بعد فشلها.. ما مؤشرات محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي؟
في سابقة تعد الأولى من نوعها منذ الغزو الأمريكي عام 2003، فوجئ العراقيون بمحاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في ساعة متأخرة ليلة أمس باستهداف منزله بطائرات مسيرة مفخخة.
خلية الإعلام الأمني من جانبها أصدرت بيانًا أوضحت فيه ملابسات الحادث، وأشارت عبر موقعها الرسمي لتعرض الكاظمي لمحاولة اغتيال، فجاء نص البيان “محاولة اغتيال فاشلة تعرض لها السيد رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة، بواسطة طائرة مسيرة مفخخة حاولت استهداف مكان إقامته في المنطقة الخضراء ببغداد، ودولة الرئيس لم يصب بأي أذى وهو بصحة جيدة”.
بيان الخلية أضاف أن القوات الأمنية العراقية تتخذ الإجراءات اللازمة للتحقيق بصدد هذه المحاولة الفاشلة، دون الإشارة للجهة التي قد تقف وراء الهجوم وفيما إذا كان قد أسفر عن أي إصابات في صفوف القوات الأمنية الموكلة بحماية رئيس الوزراء.
دلالات كثيرة
تشير محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي إلى دلالات كثيرة لعل أهمها يتمثل بتغيير قواعد الاشتباك بين الأطراف المتخاصمة في العراق، وهو ما يشير إليه الباحث في الشأن السياسي العراقي زياد عرار في حديثه لـ”نون بوست”.
ففي حديثه لـ”نون بوست” أوضح عرار أن العملية تكشف وجود جهات مسلحة داخل العراق لم تعد ملتزمة بقواعد الاشتباك المتبعة سابقًا التي وضعتها الفصائل لنفسها ضمن ما يسمى “محور المقاومة”.
وفيما إذا كان العراق سيشهد تصعيدًا أمنيًا في قابل الأيام، يعتقد عرار أن الفصائل والكتل السياسية المناوئة لنتائج الانتخابات ولحكومة الكاظمي ستتخذ موقفًا واضحًا إزاء محاولة اغتيال الكاظمي، مشيرًا إلى احتمالية كبيرة بتدخل إيران من أجل تهدئة الأوضاع، لا سيما أن انزلاق العراق إلى الفوضى سيؤثر بشكل سلبي ومباشر على إيران، بحسب تعبيره.
من جهته، يرى الباحث في الشأن السياسي العراقي محمد عزيز أن محاولة اغتيال الكاظمي تشي بانغلاق الأفق السياسي في البلاد، وأن عملية استهداف الكاظمي من خلال طائرة مسيرة مفخخة جاءت لأجل اغتياله فعليًا، الذي كان سيؤدي لمشهد دموي في البلاد، لا سيما أن حكومة الكاظمي ترفضها الفصائل المسلحة والكتل السياسية الرافضة لنتائج الانتخابات.
وعن فشل عملية الاغتيال وتبعاتها، أوضح عزيز أن حرجًا كبيرًا وقعت فيه الجهات التي استهدفت الكاظمي، خاصة أن أحداث الجمعة الماضية التي شهدت مناوشات بين متظاهري الإطار التنسيقي الرافض لنتائج الانتخابات والقوات الأمنية شهدت مقتل أحد المتظاهرين وإصابة العشرات، وهو ما أدى لإطلاق هذه الجهات تهديدات واضحة وصريحة للكاظمي وحكومته، بحسب عزيز.
على الجانب الآخر، يرى الباحث في الشأن السياسي العراقي حيدر البرزنجي أن ما جرى من محاولة اغتيال الكاظمي عبر طائرة مسيرة مفخخة مسرحية سيئة الإخراج، فمن غير المنطقي أن تحدث مثل هكذا عملية عقب يوم واحد فقط من الاعتداء الحكومي على المتظاهرين قرب المنطقة الخضراء، معتبرًا أنه من السذاجة أن يُتهمَ المتظاهرون باستهداف الكاظمي.
الحادثة ستؤثر بشكل كبير على المشهد السياسي العراقي، بما سيؤثر في محادثات تشكيل الحكومة القادمة
البرزنجي وفي حديثه لـ”نون بوست” اتهم أطرافًا خارجيةً بمحاولة الاغتيال، لافتًا إلى أن تصرفات الكاظمي وتصريحاته وتغريداته بعد الحادثة تؤكد كذب القضية، معتبرًا أن ما جرى محاولة لإعطاء ضوء أخضر للمجتمع الدولي والولايات المتحدة والسماح لهم بالتدخل في الشأن العراقي بحجة أن العراق والسلم المجتمعي فيه معرض للتهديد.
تشكيل الحكومة
وعن تأثير حادثة الاغتيال على تشكيل الحكومة القادمة، وبالعودة إلى زياد عرار، يرى أن محاولة اغتيال الكاظمي لن تؤثر على عملية إعلان النتائج النهائية للانتخابات المأمول إعلانها خلال الأيام القليلة القادمة.
إلا أنه يؤكد أن الحادثة ستؤثر بشكل كبير على المشهد السياسي العراقي، بما سيؤثر على محادثات تشكيل الحكومة القادمة التي يتوقع أن تشهد صعوبات كبيرة، لا سيما في التحالفات بين الكتل السياسية وفيما إذا كانت الحكومة ستكون توافقية أم حكومة أغلبية.
من جهته، يرى المحلل السياسي مناف الموسوي أن الحكومة القادمة لن تكون توافقية بأي حال من الأحوال، معللًا ذلك بأن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أوضح بما لا يدع مجالًا للنقاش أن الحكومة القادمة ستكون حكومة أغلبية سياسية، وهو ما يعني أن التيار الصدري وفي حال عدم استطاعته تشكيل حكومة أغلبية فإنه سيذهب إلى المعارضة.
ويتابع الموسوي أن محاولة استهداف الكاظمي جاءت من أجل ممارسة ضغط سياسي على الأطراف الفائزة بالانتخابات الأخيرة لأجل الوصول إلى تسوية سياسية، مشيرًا إلى أن مشروع التيار الصدري المعلن في حصر السلاح بيد الدولة استفز الفصائل والكتل السياسية المالكة للسلاح.
يبدو أن العراق مقبل على تصعيد أمني كبير، إذ حذر مصدر من داخل الإطار التنسيقي للقوى الرافضة لنتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة من جر البلاد نحو الصدام المسلح، في حال الإصرار على رفض إعادة الفرز اليدوي لكل المحطات والمراكز الانتخابية بالعراق.
وأضاف المصدر – الذي رفض كشف هويته – أن اجتماعًا للرئاسات الثلاثة مع القوى السياسية المختلفة من المقرر أن يعقد قريبًا سيناقش موضوع إعادة العد والفرز اليدوي لكل المحطات.
بدوره، اعتبر المتحدث باسم حركة حقوق المنضوية في الإطار التنسيقي علي فضل الله أن الخطوة القادمة هي المواجهة المسلحة، مشيرًا بالقول: “الحكومة تريد تأليب الرأي العام الداخلي والخارجي ضد المحتجين وتحاول استفزازهم للقيام بأعمال تدفع قوات الأمن لصدهم وربما المواجهة العسكرية”.
وأضاف أن الصدامات التي وقعت الجمعة الماضية جاءت بسبب عدم احترام الحكومة ومفوضية الانتخابات إرادة المتظاهرين الراغبين بالعد والفرز اليدوي لجميع المحطات، ما دفعهم للتصعيد ونقل احتجاجاتهم إلى مناطق مختلفة داخل العاصمة بغداد.
الأيام القادمة ستحسم الوضع العراقي، فإما تصعيد أمني كبير لا تحمد عقباه، وإما تسوية سياسية تخرج البلاد من الوضع المتأزم الذي لم تشهد له مثيلًا منذ عام 2003
وتعليقًا على ما حدث، يرى الخبير في الشأن الأمني رياض العلي أن الوضع الأمني في بغداد مشوب بالحذر والتوتر، وأن أي فعل أو ردة فعل قد تقود البلاد لمواجهة مسلحة لا يستطيع أحد السيطرة عليها.
وأضاف العلي في إفادة حصرية لـ”نون بوست” أن أي حرب تبدأ بسهولة لكن الصعوبة تكمن في إيقافها، معتبرًا أنه بات من الواجب على الجميع وأد الفتنة قبل أن تتطور الأوضاع إلى مواجهات مسلحة في العاصمة بغداد، لا سيما أن محاولة اغتيال مصطفى الكاظمي أضافت مزيدًا من التعقيدات على المشهد السياسي، ما سينعكس سلبًا على سلاسة وسرعة تشكيل الحكومة العراقية القادمة التي قد تستغرق أشهر.
جدير بالذكر أن مختلف الكتل السياسية داخل العراق نددت بمحاولة اغتيال الكاظمي وطالبت بلجنة فنية متخصصة للوقوف على طبيعة الحادث وتعقب المتسببين به ومحاسبتهم وفق القانون العراقي، فيما أدانت كل من عصائب أهل الحق وتحالف الفتح وائتلاف دولة القانون محاولة الاغتيال وعدتها مؤشرًا خطيرًا على محاولة البعض زعزعة الوضع الأمني في العراق.
هي تطورات أمنية متصاعدة في العراق، إذ يشير المراقبون للشأن العراقي إلى أن الوضع السياسي في العراق سيختلف كليًا بعد محاولة اغتيال الكاظمي، وأن الأيام القادمة ستحسم الوضع العراقي، فإما تصعيد أمني كبير لا تحمد عقباه، وإما تسوية سياسية تخرج البلاد من الوضع المتأزم الذي لم تشهد له مثيلًا منذ عام 2003.