في الذكرى المئوية لتوقيعها.. ما قصة معاهدة العقير التي رسمت الحدود بين العراق والسعودية والكويت؟
الباحث فارس تركي يشدد على ضرورة السعي باتجاه تحسين وتقوية العلاقات البينية ما بين الدول الثلاث وعلى كافة المستويات، لأن مشاكل الحدود عادة ما تكون انعكاسا للتوتر والاحتقان في المستويات الأخرى، سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية
طه العاني2/12/2021|آخر تحديث: 2/12/202107:33 PM (مكة المكرمة)
بغداد- شهدت منطقة العقير السعودية في مثل هذه الأيام، وقبل نحو قرن كامل، أحد أهم الأحداث التي شكّلت علامة فارقة في ترسيم الحدود بين السعودية (نجد في ذلك الحين) والعراق والكويت برعاية بريطانية.
وبعد 5 أيام من الاجتماعات والنقاشات المكثفة حول ترسيم الحدود، وقّعت الأطراف على معاهدة العقير، في 2 ديسمبر/كانون الأول 1922، ورسم الوسيط البريطاني بيرسي كوكس بالخط الأحمر الحدود على الخريطة المعتمدة والتي تضمنت مناطق محايدة بين البلدان الثلاثة.
اقرأ أيضا
بعد 30 عاما على إغلاقه.. العراق والسعودية يعيدان افتتاح معبر عرعر للتبادل التجاري
الذكرى الـ30 لانطلاق حرب إخراج القوات العراقية من الكويت.. الزلزال الذي عصف بالمنطقة
خلفية تاريخية
وكوكس هو صاحب فكرة تثبيت الحدود الجديدة للأراضي العراقية السعودية الكويتية، بعد أن خدم لوقت طويل بوصفه المقيم السياسي في الخليج، ومن بعد أصبح المندوب السامي للعراق بعد وضع بلاد النهرين تحت الانتداب البريطاني، بحسب أستاذ تاريخ العراق السياسي المعاصر الدكتور مؤيد الونداوي.
ويضيف الونداوي للجزيرة نت أن الكيانات السياسية في المنطقة بدأت تتبلور، وكان لا بد أن يتم وضع الخطوط لحدود المثلث العراقي الكويتي السعودي، حيث قام السير كوكس بسلسلة من الاتصالات مع الأطراف لترسيم الحدود، ويشير إلى وجود تطلعات أكثر مما ينبغي لهذا الطرف أو ذاك، فمثلا كان هناك تطلع سعودي لأخذ مناطق واسعة في عمق العراق إلى حدود نهر الفرات، ومن هناك صعودا إلى مناطق تدخل الأراضي السورية والأردنية، ولكن هذا الأمر لم ترغب به بريطانيا.
ويلفت الونداوي إلى أن نقاشات طويلة جرت حول كيفية وضع الحدود، فكانت الرؤية السعودية في حينها الأخذ بحسب ولاء العشائر، فهناك عشائر توالي أمير نجد وأخرى توالي بلاد النهرين ونظامها الملكي الجديد، وهنالك من يوالي شيخ الكويت لكن كوكس لم يأخذ بهذا المقترح.
ويبين أستاذ تاريخ العراق السياسي أن اتفاقية العقير وضعت اللبنة الأولى لهذه الحدود، لكن المشاكل استمرت لعقود طويلة بين جميع الأطراف، وتواصلت الغارات المتبادلة، كونها عشائر بدوية لم تعرف حدودا وإذا بها تصبح مقيدة بهذه الحدود.
ويعتقد الونداوي أن اتفاقية العقير ثابتة، ولا يمكن بعد كل هذا الوقت أن يعاد النظر بها، ولكن مستقبل ثبات هذه الحدود سيرتبط بحجم استقرار العلاقات الإقليمية بين الدول ذات العلاقة. ويشير إلى أن عملية ترسيم الحدود وتقسيم العشائر بين نجد والعراق لم تكن عملية سهلة، بل كانت بحاجة إلى وقت كي تستقر وتضبط هذه الحدود التي عانت لفترة طويلة من غارات العشائر وعمليات تهريب الأسلحة والبضائع.
سلاح ذو حدين
ورغم مرور نحو 100 عام على توقيع اتفاقية العقير، ما تزال الخلافات حول بنودها قائمة بين البلدان الثلاثة. وحول ذلك يقول الباحث في مركز الدراسات الإقليمية بجامعة الموصل الدكتور فارس تركي إنه في الحقيقة لا توجد أية حدود فعلية ما بين العراق والسعودية والكويت، وهي كذلك لا توجد بين أي من الدول العربية، فليس هناك أية عوائق أو تضاريس صعبة تفصل بينها، بل هي حدود مصطنعة وضعت كجزء من ترتيبات فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، وهذه الميزة الجغرافية سلاح ذو حدين، إذ بقدر ما تساعد على التعاون والتوحد، بقدر ما تخلق مشاكل واختلافات حول حدود كل دولة وامتداداتها الجغرافية.
ويبيّن تركي للجزيرة نت أن اتفاقية العقير جاءت من أجل أن تعالج هذه المشاكل، التي قد تحدث بين الدول الناشئة حديثا، في العراق والسعودية والكويت، ويشير إلى أن المعاهدة لم تستطع إنهاء المشاكل ما بين هذه الدول، وبخاصة ما بين العراق والكويت لأسباب كثيرة، أهمها أن هذه المعاهدة عقدت في ظل هيمنة بريطانية، فكان البعض وما زال يطعن في شرعيتها، ويرى أنها عقدت في ظل وجود أجنبي ضاغط، دفع باتجاه إجبار كل الأطراف على تقديم تنازلات.
ويردف بأن هذه الاتفاقية لم تستطع إنهاء المشاكل؛ لأن الحدود التي وضعتها هذه الاتفاقية حدود مصطنعة، وكان كل طرف يرى أنه لم يحصل على حقه بالكامل، فضلا عن أن مشاكل الحدود في الدول العربية تعد انعكاسا لحالات التوتر التي قد تحدث ما بين الأنظمة السياسية الحاكمة لتلك البلدان.
ويشير تركي إلى حدوث الكثير من الخلافات الحدودية بين العراق والكويت سواء في زمن رئيس الوزراء العراقي عبد الكريم قاسم (1958-1963) أو الرئيس العراقي الراحل صدام حسين (1979-2003)، وما حصل من اجتياح عراقي للكويت عام 1990، أو حتى في فترة ما بعد عام 2003 والخلافات حول ميناء مبارك وترسيم الحدود البرية.
وعن كيفية معالجة المشاكل الحدودية يعتقد تركي بأن معالجتها تتطلب وجود دول قوية ومستقرة وأنظمة سياسية ناضجة تتصرف بعقلانية وفقا لفلسفة الواقع بعيدا عن المزاعم والادعاءات التاريخية، ومن ثم يصار إلى تشكيل لجان فنية مختصة وبإشراف دولي لوضع ترسيم نهائي لهذه الحدود والتوقيع على اتفاقيات ملزمة لكل الأطراف.
ويشدد على ضرورة السعي باتجاه تحسين وتقوية العلاقات البينية ما بين الأطراف جميعا وعلى كافة المستويات، لأن مشاكل الحدود عادة ما تكون انعكاسا للتوتر والاحتقان في المستويات الأخرى، سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.
مشاكل حدودية
بدوره، يقول رئيس قسم الدراسات السياسية والإستراتيجية في مركز الدراسات الإقليمية بجامعة الموصل الدكتور ميثاق خير الله جلود، إن المشاكل الحدودية برزت بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918، بين عدد من الدول العربية ولا سيما المشكلات الحدودية بين كل من العراق والسعودية والكويت.
ويبيّن جلود للجزيرة نت أن من أبرز الإشكالات هي مسألة تحديد هوية القبائل القاطنة بين العراق والسعودية والهجمات المتبادلة بين القبائل، فضلا عن المشكلات الحدودية بين العراق والكويت وبخاصة مسألة المياه الإقليمية وحقول النفط، فضلا عن المشكلات الحدودية بين كل من الكويت والسعودية.
ويشير إلى أن المناقشات التي دامت بضعة أيام حتى تم التوقيع لم تضع حدا للمشكلات بين الأطراف، فقد وضعت هذه المعاهدة منطقة محايدة بين السعودية والكويت، وتم الاتفاق فيما بعد على اقتسام مواردها، وفي عام 1965 أصبحت هذه المنطقة تسمى المنطقة المقسومة وليس المحايدة، لكن في المدة 2009 و2019 حصلت مشكلات وخلافات حولها قبل أن يتم تجاوزها بالعودة إلى معاهدة العقير والاتفاقيات اللاحقة، وكان للعلاقات السعودية الكويتية أثر في هذا الجانب لأن الطرفين اتبعا أسلوب المرونة في التعامل مع هذه المشاكل.
وفيما يخص السعودية والعراق ينوه جلود إلى توقيع أكثر من اتفاقية، لكن ترسيم الحدود ووضع الدعامات النهائية حصل عام 1975 بالاعتماد على معاهدة العقير والمعاهدات والاتفاقيات اللاحقة بعد تحسن العلاقات بين البلدين.
وأما الكويت، فقد طالبت بريطانيا العراق عام 1932 بترسيم الحدود مع الكويت إلا أن الأمر لم يحسم، وفي عام 1939 طالب العراق بالكويت، واستمر الخلاف الحدودي بين الطرفين وتطور عام 1961 عندما استقلت الكويت وجدد العراق مطالبته بها.
ويتابع جلود “لكن في عام 1963 اعترف العراق بالكويت دون الاتفاق على ترسيم نهائي للحدود، ومن هنا كانت هذه المسألة أحد أهم الأسباب التي أدت الى أزمة وحرب الخليج الثانية 1990 عندما اجتاحت القوات العراقية الكويت ومن ثم الحرب التي شنها تحالف دولي بقيادة أميركا عام 1991 لإخراج هذه القوات العراقية من الكويت.
ويذكر جلود أنه في عام 1993 فرضت الأمم المتحدة على العراق ترسيما نهائيا للحدود، وأرسلت لجانها دون موافقة العراق باعتباره تحت العقوبات الدولية والحصار.
يشار إلى أن العراق يعترف بالحدود البرية التي رسمتها الأمم المتحدة عام 1993، لكنه يعتبر أن الحدود البحرية تخنق سواحله على الخليج العربي، وهو أمر حيوي لاقتصاده.المصدر : الجزيرة
حول هذه القصة
في أول زيارة للكاظمي للمملكة.. السعودية والعراق يوقعان اتفاقيات ويبحثان قضايا سياسية واقتصادية وأمنية
وقعت السعودية والعراق الأربعاء 5 اتفاقيات في عدة مجالات خلال أول زيارة يقوم بها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى المملكة منذ توليه مهامه في مايو/أيار من العام الماضي.Published On 31/3/202131/3/2021
كان حريصا على إنهاء القطيعة.. هكذا يستذكر العراقيون أمير الكويت الراحل
نعى العراق أميرَ الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح الذي توفي عن 91 عاما، مستذكرا دوره الإيجابي في استئناف العلاقات بين البلدين بعد قطيعة طويلة أعقبت غزو الكويت في 2 أغسطس/آب 1990.Published On 30/9/202030/9/2020
قال إن استقرار العراق مصلحة للبلدين.. الكاظمي في الكويت لبحث رسم خريطة إقليمية
وصل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى الكويت اليوم الأحد على رأس وفد حكومي في زيارة تستغرق يوما واحدا، وأكد في تصريحات عشية الزيارة أن الحوار المباشر بين البلدين هو الطريق الأقصر لترسيخ العلاقات.Published On 22/8/202122/8/2021
بعد 30 عاما من الغزو.. الكويت تتسلم من العراق أطنانا من أرشيفها الوطني
تسلمت الكويت من العراق اليوم 8 أطنان من الأرشيف والملفات والممتلكات العائدة لمؤسسات مختلفة كانت قد وضعت القوات العراقية يدها عليها خلال الغزو عام 1990.Published On 28/3/202128/3/2021