ماكرون و«أقنعة الاستعمار »
فارس الحباشنة
الخميس 7 تشرين الأول / أكتوبر 2021.
الجزائر سحبت سفيرها من باريس احتجاجا على تصريحات للرئيس الفرنسي ماكرون يشكك في وجود امة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي للجزائر .
وكما قال ماكرون ايضا ان الجزائر كان يحكمها «نظام سياسي عسكري» له تاريخ رسمي لا يقوم على الحقيقة بل على كراهية فرنسا.
اي شعب حر اكثر ما يثيره ويستفزه التعرض والاساءة لذاكرته الوطنية . وثمة فارق ما بين المراجعة وو النقد والتهجم والاتهام والتجهيل، والنظرة الفوقية والاستعلالية الاستعمارية .
ماكرون يجدد طرح السؤال عن العلاقة ما بين الغرب والشرق من وجهة نظر اوروبية، ومن تصورات الاستعلاء الحضاري والتاريخي والمركزية الاوروبية . وكيف يقسمون العالم تابع متبوع، وحر وعبيد .. العرب والمسلمين شعوب ومجموعات سكانية بلا هوية وتاريخ وحضارة .
وجوه ماكرون من وجوه فرنسية واوروبية كثيرة، ومازالوا يلبسون اقنعة الاستعمار، وينظرون الى الشرق في شهوة الاستعمار القديم والجديد، ويستخدمون ذات اللغة التي فرضوها على مستعمراتهم في الشمال الافريقي والمشرق العربي . ويدافعون عن ابجدية القوة المطلقة والابدية لاوروبا ودول الغرب .
كلام ماكرون، قاله من قبل ديغول وتوني بلير وتاتشر، وبوش الاب والابن في حربي العراق وافغانستان، وقسم العالم بعد احداث 11 ايلول « مع او ضد امريكا»، وانتجوا عقيدة الشر والشيطان الارهابي الاسلامي .
ماكرون وجه اوروبا، وهو الوجه الحقيقي لاوروبا .. الغارات المتكررة على الذاكرة الوطنية الجزائرية حتى يفقد المواطن العادي الثقة بنفسه وبلاده وقدراته على صنع تاريخ واكتساب حقوق مشروعة، وايا كانت التضحيات .
الجزائر بلد مليون شهيد، وصنعت ام ثورات التحرر الوطني في العالم الثالث، واستقلالها انتزعته ولم يمنح منحة . وصنع الجزائرون استقلالهم بالدم والشهادة، ولم يهادنوا ويوطوا رؤوسهم للاستعمار الفرنسي .
وحافظ الجزائر على هويته العربية، وفشلت محاولات فرنسا لسلخه من جسده العربي، وتحويله الى تابع فرنسي واوروبي . وكان هذا التحدي هو الابرز والمعركة المصيرية التي قادها احمد بن ببيلا وقادة جزائرون بعد اعلان الاستقلال .
وفي صلب معركة الجزائر في تحقيق الاستقلال وتثبيته، كانت فرنسا هي عنوان المواجهة والتحدي . وفي اكثر من سياق فان الجزائر في صراعات وازمات الشرق الاوسط وافريقيا وقف شوكة في حلق فرنسا وبريطانيا وامريكا فيما بعد .
و لعب دورا في الوقوف الى جانب مصر الناصرية، وحركات التحرر العربي، وساند ودعم تاسيس قوة دولية جديدة خارج استقطاب الحرب الباردة للدول المستقلة حديثا في «باندوج» .
ومازال الفرنسيون ينظرون الى الجزائر مستعمرة فرنسية . وصراحة، لا تصدق فرنسا ولاغيرها من دول اوروبا ان اوطانا في الشرق قد استقلت وخرجت من عباءة الاستعمار الغربي .
في العلاقات الدولية حقائق دامغة وثابتة، وحسابات معقدة في المصالح ومراكز النفوذ، وحقائق اخرى في القوة وادوات القوة . ولم تكن غريبة تصريحات ماكرون عن الجزائر، والكراهية المصبوغة في العقل الفرنسي ازاء العرب والاسلام .
في اوروبا مازالوا حتى اللحظة يكرهون جمال عبدالناصر، ويتذكرون قرار تاميم قناة السويس وحرب السويس، ويهمشون ويستصغرون اي منجز وطني عربي، ويستخفون في استقلالنا وحروبنا من اجل الاستقلال، ويصنفوننا بشعوب تحت التاهيل وقيد التطور الجيني والديمقراطي والحضاري، ويتعرضون لهويتنا وتاريخنا بالاساءة والاستخفاف، وان العالم يدور في فلك المركزية الغربية .