بجامعة كامبريدج، حيث درس اللغة الإنجليزية واللغات الحديثة.
عمل في وزارة الداخلية عام 1963، ووُصف بأنه يتمتع بقدرة هائلة على النجاح. في عام 1966 انضم إلى المكتب الخاص لوزير الداخلية، روي جينكينز. لكن الخطوة الحاسمة في مسيرته كانت اختياره في عام 1971 كسكرتير خاص لرئيس الخدمة المدنية، السير ويليام أرمسترونغ.
من عام 1978 كان السكرتير الخاص الرئيسي في وزارة الداخلية، قبل أن يصبح مدير شؤون الموظفين والشؤون المالية في إدارة السجون في عام 1980.
بعد أربع سنوات، انتقل تشيلكوت إلى مكتب مجلس الوزراء، ثم بعد قضاء عام في مصرف شرودرز التجاري، عاد إلى وزارة الداخلية في عام 1987 لتولي مسؤولية الشرطة.
كانت ذروة عمل تشيلكوت في الخدمة المدنية تعيينه سكرتيراً دائماً في مكتب أيرلندا الشمالية حيث أمضى هناك سبع سنوات حافلة بالأحداث. تزامن وصوله مع الصراع القومي المعروف باسم “نزاع أيرلندا الشمالية” الذي كان يبدو أبعد ما يكون عن الحل، فوجد نفسه في عام 1993 يدافع عن الحكومة أمام محكمة في لوس أنجلس ضد الادعاءات بأن جيمس سميث، الهارب من سجن مايز، سيكون ضحية لسياسة “إطلاق النار بهدف القتل” إذا ما سُلّم إلى أيرلندا الشمالية.
في الواقع، كان تشيلكوت وراء الكواليس في قلب الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق سلام مع الجيش الجمهوري الإيرلندي، يجمع خيوط المعلومات الاستخبارية وتقارير الاتصالات قبل تقديم المشورة لوزير خارجيته، السير باتريك مايهيو ، ورئيس الوزراء، جون ميجر. كان قيام الجيش الجمهوري الأيرلندي بوقف إطلاق النار في سبتمبر (أيلول) عام 1994 نتيجة لهذه العملية.
وبمجرد إعلان وقف إطلاق النار، وضع تشيلكوت “معايير موضوعية” لاختبار ما إذا كان وقف إطلاق النار حقيقياً – واستنتج أنه كان كذلك. ورغم أن الجيش الجمهوري الأيرلندي استأنف حملته في فبراير عام 1996 ، إلا أنه عاد للمشاركة في عملية السلام بعد انتخابات عام 1997. شهدت الأشهر الأخيرة التي قضاها تشيلكوت في بلفاست تقدماً سريعاً نحو اتفاقية الجمعة العظيمة التي أُنجزت بعد فترة قصيرة.
بعد تقاعده في نهاية ذلك العام، خدم في اللجنة التي شكلها بلير برئاسة اللورد جنكينز لمراجعة نظام التصويت. وشغل في الفترة ما بين عامي 1999 و 2004 منصب مستشار لموظفي وكالات الأمن والاستخبارات، حيث كان “يتعامل مع الشكاوى الخاصة والشخصية من أعضاء أجهزة المخابرات حول عملهم وظروفهم”.
حصل تشيلكوت عام 1990 على وسام شرف، ولقب فارس عام 1994 ولقب فارس مع مرتبة الشرف في عام 1998. شغل منصب مستشار خاص في 2004، وترأس في الفترة ما بين 2007 و 2009 لجنة حول استخدام أدلة الاعتراض في القضايا الجنائية.
تزوج السير تشيلكوت الفنانة روزاليند فورستر عام 1964، ولم ينجب أطفالاً.