مقالات

حرّاس الرواية الفلسطينية: لسنا أرقامًا تحصونها بل قصصًا عن جرائم الاحتلال

كتب بواسطة:نداء بسومي

منذ بداية القرن الواحد والعشرين، شنّ الاحتلال الإسرائيلي 4 حروب بشكل رسمي على قطاع غزة، فضلًا عن الاعتداءات المستمرة والصواريخ التي تطلق على أهل القطاع بين الفينة والأخرى، راح ضحيتها آلاف الشهداء وعشرات آلاف الإصابات، وهدمت خلالها البيوت والمدارس والمنشآت، وبالتزامن مع هذا كله، يمارس الاحتلال تضييقه وحصاره على القطاع، ويمنع أهله من العلاج والسفر، إضافة إلى أزمات الكهرباء المختلفة نتيجة نقص إمداده بالوقود.

في هذه الأثناء، وبالتحديد في أعقاب عدوان 2014، نشأت مبادرة “لسنا أرقامًا we are not numbers” وهي إحدى مشاريع المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان من قلب القطاع المحاصر، تحكي قصص الشهداء والمصابين، وكذلك قصص الحجر الذي لم يسلم من بطش الاحتلال، وقد استطاعت أن تصل بصوت ضحية الجرائم الإسرائيلية إلى الغرب.

في هذه الحواريّة من سلسلة “حرّاس الرواية الفلسطينية”، “نون بوست” تحاور زينب بشير ابنة الـ20 عامًا من قطاع غزة، وطالبة الترجمة الإنجليزية في الجامعة الإسلامية هناك، والتي تعمل حاليًا كمساعدة مشروع في “لسنا أرقامًا”، وأحد أعضائها، وتناقشها “نون بوست” حول المبادرة وعملها وخدمتها الرواية الفلسطينية. 

كيف بدأت فكرة مبادرة لسنا أرقامًا؟

بدأت الفكرة عام 2015، حين استشهد أخ أحمد الناعوق – مدير المشروع – في حرب 2014، فقد كتب الناعوق قصة استشهاد أخيه أيمن، التي وقعت بدورها بين يدي الصحفية الأمريكية بام بيلي، وأعادت حينها نشر القصة ولاقت تفاعلًا كبيرًا.

طرحت بيلي وقتها فكرة أن كل شهيد أو جريح أو حتى مواطن عادي ورائه قصة وليس رقمًا فقط، وأن الفلسطينيين بنكباتهم ليسوا أرقامًا تذكر بالصحف والأخبار، وساهمت بيلي بدعم من المرصد الأورومتوسطي وإلى جانب الناعوق في تأسيس المشروع، وشرعت المبادرة من خلال كتّابها المنضمين إليها في نشر قصصهم في الحرب وقصص الشهداء والجرحى وحتى تجاربهم الشخصية التي يرغبون بنشرها وأن يسمعها العالم.

نلحظ أن محتوى “لسنا أرقامًا” باللغة الإنجليزية، لماذا؟

نحن نستهدف العالم بأجمعه، لذلك نكتب باللغة الإنجليزية لأنها اللغة العالمية المتعارف عليها، ويستطيع أي أحد أن يقرأ بها، لأن رسالتنا إنسانية بحتة غير متحيزة وتخاطب المجتمع الغربي بشكل خاص والإنسانية جمعاء، وقد ترجمت قصصنا لأكثر من لغة كالإيطالية والفرنسية والإسبانية، كما ترجمت إلى اللغة العبرية لكي تصل إلى اليهود (غير المتصهينين) الداعمين للقضية الفلسطينية، وبالفعل وصل صوتنا لأكثر من شعب ودولة.

نرى أن قصتكم تقوم على أساس استعطاف مشاعر القارئ، ما أهمية “أنسنة” الرسالة بنظركم؟

الأصل في رسالتنا هي الإنسانية، لأننا نرى أن قضية فلسطين لا يجب أن تنحصر فقط في كونها عربيةً وإسلاميةً، بل هي أيضًا إنسانية، وفي الوقت ذاته، فإن المجتمع الغربي، بنظرنا، يخاف من تصديق رواية الفلسطيني عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بشكله الحاليّ، لذلك نتحدث إليه من منطلق إنساني، برواية قصتنا تحت مظلة الإنسانية البحتة، وبالتالي سيفكرون فيما لو كانوا هم أنفسهم أو أحبتهم مكان صاحب القصة، وسيبدأون بالتعاطف معك لأنهم أمام إنسان أمه ماتت أو حرم من السفر أو فقد عائلته أو أصيب خلال الحرب، ويتعمقون بالتجربة أكثر معك.

هم يريدون أن يروك كإنسان بعيدًا عن دينك وأصلك وعرقك، ونحن بحاجة إلى أن يروا كيف أن الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته مناهضة للإنسانية كفكرة ومبدأ، فنحاول أن نعبر عن رفضنا له كبشر ومن حقنا أن نعيش كغيرنا من الناس.https://www.youtube.com/embed/yMp7-kaAHLo?rel=0

ما المصاعب التي تمر بها المبادرة؟

في أيام الحرب، كان فيسبوك يقيّد محتوانا ويمنع وصوله إلى الكثير من الناس، فضلًا عن أن التمويل لا يكون كافيًا في بعض الأحيان لتغطية الكتّاب لدينا، وتدريباتهم أو حضورهم إلى مكتب المبادرة وممارسة عملهم فيه.

من جهة أخرى، تتشكل لدينا مخاوف أحيانًا من أن تترجم منظمات صهيونية قصصنا وتستخدمها في قوالب مضللة، من خلال نسب أقوال لـ”لسنا أرقامًا” لم تقلها، وذلك في إطار البروباغاندا الإسرائيلية، إضافة إلى أن بعض وسائل الإعلام الغربية تقتطع جزءًا من القصة لتستفيد منه، ويبدأ اللوبي الصهيوني بدوره في استغلاله ضدنا.

بما أننا نتحدث عن المصاعب، هل حاول الاحتلال التضييق عليكم بطريقة أو بأخرى؟

المصاعب دائمًا موجودة في إطار العمل الحقوقي أيًا كانت السياقات، وخصوصًا في سياق القضية الفلسطينية التي تمتد لأكثر من 70 سنة من التلاعب في حقائق وتاريخ القضية، وبإطار عمل لسنا أرقامًا، أغلب المصاعب التي واجهناها مع جهات صهيونية كانت تتعلق بمحاولة جرّنا لفخ التطبيع، الذي بدوره سيساهم في التشكيك بالقضايا والقصص الإنسانية التي نكتب عنها، وبالتأكيد لتبييض الاحتلال بشكل أو بآخر من خلال ادعائهم مساعدة المبادرة، ليظهروا أمام العالم بشكل ديمقراطي ومحافظ على الحقوق الفلسطينية بينما الواقع مخالف تمامًا.

من وجهة نظركم، ما المخاطر التي تحيط بالرواية الفلسطينية؟

الرواية الفلسطينية خضعت لإعادة كتابة من قبل حتى حصول النكبة الفلسطينية، ابتداءً بمرحلة ما بعد الهولوكوست وضرورة حل أزمة معاداة السامية التي أرّقت العالم لسنوات طويلة، واستمرت عملية تغيير الحقوق التاريخية منذ حينها حتى وصلت لإعادة تعريف أو تطويع من يطلق عليه “مواطن”، فلم يعد مستغربًا أن يبرر الاحتلال قتله للأطفال والنساء والشيوخ أمام العالم.

القلق الدائم فيما يتعلق بالرواية الفلسطينية هو الواقع المؤسف في ألا تُسمع قصصنا إلا عندما يموت فلسطينيون بأعداد كبيرة حتى بالنسبة لوسائل الإعلام المؤيدة للحقوق الفلسطينية، إذ لا تُروى أخبار الفلسطينيين إلا عندما يموتون، كما أننا في هذه الساحة، أي قطاع الإعلام الغربي، نواجه آلة إعلامية مدعومة بملايين الدولارات.

في الحديث عن هذه المخاطر، كيف ترون أنفسكم مساهمين في حفظ الرواية الفلسطينية؟

إذا علمنا أن عدد الفلسطينيين في قطاع غزة مليونا نسمة، فإن لكل شخص منهم قصص حدثت معه ومع والديه أو جده، توثق شيئًا من وجوده على هذه الأرض وحقه فيها، وعندما يتكلم عن وجوده في هذه الأرض، فهو يثبت أنه ليس فقط رقمًا يسكن الأرض بل قصة متجذرة فيها وله أجداده وبيته وتقاليده وعاداته.

ونحن عندما نكتب وننشر نحكي في القصص عن عاداتنا وعن خلفيتنا الثقافية والاجتماعية، ونحن بذلك نؤكد انتماءنا لهذه الأرض، وقضيتنا التاريخية لا تروى فقط في كتب التاريخ أو الأخبار أو الجرائد من أناس غير فلسطينيين، بل نحن الفلسطينيين أنفسنا نكتب قصصنا كي نُسمع العالم عن وجودنا وتاريخنا وتجذرنا العميق في هذه الأرض، وعن المحصول الذي نزرعه فيها ونحصده ونسترزق منه ونتفيأ تحت ظلاله، هذه روايتي أنا كفلسطيني التي أكتبها وأنا الشاهد على كل شيء يحدث.

كيف تواجهون رواية الاحتلال وتضليله في المحافل الدولية؟ 

لا تدخل “لسنا أرقامًا” في مواجهة مباشرة مع الاحتلال، لكننا عندما نكتب روايتنا نكتب عن انتهاكات الاحتلال ومجازره، مثلًا يحاول الاحتلال الحديث عن الصاروخ التحذيري الذي يطلقه كي ينذر الناس ليغادروا المكان خوفًا من وقوع إصابات، لكن الحقيقة أن هذه كذبة إسرائيلية وهذه الصواريخ تقتل الفلسطينيين، وللرد عليها كتبنا قصة من القصص بأن أحد هذه الصواريخ قتل طفلتين في أثناء سقوطه على أحد المباني من خلال تناثر الشظايا.

كما أننا نحاول قدر ما تسنح لنا الفرصة، أن نخرج في القنوات والبودكاست والجرائد ونفند من خلال القصص الكثير من الأكاذيب التي يروجها الاحتلال، فعندما يقرأ أحد هذه القصص ويسمعها من لسان إنسان تحت المعاناة دون خلفية سياسية يرى كم كانت رواية الاحتلال مضللة.

ما طموحاتكم المستقبلية؟

نطمح لانضمام كتاب من أكثر من مكان في الأراضي الفلسطينية والعربية والشتات، وأن يصبح لنا امتداد واسع يعزز من صوتنا ويُسهل وصول الناس إلينا، ونتمنى أن نبقى مستمرين في هذا المشروع لأننا نعتمد على تمويل الموقع الذي ننشر عليه، وطموحنا الأساسي بأن نستمر ونكبر أكثر.