مبادرة خليجية لإعادة الثقة مع لبنان مُهددة بنفوذ “حزب الله” (تحليل)
– تعوّل بعض الدول العربية على إمكانية أن تكون الانتخابات اللبنانية القادمة بوابة للتغيير . – لا تبدو حكومة ميقاتي في موقع يسمح لها بالاستجابة إلى رغبة الدول الخليجية في كبح جماح “حزب الله”.
29.01.2022
Istanbul
إسطنبول/ إحسان الفقيه/ الأناضول
طيلة الأشهر الماضية، سعت الدول الخليجية للضغط اقتصاديا وسياسيا على القوى الفاعلة في لبنان، لمقايضة استئناف المساعدات بفصل الدولة في قراراتها وسياساتها عن تدخلات وهيمنة جماعة “حزب الله”.
وتتهم السعودية ودول خليجية أخرى، الحزب بدعم جماعة الحوثي في اليمن، والتعمد في تخريب المجتمعات الخليجية، عبر ترويج المخدرات لدعم وتمويل الأنشطة “التخريبية” في سوريا واليمن ودول المنطقة الأخرى.
من المهم للدول الخليجية، وفق قراءة في المبادرة التي حملها وزير الخارجية الكويتي أحمد ناصر المحمد الصباح إلى بيروت، التزام الدولة اللبنانية بالقرارات الدولية والعربية وتطبيقها، والعودة إلى اتفاق الطائف لعام 1989، الذي أنهى الحرب الأهلية (1975 إلى 1989).
وكذلك القرار الدولي 1559 الخاص بنزع الأسلحة لجميع المجموعات شبه العسكرية غير المرتبطة بالدولة اللبنانية، والقرار 1680 المتعلق باحترام سيادة لبنان وسلامته الإقليمية واستقلاله السياسي.
ذلك بالإضافة إلى قضايا أخرى منها رفض الحكومة رسميا لأنشطة “حزب الله” وتدخلاته في الدول العربية والتزامها بقرارات جامعة الدول العربية التي تتعلق بإدانة الهجمات التي تتعرض لها الإمارات والسعودية من قبل جماعة الحوثي، بديلا عن مواقف “التحفظ” التي دأبت الحكومة على تبنيها، إضافة إلى تشديد الإجراءات الأمنية لوقف تهريب المخدرات من لبنان إلى السعودية ودول خليجية أخرى.
وأجرى الصباح، زيارة إلى العاصمة اللبنانية بيروت في 22 يناير/ كانون الثاني الجاري، هي الأولى لمسؤول خليجي منذ تفجر الخلافات الدبلوماسية مع لبنان في أعقاب تصريحات لمسؤولين لبنانيين في الحكومة السابقة انتقدت تدخل التحالف العربي الذي تقوده السعودية في الحرب باليمن.
وكانت دولة الكويت قد طردت السفير اللبناني في خطوة تضامنية مع السعودية.
ويرى متابعون، أن الدول الخليجية المعنية بالحرب في اليمن، ترى في مواصلة الدعم الإيراني المباشر أو غير المباشر عبر القوى الحليفة لإيران ساهم في إطالة أمد الحرب وتعقيد الصراع وتقليل فرص التوصل إلى تسوية سياسية بعد سنوات من عدم الحسم العسكري ومواصلة جماعة الحوثي استهداف البنية التحتية في العمق السعودي والإماراتي.
ووفقا لوزير الخارجية اللبناني عبد الله أبو حبيب، فإن حكومة بلاده سترد على المبادرة الخليجية رسميا في الأيام المقبلة، على أمل إنهاء الخلاف الدبلوماسي مع الدول الخليجية.
وكان الوزير الكويتي قد قدّم إلى الرئيس اللبناني ميشال عون، مذكرة تضمنت اقتراحات تهدف إلى “إعادة بناء الثقة بين لبنان ودول الخليج”.
ورحب لبنان، حسب الرئيس عون، خلال لقائه الوزير الكويتي، بأي تحرك عربي من شأنه أن يسهم في إعادة العلاقات الطبيعية بين لبنان والدول الخليجية، “انطلاقا من حرص لبناني ثابت على المحافظة على أفضل العلاقات بين لبنان والدول العربية”.
وتدعو الدول الخليجية لبنان لأن لا يكون منصة لأعمال أو كلمات عدائية موجهة إلى الدول الخليجية.
وتراجع مستوى العلاقات بين بعض – وليس جميع الدول – الخليجية منذ السنوات الأولى لبروز دور “حزب الله” والتدخل في دول أخرى (وفق مراقبين) عبر دعم المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لطهران في العراق واليمن والتي تستهدف أمن واستقرار السعودية.
وتتضمن ورقة الاقتراحات التي سلمها الوزير الكويتي لرئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، حسب وسائل إعلام لبنانية، ضرورة ضبط الحدود والتنسيق مع الحكومات الخليجية لمنع تهريب المخدرات، والتزام الحكومة اللبنانية بمواقف جامعة الدول العربية من الصراعات في المنطقة.
ومن المتوقع أن يتضمن الرد اللبناني على الاقتراحات الخليجية مبادئ عامة تتعلق بحرص لبنان على علاقاته مع الدول العربية، والتزامه بقرارات ومواقف الجامعة العربية، وتكثيف الجهود الأمنية لمنع تهريب المخدرات من لبنان إلى تلك الدول لحماية المجتمعات العربية من مخاطر انتشار المخدرات.
وكثفت الحكومة اللبنانية جهودها في ملاحقة عمليات تهريب المخدرات إلى السعودية، في خطوة يرى فيها مراقبون أنها تهدف إلى إثبات حسن النية أمام السعودية والدول الخليجية الأخرى.
وبعد يومين من مغادرة وزير الخارجية الكويتي بيروت، أعلنت وزارة الداخلية اللبنانية، أنها اعترضت شحنة من 450 صندوق شاي، كانت تُخفي مواد مخدرة في طريقها إلى السعودية.
وتتهم الولايات المتحدة والدول الحليفة لها في المنطقة “حزب الله”، بالوقوف وراء شبكة واسعة لتجارة المخدرات، تمتد من دول المنطقة إلى دول أوربية ودول في أمريكا اللاتينية.
وتعوّل بعض الدول العربية على إمكانية أن تكون الانتخابات المقررة في مايو/أيار المقبل، بوابة للتغيير عبر انتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل حكومة تتخذ قراراتها بعيدا عن تأثير الجماعة، لكن ذلك يبدو أمرا بعيدا عن واقع المشهد السياسي اللبناني.
وفي 24 يناير/ كانون الثاني الجاري، أعلن سعد الحريري، رئيس الوزراء الأسبق، وزعيم “تيار المستقبل”، الكيان السياسي الذي يمثل الطائفة السنية، أنه سيعلق نشاطاته السياسية.
ودعا الحريري مرشحي تياره إلى عدم خوض الانتخابات المقبلة، وهي خطوة ينظر إليها بعض المراقبين أنها ستعزز نفوذ “حزب الله” بشكل أوسع، فيما يرى آخرون أنها فرصة لظهور قيادات سنية جديدة قد تكون أكثر جرأة في مواجهة النفوذ الإيراني عموما ونفوذ الجماعة بشكل خاص.
ولا تبدو حكومة ميقاتي في موقع يسمح لها بالاستجابة إلى رغبة الدول الخليجية في كبح جماح “حزب الله”، وهي من القضايا الأساسية التي كانت سببا في تراجع المساعدات الخليجية ووقفها وبالتالي دخول لبنان في أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود.
وحسب ما تنشره وسائل الإعلام اللبنانية، فإن “حزب الله” الذي عاد عن مقاطعته جلسات الحكومة اللبنانية، يرفض أن يتضمن جدول أعمالها أي بند يتعلق بمناقشة الاقتراحات الخليجية، لأنه يرى فيها إملاءات على حكومة هو شريك فيها.
تدرك الدول الخليجية حجم نفوذ “حزب الله” في مؤسسات الدولة الأمنية والسياسية والاقتصادية، وعجز حكومة ميقاتي أو أي حكومة أخرى عن تحدي إرادة الجماعة وسلاحها أو كياناتها الاقتصادية التي تعمل بمعزل عن الدولة.
لذلك ستظل مواقف الحكومة اللبنانية المستقبلية من الدول الخليجية دون مستوى تطلعات هذه الدول، التي تأمل الكثير من حكومة تدرك سلفا أنها حكومة عاجزة عن اتخاذ قراراتها باستقلالية تامة عن “حزب الله”.