1

رئيس السلطة القضائية العراقية: لتعديل فقرات غير خلافية بالدستور

دعوات لمناقشة مواده واعتراضات على المحكمة الاتحادية أن تكون بديلة للبرلمان

صباح ناهي باحث وكاتب عراقي  الخميس 17 فبراير 2022 5:15

قال القاضي فائق زيدان “إن دستور سنة 2005 تمت صياغته في ظروف تختلف في حينه عن الظروف الحالية، ومعظم من اشترك في إخراجه بالشكل النافذ حالياً هم في مقدّم الداعين إلى تعديله الآن” (أ ف ب)https://c5edab91f9370d06e278125cda018445.safeframe.googlesyndication.com/safeframe/1-0-38/html/container.html

أحدثت دعوة القاضي فائق زيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق، وهي الرئاسة الرابعة في البلاد، ضجة كبيرة لفتح ملف الدستور الدائم الذي أنجز العام 2005 بظروف استثنائية، إبان حقبة الاحتلال، بعيد العام 2003، الذي كان وراء صياغة الدستور الدائم للعراق والتصويت عليه، لكنه عجّل  باندلاع الحرب الأهلية الطائفية الضروس في العام الذي تلاه، 2006، نتيجة الاعتراضات والرفض الذي أبداه سنّة العراق الذين رفضوا ذلك الدستور الذي انبثق بتوافق شيعي – كردي وتمثيل سني محدود للحزب الإسلامي واجهة “الإخوان المسلمين” في العراق.

ضرورة التعديل

وفي مستهل دعوته لتعديل الدستور، أكد رئيس السلطة القضائية على أهمية الدستور بقوله، “إنه القانون الأسمى في الدولة الذي يتم من خلاله تحديد شكل الدولة وحكومتها ونظام حكمها وطبيعة السلطات واختصاصها والعلاقات في ما بينها وحدودها، إلى جانب تحديده حقوق المواطنين وضمان أداء هذه الحقوق لهم “، لكنه يعقّب بعد ذلك في رسالة عامة للرأي العام العراقي والبرلمان الحالي المنتخب، عن ظروف كتابته، ويدعوه لتقبل فكرة تعديل الدستور جراء الإشكاليات التي خلّفها وأهمها الفراغ الدستوري جراء فقراته المتداخلة، “إن دستور سنة 2005 تمت صياغته في ظروف تختلف في حينه عن الظروف الحالية، ومعظم من اشترك في إخراجه بالشكل النافذ حالياً هم في مقدّم الداعين إلى تعديله الآن لظروف ومستجدات الواقع السياسي الذي وصل إلى مرحلة خرق الدستور في أكثر من مناسبة بسبب النصوص الدستورية التي لم تعد مناسبة للمرحلة الحالية، ولعل أكثر النصوص الدستورية التي تبرز الحاجة إلى تعديلها هي المواد التي تسببت أحكامها في تعثر تشكيل السلطات، ومنها تلك التي تشترط موافقة أغلبية ثلثي العدد الكلي لأعضاء مجلس النواب”.

عقدة الثلثين المعرقلة

وهذه الأغلبية التي يتحكم بها الثلثان، تفترض حضور ثلثي العدد الكلي لأعضاء مجلس النواب كخطوة أولى باعتبارها النصاب الواجب لافتتاح جلسة مجلس النواب، ثم يصار إلى التصويت للحصول على موافقة هذا العدد نفسه من أعضاء المجلس كما هي الحال على سبيل المثال في المادة (52) التي نصت على أن يبت مجلس النواب في صحة عضوية أعضائه بأغلبية ثلثي أعضائه والمادة (65) التي اشترطت سنّ قانون مجلس الاتحاد بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب، كذلك ما نصت عليه المادة 70 بأن ينتخب مجلس النواب من بين المرشحين رئيساً للجمهورية بأغلبية ثلثي عدد أعضائه، والمادة (92) التي تشترط سنّ قانون المحكمة الاتحادية العليا بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب، حتى شكّل شرط (الثلثين) في مجمل قرارات المجلس النيابي عقدة وشرطاً معرقلاً لقراراته أدخل البلاد في سلسلة أزمات سياسية ودستورية، وأفشل بناء تشكيلات أقرها الدستور منذ العام 2005 قبل 17 عاماً، وهو لم يتمكن من إقرارها كتشريع قانون (المحكمة الاتحادية العليا)، وكذلك الفراغ الدستوري الذي أحدثه ما يسمى بـ “الثلث المعطل”، والبالغ 110 ونائباً، وهو ثلث البرلمان المعطل والمؤلف من العدد الكلي البالغ 329 نائباً، والاشكالية الكبرى أن هذا الوضع يحول دون انتخاب رئيس الجمهورية حالياً الذي ينص الدستور قيامه بتكليف الكتلة الأكبر الفائزة في الانتخابات العامة، لتشكيل الحكومة واختيار رئيس الحكومة الذي يتولى القيادة العامة للقوات المسلحة ويرأس مجلس الوزراء الاتحادي.

أزمة سياسية ولجوء متكرر للمحكمة العليا

يقول رئيس مجلس القاضي فائق زيدان إن هذا الوضع “تسبب في الأزمة السياسية التي يشهدها العراق حالياً إذ تعذر على مجلس النواب عقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، ما لم يتحقق نصاب ثلثي العدد الكلي لعدد أعضاء المجلس ثم الانتقال للتصويت على المرشحين المتنافسين على هذا المنصب كخطوة أولى بوجوب حصول الفائز على أغلبية ثلثي العدد الكلي لأعضاء مجلس النواب، فإذا لم يحصل أي من المرشحين على هذه الأغلبية يتم التنافس بين المرشحين الحاصلين على أعلى الأصوات، وهذه هي الخطوة الثانية على وفق أحكام المادة 70 من الدستور)، إن هذا الشرط الدستوري الذي وضعه المشرّع في العام 2005 أضحى قيداً ضاغطاً على العمل السياسي والبرلماني في العراق حتى بات الرجوع للمحكمة الاتحادية أمراً يومياً للاستعلام حول القضايا الاشكالية وأخذ القرارات منها التي تسيرّ عمل مجلس النواب، وتتحكم بسلوك النواب المنتخبين من الشعب، ما ولّد  تذمراً من عدد كبير من السياسيين الذين باتوا يعملون تحت قيود المحكمة الاتحادية العليا، الملزمة للسلطات كافة.

اقرأ المزيد

ويرى الكاتب مازن صاحب الشمري أن ذلك الخلل يعود الى الدستور، “فلو كتب الدستور بصياغة وفق فقه قانوني واضح، لما احتاج إلى كثرة السؤال”، فقد كتب لضرورات سياسية من قبل سياسيين يشعرون بنشوة الانتقام والانتصار على النظام الذي أسقطه الأميركيون عام 2003، ويقول الكاتب حسين حامد إن “الخطورة التي يمر بها النظام السياسي في العراق حالياً تكمن في إشراك القضاء في الصراعات ذات الطابع السياسي، وهذا سببه ضعف مجلس النواب وعدم قدرته على الفصل في القضايا الخلافية وإيجاد حل لها، لذلك نلاحظ اللجوء في ابسط الخلافات إلى المحكمة الاتحادية”.

الأزمة الأكبر في خلل العمل السياسي

ويرى بعض المراقبين أن الازمة الكبرى في العراق تكمن في العملية السياسية برمتها، كما يقول الكاتب سعيد موسى، “نتيجة أن النظام السياسي في العراق فيه خلل، وفصل السلطات أشبه بنكته سمجة، فهناك تمدد بين السلطات كما هو واضح في تمدد السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية، فمن الذي يراقب السلطة التشريعية؟ فالسلطة التشريعية تمثل الشعب وليس تفويضاً، أي أن في بعض المفاصل لا بدّ من الرجوع للشعب، لكن السلطة التشريعية ناقصة غير مكتملة لأن غرفة مجلس الاتحاد مغلقة والمجلس مغيب”.

ووصف يحيى الكبيسي، وهو مختص بالفقه الدستوري، ما صدر عن المحكمة الاتحادية حول إقصاء مرشح الرئاسة هوشيار زيباري بـ “أن قرارات المحكمة الاتحادية كأنها تريد أن تقول إنها فوق الدستور، وقراراتها أقرب إلى قرارات (مصلحة تشخيص النظام) في إيران، وهذا يعني أن هناك جهة فوق القانون وفوق الدستور”.

وبسبب قيد الثلث المعطل، وبعد انقضاء المدة الدستورية البالغة 30 يوماً من تاريخ أول انعقاد لمجلس النواب في الـ 19 من الشهر الماضي، التي حددتها المادة الثانية والسبعون من الدستور، دخل العراق في دوامة استمرار رئيس الجمهورية الحالي برهم صالح من عدمه، وفي العودة للمحكمة الاتحادية، فإنها أجازت استمراره في أداء مهامه لحين انتخاب رئيس من دون اللجوء للبرلمان، وثمة إشكالية كبرى في الدستور تكمن في المادة السادسة والسبعين التي نصت على أن يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة الأكبر النيابية الأكثر عدداً، بتشكيل الحكومة، لكن الكتلة الأكبر الأكثر عدداً من مقاعد مجلس النواب، لا تكلف من قبل رئيس الجمهورية لمرشح الكتلة النيابية في الجلسة الأولى لمجلس النواب، لكن المحكمة الاتحادية الحالية اجتهدت وذهبت إلى عدم اشتراط تكوين أو تشكيل الكتلة النيابية الأكثر عدداً في الجلسة الأولى، وإنما أجازت ذلك لأية جلسة لمجلس النواب.

الكرة في ملعب مجلس النواب

ويرى رئيس السلطة القضائية العليا في البلاد القاضي فائق زيدان أن “مجلس النواب أمام مسؤولية تاريخية، وواجب وطني يتمثل بضرورة العمل على تعديل المواد الدستورية المتقدم ذكرها، لا سيما وأنها مواد ليست خلافية، وإنما قابلة لإعادة الصياغة بشكل يضمن عدم دخول البلد في حالة خرق أو فراغ دستوري مستقبلاً باعتماد المبدأ الوارد في المادة التاسعة والخمسين من الدستور، بأن يتحقق نصاب انعقاد جلسات مجلس النواب بحضور الأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، وتتخذ القرارات بالأغلبية البسيطة بعد تحقق النصاب، وسريان هذا المبدأ بشكل عام من دون النص على (أغلبية ثلثي عدد أعضاء المجلس) أينما وردت في الدستور “.

وعلى الرغم من وجاهة المقترح الذي قدمه رئيس مجلس القضاء الأعلى لتعديل الدستور، فإن ذلك يبدو مستحيلاً حالياً، مع دعوات تشكيل حكومة الأغلبية الوطنية وعدم التوافق الشيعي – الشيعي من جهة، والانقسام الكردي بين الحزبين الرئيسين “البارتي” و”اليكتي”، والانقسام السني بين معارض وموال لحكومة الأغلبية الوطنية، وثمة من يرى ضرورة عدم زحزحة حجر الدستور الذي قٌدّ على نار حامية بوجود الحاكم المدني الأميركي، وجيش الولايات المتحدة حينها، الذي كان يحمي المنطقة الخضراء، مقر السلطات الثلاث، ويسيطر على العراق بـ 200 ألف جندي “مارينز”، ومئات الطائرات المحلقة فوق أجواء العراق العام 2005، وكما ترى ميسون الدملوجي، وهي عضو برلمان سابقة، ورئيسة لجنة الثقافة فيه، والتي حذرت من محاولة تعديل الدستور بقولها، “خوفي أن يتعدل الدستور إلى ما هو أسوأ، لنترحم على هذا الدستور”.

التعليقات معطلة.