1

عالم يتغير

فوزية رشيد

ما بين الدولة واللادولة!

}‭ ‬حين‭ ‬أرادت‭ ‬أمريكا‭ ‬بعد‭ ‬احتلال‭ ‬العراق‭ ‬إيصال‭ ‬رسالة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬النموذج‭ ‬الذي‭ ‬أسمته‭ ‬بالديمقراطية‭ ‬والإنجاز‭ ‬العراقي،‭ ‬فإن‭ ‬رسالتها‭ ‬كانت‭ ‬تتضمن‭ ‬الهدف‭ ‬الحقيقي‭ ‬من‭ ‬مشروعها‭ ‬الشرق‭ ‬أوسطي،‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬احتضان‭ ‬التطرف‭ ‬الطائفي‭ ‬والإنقسام‭ ‬الشعبي‭ ‬والمحاصصة‭ ‬الطائفية،‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬كما‭ ‬نعرف‭ ‬كرسّه‭ ‬المحتل‭ ‬الأمريكي،‭ ‬‮«‬بريمر‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬بنى‭ ‬أساس‭ ‬الخراب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نصوص‭ ‬الدستور‭ ‬الذي‭ ‬وضعه،‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬مفاعيله‭ ‬تتناسخ‭ ‬حتى‭ ‬اليوم،‭ ‬وحتى‭ ‬آخر‭ ‬انتخابات‭ ‬عراقية‭! ‬بالطبع‭ ‬تم‭ ‬فعل‭ ‬ذلك‭ ‬بعد‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬‮«‬الدولة‭ ‬الوطنية‮»‬‭ ‬في‭ ‬العراق‭! ‬لتسمح‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إيران‭ ‬بتجنيد‭ ‬‮«‬المليشيات‭ ‬الطائفية‮»‬‭ ‬لصالحها،‭ ‬والتأسيس‭ ‬لقوى‭ ‬الحشد‭ ‬الشيعي،‭ ‬بأن‭ ‬تتشكل‭ ‬خارج‭ ‬أطر‭ ‬الدولة،‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬السماح‭ ‬بشرعنتها‭ ‬داخل‭ ‬الدولة،‭ ‬التي‭ ‬تحوّلت‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬إلى‭ (‬اللادولة‭)!‬

}‭ ‬وذلك‭ ‬يحدث‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬مع‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬إيران‭ ‬اللبناني‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬ضرب‭ ‬كل‭ ‬الأسس‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬عليها‭ ‬الدولة،‭ ‬وحدث‭ ‬في‭ ‬اليمن،‭ ‬حين‭ ‬تم‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬ضرب‭ ‬ذات‭ ‬الأسس‭ ‬لمنع‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬وحدث‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬أخرى،‭ ‬وكأن‭ ‬ما‭ ‬يؤرق‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬المنطقة،‭ ‬حتى‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬تدعي‭ ‬أنهم‭ ‬حلفاؤها،‭ ‬هو‭ ‬صمود‭ ‬أية‭ ‬دولة‭ ‬وطنية‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬مخططاتها‭! ‬لأن‭ ‬مغزى‭ ‬مشروعها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬هو‭ ‬استمرارية‭ ‬الصراع‭ ‬والعنف‭ ‬والفوضى،‭ ‬ووجود‭ ‬قوى‭ ‬داخلية‭ ‬تنافس‭ ‬الدولة‭ ‬بل‭ ‬وتهيمن‭ ‬عليها،‭ ‬لتستمر‭ ‬معطيات‭ ‬اللادولة‭ ‬وبالتالي‭ ‬التفكك‭ ‬والانقسام‭ ‬والصراع‭ ‬على‭ ‬السلطة‭!‬

}‭ ‬قبل‭ ‬شهور‭ ‬استعرض‭ ‬‮«‬الحشد‭ ‬الشيعي‮»‬‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬العراق‭ ‬استعراضه‭ ‬العسكري‭ ‬الأضخم‭ ‬وبنشيد‭ ‬عسكري‭ ‬خاص‭ ‬وآليات‭ ‬وأسلحة‭ ‬إيرانية‭ ‬وأمريكية‭ ‬بل‭ ‬وروسية‭ ‬وتم‭ ‬تسميتهم‭ ‬بـ‭(‬فرسان‭ ‬المرجعية‭) ‬ورفع‭ ‬المستعرضون‭ ‬العسكريون‭ (‬‭ ‬نعم‭ ‬خامنئي‭.. ‬نعم‭ ‬سليماني‭ )! ‬فهم‭ ‬بوضوح‭ ‬فرسان‭ ‬هؤلاء‭! ‬ولكن‭ ‬ضدّ‭ ‬من؟‭! ‬ضدّ‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يواليهم‭ ‬أو‭ ‬يعارضهم،‭ ‬فهم‭ (‬أداة‭ ‬المرجعيات‭) ‬التي‭ ‬نذرت‭ ‬نفسها‭ ‬للقتل‭ ‬والتعصب‭ ‬والفوضى،‭ ‬والولاء‭ ‬لإيران‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬باعتبارها‭ ‬أساس‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭!‬

ولأنها‭ ‬عناصر‭ ‬تضع‭ ‬نفسها‭ ‬فوق‭ ‬الدولة‭ ‬وفوق‭ ‬الوطن‭ ‬وفوق‭ ‬الشعب،‭ ‬فإن‭ ‬الصراع‭ ‬العبثي‭ ‬لن‭ ‬ينتهي‭ ‬ولن‭ ‬يتحقق‭ ‬بمعايير‭ ‬الدولة‭ ‬أو‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬وفي‭ ‬أية‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬وُجدوا‭ ‬فيها‭ ‬فهم‭ (‬أبناء‭ ‬التطرف‭ ‬الطائفي‭ ‬لممارسة‭ ‬الإرهاب‭ ‬ضد‭ ‬من‭ ‬يخالفهم‭)! ‬والشواهد‭ ‬ساخنة‭ ‬بدءًا‭ ‬مما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬ولبنان‭ ‬وسوريا‭ ‬واليمن‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬وليبيا‭ ‬وبعض‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭!‬

}‭ ‬ولكن‭ ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬اعترفت‭ ‬الدولة‭ ‬بمثل‭ ‬هذه‭ ‬العناصر‭ ‬التي‭ ‬تضرب‭ ‬في‭ ‬أسس‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية؟‭! ‬هل‭ ‬سيندمج‭ ‬هؤلاء‭ ‬ليتخلوا‭ ‬عن‭ ‬ولاءاتهم‭ ‬الخارجية‭ ‬مثلاً؟‭! ‬بالطبع‭ ‬لن‭ ‬يحدث‭ ‬ذلك‭! ‬والدليل‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وفي‭ ‬لبنان،‭ ‬وحيث‭ ‬اعتراف‭ ‬الدولة‭ (‬من‭ ‬رئاسة‭ ‬وحكومة‭) ‬بخروج‭ ‬هؤلاء‭ ‬عن‭ ‬مكونات‭ ‬الدولة،‭ ‬لم‭ ‬يحفظ‭ ‬لا‭ ‬استقرار‭ ‬البلد‭ ‬ولا‭ ‬سلامته‭ ‬ولا‭ ‬أمنه‭ ‬ولا‭ ‬ديمقراطيته‭!‬

لتوضيح‭ ‬المثال‭: ‬أثناء‭ ‬الاستعراض‭ ‬العسكري‭ ‬الضخم‭ ‬‮«‬للحشد‭ ‬الشيعي‮»‬‭ ‬قال‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬العراقي‭ ‬‮«‬مصطفى‭ ‬الكاظمي‮»‬‭ ‬خلال‭ ‬حضوره‭ ‬الاستعراض‭ ‬في‭ ‬‮«‬الذكرى‭ ‬السابعة‮»‬‭ ‬لتأسيس‭ ‬الحشد‭ (‬إن‭ ‬الحشد‭ ‬ضحّى‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬العراق‭ ‬‭ ‬مؤكدا‭ ‬‭ ‬أن‭ ‬وحدة‭ ‬الحشد‭ ‬وانضباطه‭ ‬ستؤدي‭ ‬إلى‭ ‬دحر‭ ‬المؤامرات‭)! ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬تصريحًا‭ ‬غريبًا‭! ‬فعن‭ ‬دحر‭ ‬أية‭ ‬مؤامرات‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الحشد‭ ‬يتحدث‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬‮«‬الكاظمي‮»‬؟‭! ‬وهل‭ ‬هناك‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬مؤامرة‭ ‬إيران‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬التي‭ ‬يتبع‭ ‬مرجعيتها‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬‮«‬خامنئي‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الحرس‭ ‬الثوري‮»‬‭ ‬هذا‭ ‬الحشد؟‭!‬

وهل‭ ‬إفراغ‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية‭ ‬من‭ ‬أسس‭ ‬قوتها‭ ‬ومنع‭ ‬قيامها‭ ‬إلى‭ ‬أرضية‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية،‭ ‬والتي‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬الحشد‭ ‬يعد‭ ‬خدمة‭ ‬للعراق؟‭ ‬وهل‭ ‬تقسيم‭ ‬الشعب‭ ‬والقتل‭ ‬على‭ ‬الهوية،‭ ‬وقتل‭ ‬المخالفين‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬العراقي‭ ‬وترسيخ‭ ‬الولاءات‭ ‬الطائفية‭ ‬والتمزق‭ ‬الشعبي،‭ ‬وإفراغ‭ ‬الديمقراطية‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬محتوى‭ ‬لها،‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬خدمة‭ ‬للعراق؟‭!‬

وهل‭ ‬تهديد‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬بخطاب‭ ‬عنصري‭ ‬طائفي،‭ ‬وربط‭ ‬الشبكة‭ ‬العسكرية‭ ‬للإرهاب‭ ‬الإيراني‭ ‬من‭ ‬لبنان‭ ‬إلى‭ ‬اليمن‭ ‬هو‭ ‬خدمة‭ ‬للبلاد؟‭! ‬أم‭ ‬أن‭ ‬الخروج‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬الذي‭ ‬أرادته‭ ‬أمريكا‭ ‬هو‭ ‬خدمة‭ ‬للوطن؟‭! ‬عجبي‭!‬

التعليقات معطلة.