عودة النّزاع على الملكيّة بين الفلاحين الأكراد والعرب في كركوك
08-02-2022 | 07:00 المصدر: النهار العربي
اراض متنازع عليها
A+A-بعد موجة الأمطار المبشرة بموسم زراعي وافر، عادت المواجهات بين الفلاحين الأكراد ونظرائهم العرب في عدد من قرى محافظة كركوك العراقية، بسبب خلافات قانونية على ملكية الأراضي الزراعية في الكثير من المناطق، تلك التي كانت الحكومات العراقية السابقة في زمن حُكم حزب “البعث” قد سحبت ملكيتها من الفلاحين الأكراد، ومنحتها لفلاحين عرب مستقدمين من باقي مناطق العراق، لكن الكثير من هؤلاء غادروا تلك المناطق بعد عام 2003، وعادوا راهناً للمطالبة بما حصلوا عليه عبر الحكومات العراقية السابقة. قرية “ينجييى” التابعة لناحية داقوق شهدت أكبر المواجهات خلال الأسبوع الماضي. فما إن عاد فلاحون عرب بغية زراعة المناطق التي يقولون إنهم يملكون وثائق ملكيتها، مع فرقة للمساحة وصور عن قرارات المحاكم الجزائية المحلية في المحافظة، حتى منعهم الأكراد مباشرة، ودخل الطرفان في مواجهات بالحجارة، أدت الى وقوع إصابات. وثمة مواجهات مماثلة شبه يومية في مختلف مناطق المحافظة، أساسها الخلاف على ملكية الأراضي الزراعية.التقديرات المحلية تذهب الى القول إن المساحات الزراعية المختلف على ملكيتها في محافظة كركوك تُقدّر بنحو 80 ألف دونم محلي، تقع على كامل القوس الزراعي الخصب في أقضية داقوق وليلان والدبس، في المنطقة الجنوبية والغربية من محافظة كركوك، المشهورة بزراعة القمح والشعير والذرة الصفراء. عباس متكي آغا واحد من الذين فقدوا أراضيهم جراء سياسات التعريب التي مارسها النظام العراقي السابق، ولم يتمكن حتى الآن من الحصول عليها، يشرح ما يحدث في حديث الى “النهار العربي”: “عام 1979 استولى الأمن العام العراقي على ما يقارب 350 دونماً من أراضي والدي الزراعية، بعد شبهة دعمه للمقاتلين الأكراد، وأجبر على التوقيع على وثيقة التخلي عن الملكية. والفلاحون الذين بقوا طوال 25 عاماً يستفيدون من خيراتها إنما حصلوا على تعويض مالي بعد عام 2003، بعد صدور المادة 140 من الدستور العراقي، التي ألغت وثائق الملكية التي صدرت ضمن سياسات التعريب. لكن الفلاحين السابقين يستغلون خلوّ المحافظة من أي سلطة أو قوة كردية، فيعودون للاستيلاء على الأراضي نفسها، والمحافظ المعين من الحكومة المركزية والأجهزة الأمنية والقضائية في المحافظة ينحازون إليهم على حساب الفلاحين الأكراد”.عدد من الفلاحين العرب يقولون إنهم من سكان محافظة كركوك التاريخيين، وإنهم لم يقدموا الى المنطقة بحسب سياسات التعريب، وإنهم حصلوا على بعض الأراضي بناءً على معاملات وعمليات شراء “نظامية” من مؤسسات الدولة، وإن الكثيرين منهم حصلوا على قطع من تلك الأراضي كمكافآت أو تعويض لما بذلوه تجاه الدولة. كان عدد من مؤسسات الدولة العراقية القضائية والأمنية والاقتصادية تقوم منذ عام 2003 بمراجعة آلاف ملفات التنازع على ملكية الأراضي بين الفلاحين في المحافظة، فالمادة 140 من الدستور العراقي كانت تعتبر أن كل القرارات والإجراءات التي اتُّخذت في زمن النظام العراقي السابق، بغية التعريب وإحداث تغيير ديموغرافي في المحافظة، إنما هي بحكم الملغاة، وأن السلطات المحلية مُجبرة على تعويض المتضررين، ومنح الفلاحين المستقدمين بعض التعويض للعودة إلى مناطقهم السابقة. لكن بعد خريف عام 2017، حين أُخرجت الأجهزة الأمنية والعسكرية الكردية من المحافظة تماماً، وصارت فعلياً خاضعة لما يشبه قانون الطوارئ بحكم هيمنة السلطة المركزية على مختلف مؤسسات المحافظة، فإن تطبيق تلك الإجراءات تراجع تماماً، وعاد المئات من الفلاحين السابقين للمطالبة بما كان بين أيديهم في العهود السابقة. المحامي جان محمود كيكي، أحد المدافعين المنخرطين في ملف المواجهات القضائية بين فلاحي المحافظة، شرح في حديث الى “النهار العربي” الواقع الموضوعي الذي يحدد آلية حل مثل هذا النزاعات بقوله: “ليس من فضاء قانوني واضح يمكن الرجوع إليه. كذلك فإن الأجهزة القضائية والنخبة القائمة عليها غير مستقلة عن النزاعات القومية والارتباط بالجهات السياسية، هذا غير الفساد والمحسوبيات التي تنخر جسدها من كل حدب. لأجل ذلك بالضبط، فإن الهوية والسلوك الشخصي لقيادات المحافظة ومؤسساتها التنفيذية هي التي تكون صاحبة القرار النهائي، وهذه الأخيرة بأكثريتها المطلقة مناهضة للفلاحين الأكراد، وتكمل بشكل ما سياسات التعريب التي كانت، خصوصاً أنها تستغل مغادرة أغلبية الفلاحين الأكراد مناطقهم الزراعية نحو المدن في إقليم كردستان”. عادة ما يشكو الأكراد في محافظة كركوك من سعي السلطات المركزية الى خلع الموظفين الأكراد من الدوائر الزراعية والقضائية والعقارية في المحافظة، بغية تسهيل إجراءات استعادة الأراضي للفلاحين المستقدمين إليها، معتبرين أن الأجهزة الأمنية والفصائل المسلحة تدعم عمليات الاستيلاء على الأراضي، أو تخلق ضغوطاً متواصلة حتى يستسلم الفلاحون الأكراد ويقبلوا بـ”الأمر الواقع”. الناشط المدني العربي من محافظة كركوك ناجي التميمي شرح لـ”النهار العربي” أدوار القوى السياسية في الحفاظ على هذا الملف في حالة الاحتقان، بغية استغلاله سياسياً على الدوام: “ببعض التفكير العقلي الحسابي، تبدو قيمة الأراضي المتنازع عليها أقل من قيمة حملة انتخابية واحدة، تستطيع أي قوة سياسية أو مؤسسة تابعة للدولة حلها بشفافية من خلال المصالحات والتعويض خلال شهور قليلة. لكنها تبدو رؤية غير موافقة لنزعات الأحزاب القومية في المحافظة، التي تعتبر هذا الملف العصب المركزي في خطاباتها السياسية، للحفاظ على شعبيتها والحصول على أصوات الناخبين، من دون أي مسؤولية أو رؤية ذات مضمون”.