تركيا توسّع حربها على “العمّال الكردستاني” في الإقليم وأربيل تسعى لتدارك التداعيات
04-02-2022 | 06:10 المصدر: النهار العربيرستم محمود
قصف تركي على مواقع كردية في شمال العراق.
شكلت الهجمات الجوية الأخيرة التي نفذتها طائرات تركية على أعالي جبال سنجار ومنطقة مخمور في عمق الأراضي العراقية، المتاخمة لحدود إقليم كردستان، تحولاً في نوعية المواجهة بين تركيا و”حزب العمال الكردستاني” في إقليم كردستان العراق. فمن جهة، هي المرة الأولى التي تقوم فيها الطائرات التركية بعمليات قصف موسعة متزامنة، لا تستهدف بعض الأشخاص أو المقار التابعة لمجموعة مسلحة مقربة من “العمال الكردستاني” فحسب، إذ استهدفت عمليات القصف البنية التحتية والعديد من المباني في الآن عينه. كذلك كانت العملية الأولى التي شملت استهداف مقار لمجموعات مقربة من “العمال الكردستاني” في سوريا والعراق في آن.
العملية العسكرية الأخيرة أتت بعد ساعات من إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إطلاق عملية “نسر الشتاء”، لاستكمال مجموعة العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش التركي في المناطق الحدودية مع إقليم كردستان العراق، لاستهداف مقاتلي “العمال” ومقاره في تلك المناطق، والتي توسعت حتى مناطق تبعد ثلاثين كيلومتراً جنوباً عن الشريط الحدودي، وأسست أكثر من ثلاثين قاعدة عسكرية في تلك المناطق. رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني زار العاصمة التركية أنقرة، والتقى أردوغان. مصدر سياسي ذكر في حديث مع “النهار العربي” أن الزيارة تأتي في إطار سعي الإقليم الى إخراج هذا الصراع بين تركيا و”العمال الكردستاني” من أراضيه، وعبر أي آلية كانت. فهذا الصراع العسكري يستجلب انعكاسات أمنية واقتصادية وسياسية على الإقليم، بما في ذلك التأثيرات الديموغرافية، إذ غادر الآلاف من سكانه بيئاتهم المحلية في مناطق الصراع العسكري بين تركيا والحزب.
يملك “حزب العمال الكردستاني” مناطق نفوذ في مختلف اتجاهات إقليم كردستان، وبأشكال مختلفة. ففي أقصى المناطق الجبلية ثمة العديد من المعسكرات التي يتمركز فيها مقاتلو الحزب، في مناطق قنديل وحفتينان وخواكرك. كذلك فإن الحزب يسيطر سياسياً وأمنياً على مخيم مخمور للاجئين الأكراد جنوب محافظة أربيل، المقدرين بنحو خمسين ألفاً، من الذين فروا من تركيا منذ أوائل التسعينات من القرن المنصرم. كذلك يسيطر عبر بعض أجنحته السياسية والعسكرية على منطقة سنجار، الجبلية الحدودية، في أقصى الحدود الغربية للعراق مع تركيا، وذات الخصوصية الثقافية، حيث ينتشر أبناء الديانة اليزيدية. تصعيد متوقعويتوقع مراقبون من إقليم كردستان تصاعد المواجهات بين الطرفين خلال الشهور المقبلة، اذ تبدأ القوات التركية عادة زيادة عملياتها في المناطق الجبلية الحدودية مع العراق من نهاية فصل الشتاء من كل عام. كذلك فإن فشل مشروع تركيا في التصعيد واحتلال المزيد من المناطق ضمن سوريا، إنما يدفعها الى التعويض عن ذلك بالتصعيد ضمن إقليم كردستان، غير الخاضع لشكل الحماية التي يفرضها التحالف الدولي على مناطق الإدارة الذاتية شمال شرقي سوريا. الباحث والكاتب الكردي العراقي شفان رسول شرح في حديث مع “النهار العربي” الديناميكيتين اللتين تؤثران في دفع هذه المواجهة العسكرية بين الطرفين في الإقليم إلى أوجها: “ما يجري راهناً هو النتيجة الطبيعية لفشل مشروع السلام الذي كان أردوغان قد أطلقه قبل سنوات، بغية إيجاد حل للمسألة الكُردية في تركيا. فقد تعثرت المفاوضات بين الطرفين، خصوصاً بعد تراجع شعبية حزب “العدالة والتنمية” بعد العام 2015، واضطراره للتحالف مع حزب “الحركة القومية التركية” المتطرف، الذي اشترط إلغاء تلك العملية تماماً”. وتابع رسول قائلاً: “راهناً ليس من أي أفق لأن تهدأ المواجهة العسكرية بين الطرفين. فاتفاقية سنجار بين الحكومة العراقية المركزية وحكومة إقليم كردستان العراق لم تطبق، ولم تتمكن تركيا من القضاء عسكرياً على معسكرات “حزب العمال” في أقصى شمال الإقليم، ولا حتى استطاعت الحكومة المركزية العراقية إيجاد حلول مدنية لإدارة مخيم مخمور للاجئين”. “من كل أشكال التصعيد تلك، يُمكن استثناء الأوضاع السياسية الداخلية في تركيا. فالحياة السياسية التركية منقسمة بشكل حاد بين تحالفي الأمة والشعب، بين حزب “العدالة والتنمية” وحليفه حزب “الحركة القومية التركية” المتطرفة، وبين حزب “الشعب الجمهوري” “الأتاتوركي” وحليفه الحزب “الخيّر”. وفي ظلال ذلك فإن الأصوات الكُردية تبدو هي الحاسمة بين الطرفين. فأي منهما لن يتمكن من الحصول على الأغلبية في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وأي تحالف لحزب “الشعوب الديموقراطية” المدافع عن حقوق الأكراد مع قوى المعارضة، قد يُلحق هزيمة استثنائية بحزب “العدالة والتنمية” والرئيس أردوغان، وهو أمر قد يدفع هذا الأخير لأن يهدئ المواجهة مع “العمال الكردستاني”، ويدفع الأمور لنوع من عودة التفاوض بين الطرفين، كما كانت قبل العام 2015″، كما يوضح رسول. المواجهات العسكرية بين “العمال الكردستاني” وتركيا مستمرة منذ العام 1984، وأودت بحياة أكثر من 40 ألف ضحية من الطرفين، وأدّت إلى تدمير أكثر من 4 آلاف قرية كردية واقتلاع سكانها، وفق منظمات حقوقية.