تقرير أميركي: فاسدون وميليشيات يسيطرون على القطاع الصحي
ترجمة/ حامد احمد
أظهرت معاناة فتى مع السرطان انتهت إلى وفاته، حجم الفساد الكبير بالقطاع الصحي في العراق، وكشفت صحيفة أميركية عن قيام مسؤولين وسياسيين ورجال أعمال وميليشيات بالاستيلاء على أموال مخصصة لانشاء مستشفيات، مقدراً سوق تجارة الادوية بحدود 4 مليارات دولار سنوياً، وأن ربع هذه الأدوية فقط يدخل عبر الطرق الرسمية.
وذكر تقرير لصحيفة الواشنطن بوست الأميركية ترجمته (المدى)، أن “السيدة الأولى السابقة للولايات المتحدة الأميركية لارا بوش كانت قد أوعزت قبل 18 سنة بانشاء مستشفى خاص بامراض سرطان الأطفال في البصرة وذلك بعد اجتياح قوات بلادها للعراق عام 2003”. وأضاف التقرير، أن “المستشفى كان من المفترض أن يكون الأفضل على المستوى العالمي بعد انفاق الحكومة الأميركية اكثر من 100 مليون دولار لإكماله”.
وأشار، إلى أن “المستشفى يعاني الان من خراب واهمال بسبب الفساد المستشري في المنظومة الصحية للعراق التي صنفتها بيانات البنك الدولي على انها من بين الأسوأ في المنطقة”.
ولفت التقرير، إلى أن “مسؤولين عراقيين سابقين وحاليين أقروا بانه يتواجد اليوم جيش من محتالين وفاسدين يسرقون من العراقيين تطلعاتهم لحياة صحية افضل، بعد عقود من حروب وعقوبات اقتصادية اضرت بالقطاع الصحي للبلاد”.
وأردف، أن “الفتى، حسين سامي البالغ من العمر 15 عاماً، يعد احد ضحايا ذلك الفساد، بينما هو راقد على سريره في ردهة العلاج الكيمياوي كان ينظر الى الطبيب وهو يفحص ملفه الطبي، وبدى وجه الطبيب وهو يرتجف عندما وضع اصبعه على الجزء الذي يبحث عنه”.
وبين التقرير، ان “الطبيب اومأ بنظرة فيها تشاؤم لوالد الطفل، وقال له: انه لا يستجيب للعلاج، ليس لك أمل بابقائه في العراق”. ويواصل، أن “المريض سامي، وهو يرقد بنحافته تحت غطاء سريره يبدو وكأنه لا يتعدى العاشرة من عمره، قد تسبب الفساد بقطع علاجه، وأصبحت فواتير الادوية المكلفة تثقل كاهل عائلته مهددة إياهم بالإفلاس”.
ونوه التقرير، إلى أن “الأطباء يقولون ان المعدات الطبية التي يحتاجها غالبا ما تكون مفقودة او عاطلة، الوصفات الطبية غالبا ما تكون محشوة بأدوية أما ان تكون غير مطلوبة او لا يمكن تسديد ثمنها”. وشدد، على أن “سامي، الذي اظهرت الفحوصات اصابته بالسرطان وهو في الثانية من عمره، كان من بين أوائل المرضى في مستشفى سرطان الأطفال عند افتتاحه في العام 2011 بعد تأخره ست سنوات عن الموعد المقرر للافتتاح”.
وأوضح التقرير، أن “عائلة سامي كانت مرتاحة بان طفلهم يرقد فيها، ففي العراق ليس بإمكانهم الحصول على فحص التصوير المقطعي الموجي PET للمريض بشكل يسير، والذي يعتبر جهازا حيويا للكشف عن الخلايا المصابة، ولهذا فهم يضطرون لانفاق آلاف الدولارات لأخذ الطفل الى الأردن للعثور على جهاز التشخيص هذا”.
وافاد، بأن “العراق لا يوجد فيه حتى في الوقت الحاضر اليوم سوى عدد قليل من هذا الجهاز لا يتجاوز عدد أصابع اليد، ولا يوجد منه في مستشفى البصرة، وقائمة الانتظار تطول”.
وتابع، أن “الطبيب أكد ان الفرصة أمام سامي الوحيدة للعيش هي زراعة نخاع عظم لديه، مشيرا بحسرة شديدة إلى عدم إمكانية اجرائها داخل العراق، وذلك بعد إعادة ورقة تشخيص سامي الى ملف اضبارته الصحية في سريره”.
ونوه التقرير، الى “ان وزارة الصحة، لا تعاني حقيقة من نقص في التمويل، واستنادا الى ميزانية العراق لعام 2021 فانه تم خلال السنوات الاخيرة تخصيص ما لا يقل عن 1.3 مليار دولار لبناء مستشفيات فقط”.
وينقل عن مسؤولين عراقيين سابقيين وحاليين رفضوا الكشف عن اسمائهم، القول إن “الفساد مستشر في البلد، والأموال المخصصة لكل شيء من توفير أدوية الى انشاء مستشفيات يتم الاستحواذ عليها من متنفذين في الوزارة ورجال اعمال، ومجاميع سياسية”.
وذكر أحد المسؤولين السابقين، وفقاً للتقرير، أن “الاحزاب مخترقة كل شيء وعند دخولي لمكتبي للمرة الأولى، وجدت حقائب مليئة بعقود تنتظر توقيعي لشراء بضائع بمبالغ مالية طائلة”، مشددا على أن “وزارة الصحة لم ترد على جواب الصحيفة بشأن ذلك”.
ويواصل التقرير، أن “هيئة النزاهة غالباً ما تصدر وعلى شكل دوري تقارير تزعم وقوع اعمال محظورة في عقود شراء وصيانة معدات طبية”.
وأضاف، أن “الهيئة تحدثت الشهر الماضي عن اخضاع مسؤولين في محافظة ميسان للتحقيق بخصوص شراء اجهزة كشف ضوئي، سكاننغ، بأسعار تفوق الأسعار الاصلية لها، ووجهت الهيئة أيضا اتهاما في شهر تشرين الأول لمسؤول في محافظة بابل بابتزاز شركة اجنبية تقوم بتجهيز جهاز مماثل”.
واستطرد التقرير، أن “باحثين عراقيين يراقبون المنظومة الصحية ذكروا أن رسومات مواقف السيارات عند اكبر مجمع طبي في بغداد تأتي بعشرات آلاف الدولارات يوميا، ولكن لا يصل لحسابات الحكومة الا الجزء الضئيل من تلك الرسوم”.
ونبه، إلى “اتفاق حصل مع شركة اعمار تركية في العام 2010 لبناء خمس منشآت طبية حول البلاد”، كاشفاً عن أن “الميزانية البالغة 750 مليون دولار لهذا المشروع قد نفذت قبل ان يتم الانتهاء من منشأتين فقط”.
وينقل التقرير، عن مسؤول حكومي سابق، القول “لم يتمكنوا من اكمال هذه المنشآت بسبب الفساد، احدهم قد تم تسديد مبلغ ضخم له مقدماً، ثم اختفت الأموال”.
وبحسب التقرير، فأن عضو لجنة النزاهة في البرلمان السابق كاظم الشمري، أفاد بأن “الأموال المخصصة لبناء هذه المنشآت قد استخدم جزء منها رشاوي لمسؤولين في وزارة الصحة قاموا بالموافقة على العقد، وكذلك رشاوي لمفتشين وفصائل مسلحة محلية”.
ويؤكد التقرير، أن “شركة يونيفيرسال أكارسان التركية لانشاء المستشفيات، لم ترد على طلب للتعليق من قبل الصحيفة”.
وأفاد، بأن “جميع الاسرة في ردهة المريض، سامي، مليئة بالمرضى، ولا توجد مقاعد كافية للآباء للجلوس فيها، وفي الليل يضطر بعض المرافقين للنوم على الأرض”.
وينقل التقرير عن والد المريض سامي وهو منهك، “عندما يتمرض طفلك فانك ستبذل كل شيء من اجله، ولكن المنظومة الصحية هنا غير جيدة، وذلك يشكل عبئاً شديداً علينا”.
وتابع، أن “أحد المسؤولين السابقين للمستشفى تحدث عن شعوره بين نارين وهو يريد ان يخدم هؤلاء الأطفال، ولكن في الجانب الآخر يقوم بمواجهة اشخاص فاسدين يريدون سرقة علاجهم وسرقة موالهم وسرقة ارواحهم”.
وأشار التقرير، إلى أن “سامي بدا عليه بانه تجاوز مرحلة الخطر ويتحسن وكان ذلك قبل أربع سنوات تقريبا بعد عدة جولات من العلاج الكيمياوي، الأطباء قالوا لوالده بانه سيتعافى اذا ما بقي صحيا لمدة خمس سنوات”.
وشدد، على أن “الورم السرطاني لسامي قد تراجع لديه، بعد أن علاه التعب والوالد في صدمة، وليست لديهم فكرة كيف سيسددون تكاليف الفواتير الطبية”.
وينتقل التقرير، إلى “ازهار، والدة سامي، التي كانت قد باعت مصوغاتها الذهبية لتمويل المراحل الأولى من علاجه، وتم بيع كل ما هو غالي الثمن في البيت الذي يقع في احد احياء البصرة الفقيرة”.
ويواصل، أن “عائلة المريض قالوا ان السفرة للاردن لوحدها قد كلفتهم 5,000 دولار، اما الزيارات المتكررة للنجف من اجل فحوصات التشخيص غير المتوفرة في البصرة، تكلفهم 700 دولار في كل مرة، وان تكاليف الادوية في تصاعد أيضا”.
وأكد التقرير، أن “سوق تجارة الادوية في العراق تقدر بحدود 4 مليارات دولار سنويا، لكن وفقا لمسؤولي كمارك ومسؤولي صحة ومالية فان ربع كمية الادوية فقط تدخل البلاد عبر قنوات رسمية”.
وأضاف، ان “مستوردين ومسؤولين في الصحة ذكروا ان الصيدليات تقوم بدلا من ذلك ببيع ادوية تدخل العراق من بلدان مجاورة عبر معابر حدودية غير رسمية، حيث يجني مسؤولون متحالفون مع أحزاب سياسية كبرى قسما من فوائد المهربين”.
ونوه التقرير، إلى أن “هذه الأدوية غالباً ما تكون اغلى ثمنا وان كلف ادوية السرطان دائما ما تكون اعلى ثمنا من غيرها، وقسم منها يصل البلد وهو مشارف على تاريخ الانتهاء، ويقول مستوردون ومسؤولون انه في بعض الحالات تكون الادوية مزيفة”.
ولفت، إلى أن “مسؤول في حقل الصيدلة قال إن هذه التجارة لا تحدث في السر، انها تجري بموافقة أحزاب سياسية ومليشيات تعمل في المنطقة، الفساد ليس انحرافا فقط، انه منهاج عمل”.
وقال التقرير، إن “مسؤولي كمارك وصحة في بغداد ذهبوا إلى ان معظم الادوية المهربة تدخل العراق عبر منافذ تهريب حدودية مع ايران، وأن شاحنات تعبر الحدود بموافقة معدة مسبقا مقابل ما يقارب من 30,000 الف دولار لكل شاحنة”.
وأوضح، أن “ما يدل على مدى الأرباح التي تجنى عبر تجارة التهريب غير الشرعية هذه فان استبدال منصب وظيفة لدى هيئة الكمارك يتم مقابل نصف مليون دولار”.
وبين التقرير، أن “شبكة وسطاء تقوم وحال وصول الأدوية إلى العراق بجلبها للسوق واستنادا لأطباء وصيادلة، فان شركات تقوم باعطاء كومشنات ورشاوي لمسؤولين طبيين معوزين من اجل توصيف الادوية المهربة مقابل رشاوي، وقال احد المستوردين ان الرشاوي تتراوح ما بين منح قضاء عطل ترفيهية في تركيا او أوروبا”.
وأردف، أن “سامي بينما كان يستلقي بهدوء في فراشه بالبيت الصيف الماضي، فقد بدى اكثر نحافة، حرارة منتصف النهار في البصرة تتجاوز الخمسين درجة مئوية ولكنه ما يزال يرتجف”.
وأكد التقرير، أن آخر جرعة علاج كيمياوي كانت مرهقة جدا على سامي اخوانه كانوا يفعلون كل ما بوسعهم لرعايته، وقالت والدته ان وزنه يتناقص على نحو مقلق، قال سامي لوالديه بانه مرهق، وقالت والدته، انه يريد الكف عن العلاج الكيمياوي، انه يريد ان يموت”.
وزاد، أن “عائلة سامي كان لها ما يكفيها بعد وقوع حادث الحريق المدمر لدى مستشفى الناصرية، واستنادا لمسؤولين في الدفاع المدني والصحة، فان رداءة المواد القابلة للاشتعال المستخدمة في بناء ملحق العزل في المستشفى بسبب الفساد، أدت الى انتشار لهيب النيران، التي أتت على عشرات أرواح المرضى الراقدين هناك، وان والد سامي قال انه يعرف بان نفس المواد قد استخدمت في مستشفى طفل البصرة”.
ومضى التقرير، إلى أن “الطفل سامي لم يرجع ابدا للعلاج الكيمياوي، فقد توفي في الشهر العاشر تشرين الأول، وخلال اشهره الأخيرة لاحظت عائلته وهن روح الطفل مع جسده، كان هادئاً في رحيله، قال والده بعد وفاة ابنه: لقد انطفأت شمعة بيتنا”.
عن واشنطن بوست