1

لماذا تخوض روسيا الحرب مجدداً؟

الاثنين – 27 رجب 1443 هـ – 28 فبراير 2022 مـ رقم العدد [15798]

كريس ميلرخدمة «نيويورك تايمز»

لا يوجد زعيم عالمي اليوم يتمتع بسجل أفضل فيما يتصل باستخدام القوة العسكرية مقارنةً بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وسواء ضد جورجيا عام 2008، أو أوكرانيا عام 2014، أو في سوريا منذ 2015، فقد حوّل الجيش الروسي مراراً وتكراراً النجاح في ساحة المعركة إلى انتصارات سياسية. لم تكن إعادة تسليح روسيا خلال العقد ونصف العقد الماضيين متناسبة مع زيادة مماثلة في القدرات الغربية. وليس من المستغرب أن تشعر روسيا بالجرأة لاستخدام قوتها العسكرية بينما يقف الغرب موقف المتفرج.
حروب روسيا الثلاث الماضية هي أمثلة بارزة على كيفية استخدام القوة العسكرية بطرق محدودة لبلوغ المقاصد السياسية. استمر غزو جورجيا في عام 2008 خمسة أيام فقط، لكنه أجبر الدولة على تقديم تنازلات سياسية مهينة. وفي أوكرانيا عام 2014، نُشرت الوحدات العسكرية النظامية الروسية على نطاق واسع لبضعة أسابيع، وثبت أنه تصرف كافٍ لإرغام كييف على التوقيع على اتفاق سلام مؤلم. عندما تدخلت روسيا في سوريا عام 2015، توقع بعض المحللين الغربيين وقوع كارثة على غرار الغزو السوفياتي لأفغانستان، الذي بدأ في 1979 وانتهى بعد عشرية موجعة في مستنقع آسن إلى الانسحاب المهين. بدلاً من ذلك، كانت الحرب الأهلية السورية بمثابة ساحة اختبار لأكثر الأسلحة الروسية تطوراً.
على مدى العقد الماضي، اعتقد الأميركيون أن قوة روسيا تكمن في تكتيكات هجينة، مثل الحرب السيبرانية، والحملات الإعلامية المضللة، والعمليات السرية، وقدرتها على التدخل في السياسات الداخلية للدول الأخرى. لكن بينما كنا نبحث عن الأشباح الروسية وراء كل تدوينة مضللة على «فيسبوك»، نجحت القيادة الروسية في استبدال بالجيش غير المجهز الذي ورثته عن الاتحاد السوفياتي قوة قتالية حديثة تستعين بكل شيء من الصواريخ الجديدة إلى أنظمة الحرب الإلكترونية المتقدمة. واليوم، فإن التهديد على أمن أوروبا ليس حرباً هجينة، بل قوة صارمة، ظاهرة في صواريخ «كروز» القوية التي ضربت مختلف أنحاء أوكرانيا.
يقول جيك سوليفان، مستشار الرئيس بايدن للأمن القومي، مؤخراً: «نحن نملك 50% زيادة على الناتج المحلي الإجمالي العالمي»، مقارناً ذلك بحصة روسيا غير المبهرة والبالغة 3% فقط من الناتج الاقتصادي العالمي. غير أن الاقتصادات لا تخوض الحروب، لكن الجيوش تخوضها. لقد اختُبرت قوة أميركا الاقتصادية عندما هدد بايدن بفرض عقوبات صارمة إذا أقدمت روسيا على غزو أوكرانيا، ولقد فعل بوتين ذلك على أي حال، مراهناً بأن القوة الصارمة سوف تكون المسيطرة.
ما من شك أن الجيش الأميركي يملك جنوداً أفضل تدريباً وأنظمةً أكثر قدرةً في مجملها. غير أن ما يهم ليست المقاربات العسكرية النظرية وإنما القدرة على استخدام القوة لتحقيق أهداف محددة. لقد طوّرت روسيا على وجه التحديد القدرات اللازمة لإعادة بناء نفوذها في أوروبا الشرقية. وفي الوقت نفسه، رأت الولايات المتحدة أن حيز المناورة المتاح لها في المنطقة يتقلص بشكل مطرد، وتحيط بها أنظمة روسية مضادة للطائرات وتهديدات الحرب السيبرانية والإلكترونية.
إن ترك التوازن العسكري في أوروبا يتحول لصالح روسيا كان خياراً. والواقع أن الولايات المتحدة تتحمل جزءاً من اللوم عن هذا. وحتى بعد هجمات روسيا الأولى على أوكرانيا في 2014، كانت التعزيزات الأميركية في القارة كافية فقط لإبطاء وتيرة التحسن في الوضع الروسي. لقد تولت إدارة بايدن مسؤولية خفض الإنفاق العسكري بمجرد النظر في مسألة التضخم. قد تبدو ميزانية الدفاع الأميركية البالغة 700 مليار دولار تقريباً مثيرة للإعجاب، لكنّ روسيا لديها ميزة تتمثل في دفع مبالغ أقل لرواتب الجند والمعدات تُنتج محلياً. وللتكيف مع هذه الاختلافات، نمت ميزانية الدفاع الروسية بسرعة أكبر بكثير من ميزانية الدفاع الأميركية على مدى العقدين الماضيين. وهناك المزيد الذي يتعين على الحلفاء الأوروبيين أن يتحملوا المسؤولية عنه، والإفاقة من وهم أن السلام حق مكتسب. لقد كانوا يملكون قوة قتالية كبيرة، وقد حان الوقت لإعادة بناء هذه القدرات.
ربما يكون بوتين قد تخطى حدوداً كثيرة بمحاولة ابتلاع أوكرانيا بالكامل. إذ إن احتلال أوكرانيا لمدة طويلة من شأنه تعظيم القدرات الروسية، لا سيما أن مزاياها العسكرية سوف تكون أقل أهمية مع تحول الصراع إلى المدن الأوكرانية المكتظة بالسكان. ومع ذلك، لا ينبغي أن نفترض ببساطة أن أوكرانيا سوف تتحول «لأفغانستان أو عراق بوتين»، نظراً لأن قادة آخرين قد ارتكبوا أخطاءهم بأنفسهم. كان بوسع بوتين ببساطة اختيار تدمير أوكرانيا ويترك الغرب يتعامل مع التداعيات. لكنّ الواقع أن أوكرانيا المفككة والمختلة قد تتناسب تماماً مع المصالح الروسية. لقد خضعت الحروب الأخيرة التي خاضتها روسيا لحسابات دقيقة بعناية بالغة وتكاليف محدودة للغاية. ولا يوجد ضمان لأن هذا الصراع الراهن لن يكون كذلك.
كانت استراتيجية الولايات المتحدة في نشر المعلومات الاستخباراتية العامة حول التعزيزات العسكرية الروسية في جميع أنحاء أوكرانيا خطوة ذكية، لكنّ بوتين تمكن من كشف محاولة الخداع. كان من الشائع في الماضي السخرية من الرئيس الروسي بسبب نظرته إلى العالم الراهن كما لو أنه في القرن الـ19، لكن استخدامه القوة العسكرية لتعزيز نفوذ روسيا نجح أيضاً في القرن الـ21. إن افتراض الغرب أن قوس التاريخ ينحني في اتجاهه بشكل طبيعي يبدو ساذجاً. وينسحب نفس القول على القرار بالسماح للميزة العسكرية بالانفلات. صحيح أن القوة الناعمة والنفوذ الاقتصادي يشكّلان قدرات جيدة لاكتسابها، ولكنها لا تستطيع وقف المدرعات الروسية في طريقها إلى كييف.

التعليقات معطلة.