زواج القاصرات “مقبول جداً” في مخيمات العراق
المرأة بغداد كرم سعدي
02 فبراير 2022
يشكل تزويج عائلات نازحة تسكن في مخيمات بناتها القاصرات إحدى أبرز المشاكل التي عرفها المجتمع العراقي في السنوات الأخيرة، وسط جملة أسباب توردها الأسر عن هذا النوع من الزيجات التي تحصل عادة خارج المحكمة المدنية الرسمية، ومنها صعوبة العيش والأمل في تخليص أفراد الأسرة من واقع سيئ، وصولاً إلى ما يُعَدّ حماية للبنات، فيما تحارب جهات رسمية ومدنية الظاهرة التي ترى أنها مصدر تهديد كبير للمجتمع.
ليس زواج القاصرات ظاهرة جديدة في المجتمع العراقي، إذ تنتشر في القرى ذات الثقافة المتدنية والمجتمعات القبلية خصوصاً، لكنها انخفضت فيها بشكل ملحوظ خلال عقود، قبل أن تعود بكثرة قبل سبع سنوات في المخيمات التي أنشأتها الحكومات المحلية بدعم من الأمم المتحدة في عدد من المحافظات لإيواء عائلات هربت من مناطق احتلها تنظيم داعش عام 2014.
زوّج سعدون الحامد، الذي يسكن مع عائلته في مخيم للنازحين جنوبي الموصل (شمال)، ابنته القاصر بسبب ما يقول إنه “المستقبل المجهول في ظل عدم قدرته على العودة إلى داره المهدمة والعمل لإعالة أسرته، بعدما تدهور وضعه الصحي الذي يمنعه من مزاولة عمله في قيادة آليات زراعية.
يقول الحامد (57 عاماً)، لـ”العربي الجديد”: “فضلت تزويج ابنتي قبل ثلاثة أعوام حين كانت في الـ15 من العمر، وقد أنجبت طفلاً وأصبحت أماً تدير شؤون بيت صغير تسكن فيه مع زوجها الذي يكبرها بـ15 عاماً، لكنها غير سعيدة لأنها تزوجت وتحملت مسؤولية أسرة في وقت مبكر”. يضيف: “فكرت بمصلحتها حين زوجتها، فأنا أقرب إلى الموت، وأردت أن أطمئن على مستقبلها مع رجل يوفر لها الأمان الذي لم أستطع تحقيقه”.قضايا وناس
زواج القاصرات في العراق بين العوز المالي وقلة الوعي
ويعتبر كُثر من سكان مخيمات النزوح ما فعله الحامد صحيحاً، ويشيدون به، مؤكدين أنهم ربما يضطرون لأن يحذو حذوه للحفاظ على بناتهم لتقليل نفقات حياتهم اليومية. فتقول زهراء عبد الستار، لـ”العربي الجديد”: “لا مفر من تزويج البنات في عمر صغيرة، إذ يصعب أن تتحمل الأسر في المخيمات التكاليف التي تقع على عاتقها”. وتتابع: “كبر أطفالنا في المخيمات وتعرضوا لظلم كبير بينما يسكن أقرانهم في مدن وبيوت آمنة دافئة شتاءً ومبرّدة صيفاً. الأمراض تفتك بهم وبنا، وكلما حصلنا على مبلغ من المال، سواء عن طريق المساعدات أو من خلال فرد من الأسرة وجد عملاً مؤقتاً، نحاول أن نؤمن خيمنا، وتوفير ما نحتاجه. زواج البنت يخفف عبء نفقات الأسرة، ويسمح أيضاً بالإفادة من مهرها، فالجميع يحتاجون إلى مال”.
وتؤكد الصحافية والناشطة في حقوق المرأة والطفل سلمى أحمد، في حديثها لـ”العربي الجديد”، أن لا إحصاءات رسمية موثقة لزواج القاصرات، كونه يحصل خارج إطار المحاكم، لكنها تشير إلى معلومات حصلت عليها عبر عملها الصحافي واهتمامها بفئة المعنّفات والمطلقات، وتفيد بأن “النسبة الأكبر من زواج القاصرات كانت تسجل في القرى، ثم أصبحت المخيمات الأكثر احتضاناً للظاهرة بعد عام 2014”. ووصفت الزواج المبكر بأنه “خطأ كبير وفادح، ويؤدي إلى مشاكل كثيرة”.
تضيف أحمد: “اطلعت على عشرات الحالات من الزواج المبكر، ووجدت أن أكثرها تنتهي بالطلاق أو بإصابة الفتيات بإعاقات وأمراض بسبب عدم فهمهن للزواج ومسؤولياته، واللواتي عايشنه قبل أن تنتهي مرحلة طفولتهن التي يحتجن فيها إلى اهتمام الأبوين واللعب والمرح، فكيف الحال بالنسبة إلى فتيات عشن حياة مأساوية وبنفسية مليئة بالعقد نتيجة يومياتهن داخل مخيمات النزوح التي تفتقر إلى أبسط مقومات المعيشة، في وقت يرين فيه أن العالم الخارجي مليء بالجمال والحرية وينبض بالحياة والتكنولوجيا المتقدمة والرفاهية التي يشاهدونها عبر سياج المخيمات أحياناً، أو من خلال وفود الإغاثة. ويلي كل ذلك زجهن في بيوت الزواج”.
فعلياً، يحدد القانون العراقي السن القانونية للزواج بـ18 عاماً، لكن المادة الثامنة تسمح بزواج من أكمل سن الـ15 شرط نيل موافقة المحكمة وولي الأمر، فيما تقول سلمى إن تزويج فتيات أعمارهن أقل من 15 عاماً يحصل في مكاتب خاصة عبر وثائق غير رسمية، لكنها قانونية بحسب الشريعة الإسلامية.
ويعتبر زواج القاصرات أحد أبرز القضايا التي تهتم بها منظمات وجمعيات إنسانية تتواصل بشكل دائم مع جهات حكومية متخصصة، مثل وزارة الهجرة والمهجرين، من أجل الوقوف على الظاهرة ومحاولة تحجيمها قدر الإمكان، وهو ما تؤكده الباحثة الاجتماعية منى الدايني، التي تلقي محاضرات للنساء في مخيمات النازحين ومناطق في القرى والأحياء الشعبية الفقيرة.قضايا وناس
حملة لمنع زواج القاصرات في الرقة
وتصف منى زواج القاصرات، في حديثها لـ”العربي الجديد”، بأنه “كارثة تهدد مستقبل النساء والطفولة والمجتمع عموماً”، وتشير إلى أن زواج القاصرات “ينتشر في القرى ويصل أحياناً إلى تزويج فتيات يبلغن من العمر أقل من 14 عاماً، لكن الأكثر خطورة هو ما يجري في مخيمات النزوح”. وتوضح أن “الزواج يحصل داخل القبيلة الواحدة أو بين قبيلتين تسكنان في منطقة واحدة أو قرى متجاورة، ما يعني أن الفتاة تبقى في داخل محيطها وبيئتها وقريبة من أهلها. ولا يعقد الزواج على أساس المصالح بل لتكريس عرف متوارث يتعلق بالحفاظ على البنت. أما في المخيمات، فالوضع مختلف بالكامل، لأن الفتاة ستنتقل إلى بيئة أخرى يندر أن تراعي طفولتها وأزماتها النفسية التي خلفها السكن في المخيمات. والحملات مستمرة وتتبناها منظمات إنسانية لتثقيف سكان المخيمات بأهمية عدم تزويج بناتهم بأعمار صغيرة، كما تتبنى المؤسسات الحكومية حملات أخرى”.