المضامين القانونية لتحرير العراق من إجراءات الفصل السابع في ملف التعويضات
28 فبراير ,2022: 10:08 م GSTآخر تحديث: 01 مارس ,2022: 06:27 ص GST
اعتمد مجلس الأمن الدولي بالإجماع القرار 2621 (2022) في يوم الثلاثاء الموافق 22 شباط 2022، لإنهاء ولاية لجنة الأمم المتحدة للتعويضات (UNCC)، والاعتراف بالإيفاء الكامل للعراق لالتزاماته الدولية التي استندت إلى إجراءات الفصل السابع، والتي أقرتها الفقرة (2/ب) من القرار 686 (1991)، والفقرتين 16 و18 من القرار 687 (1991).
وما أثاره هذا القرار في الأوساط القانونية من جدل، أظهر مسألتين مهمتين، الأولى: عدم وضوح إجراءات الأمم المتحدة ومجلس الأمن تحديداً في التعامل مع القرارات والصياغات لمضامينها، وآليات التنفيذ، والثانية: قد توظف هذه المسألة لأجندات سياسية من قبل الكثيرين في تفسيراتهم لمضمون القرار.
وفي هذا الخصوص نشير وبدقة، إن تفسير مضامين قرارات مجلس الأمن يجب أن تكون في سياقات ومحددات عمل مجلس الأمن في الصياغة والكيفية في معالجة المسألة التي كانت تخضع قيد نظره الفعلي، وهو أسلوب وصياغات يسعى أعضاء مجلس الأمن وخصوصاً الدول دائمة العضوية إلى الحفاظ عليه.
وفيما يتعلق بالقرار 2621 (2022)، نشير إلى أن الأهمية التاريخية لهذا القرار لا تكمن في صدوره ومضامينه فقط، بل في قيمة التحول الحقيقي الذي حققته السياسة الخارجية العراقية لعقدين من الزمن منذ عام 2003، والقدرة على الإيفاء بجميع الالتزامات ضمن وتيرة متواصلة رغم التحديات الكبيرة والظروف الصعبة التي مر بها العراق، ودور الدبلوماسية العراقية في خلق بيئة دولية داعمة للعراق وملبية لتطلعاته رغم الإشكالات الكبيرة التي خلفها النظام السابق مع المحيط الإقليمي والدولي.
الخلفية القانونية
على أثر أحداث الكويت في 2 أب 1990، أصدر مجلس الأمن الدولي سلسلة من القرارات ضد العراق تحت البند الحالة بين العراق والكويت، حيث صدر القرار 660 (1990) أول هذه القرارات التي يصدرها المجلس بالتصرف بموجب الفصل السابع، وأهم ما جاء في القرار: “تقرير وجود خرق للأمن والسلم الدوليين، وأن مجلس الأمن يتصرف بموجب المواد (39 و40) من ميثاق الأمم المتحدة، ولم يتضمن أية جزاءات”.
بعدها صدر القرار 661 الذي فرض عددا من إجراءات الجزاءات تبعته قرارات أخرى، وتضمن: (منع استيراد السلع التي مصدرها العراق أو الكويت، منع تصدير السلع والمعدات إلى العراق، منع تقديم المحرز المالية والاقتصادية لحكومة العراق، تشكيل لجنة مهمتها النظر في تقارير الأمين العام حول التقدم المحرز في تنفيذ القرار، الطلب من جميع الدول الأعضاء تقديم تقارير حول تنفيذها للقرار).
بعد ذلك صدر القرار 686 (1991) الذي أسس لمسؤولية العراق بموجب القانون الدولي عن أية خسارة أو ضرر أو أضرار ناجمة عن أحداث عام 1990، ويمكن اعتبار هذا القرار هو من أهم القرارات، حيث إنه أسس لفكرة التعويض من خلال تحديد مسؤولية العراق عن أية خسائر، والقرارات اللاحقة أسست لآلية التعويض من خلال لجنة التعويضات. فضلاً عن القرار 687 (1991) الذي مثل انعطافة كبيرة في مجموعة القرارات والإجراءات المتخذة من قبل مجلس الأمن تجاه العرق، الذي تضمن مجموعة من الجزاءات، وإلزام العراق بدفع التعويضات من خلال وضع آليات محددة لإنجاز التعويضات.
وفي ضوء ذلك، تصنف قرارات مجلس الأمن بخصوص العراق (1990- 2003) إلى:
1. قرارات تلزم العراق بإنهاء احتلال الكويت وسحب قواته.
2. قرارات تتعلق بواقع ما بعد الحرب من حيث القرارات التي يجري تطبيقها، وهي على نوعين:
– القرارات التي تنظم الحالة بين العراق والكويت.
– القرارات التي تتعلق بالعراق وكيفية تنظيم الوضع الإنساني للسكان المدنيين فيه.
إلا أن تصنيف القرارات وفق ما أوردناه أعلاه، يعطي صورة واضحة على مدى كثرة القرارات وتعقيدها، والصياغات المتشابكة التي تناولت عدة مواضيع تجاه العراق.
المفاهيم والصياغات القانونية لمجلس الأمن
إن ميثاق الأمم المتحدة هو في الأساس معاهدة دولية تمت صياغة أحكامها من قبل ممثلين لإحدى وخمسين دولة، من بينها العراق. ويتكون الميثاق من (111) مادة، تُنتظم في (19) فصلاً، وبالرغم من أن الميثاق لا يفرق بين مادة وأخرى، أو فصل وآخر، من حيث الأهمية، إلا أن الفصول (الخامس، السادس، والسابع) التي تتحدث عن مجلس الأمن واختصاصاته في حفظ السلم والأمن الدوليين، هي أهم أحكام الميثاق، والأكثر أهمية منها هو أحكام الفصل السابع الذي يضم المواد (39-51) من الميثاق، والذي يحمل عنوان (فيما يُتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان). وتنبع أهمية هذه المـواد من حيث إنها تتضمن جميعـــــاً صفة الإقسار أو الزجر، أي إمكانية إجبار الدولة أو الدول المخاطبة بأحكام القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن استناداً إلى هذه الأحكام على تنفيذها ولو قسراً. بمعنى أدق فإن أهمية وخطورة مواد وفصول الميثاق تنبع من القيمة القانونية لفحوى المواد المدرجة في الميثاق وسقف الإجراءات التي تخول الأمم المتحدة اتخاذها، فأهمية المواد تستند إلى حجم الصلاحيات التي يخولها الميثاق لمجلس الأمن الدولي في مواجهة الحالة.
ومن الضروري الإشارة إلى أن اللجوء إلى تطبيق أحكام الفصل السابع من الميثاق ليس هو القاعدة، وإنما هو الاستثناء من قاعدة عدم جواز استخدام القوة في العلاقات الدولية.
وإذا صدر القرار عن مجلس الأمن ضمن الشروط الشكلية والموضوعية المطلوبة فإنه يجب النص في ديباجته، على أن مجلس الأمن قد اتخذهُ استناداً للفصل السابع من الميثاق، ومثل هذا النص يتولد عنه أمران، الأول: إلزامية القرار بالنسبة للدولة المخاطبة بأحكامه. والثاني: إمكانية فرض عقوبات أو القيام بعمل عسكري ضد الدولة المذكورة.
وفي ضوء ما تقدم من إيضاحات، نشير إلى إن مفهوم “الخروج من الفصل السابع” هو تعبير غير دقيق وغير قانوني وهو أقرب إلى مفهوم إعلامي أو سياسي يتم تداوله، ولكن من الناحية القانونية لا يوجد هكذا مصطلح، المعنى القانوني الدقيق هو وصف التدابير التي يتم اتخاذها من قبل مجلس الأمن استناداً إلى الفصل السابع “وخضوع دولة ما إلى إجراءات قسرية وزجرية استناداً إلى الفقرات الواردة في الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وعند الانتهاء من هذه الإجراءات بحق الدولة، نشير إلى العبارة القانونية الدقيقة: “إنهاء الإجراءات والتدابير المتخذة من قبل مجلس الأمن المستندة إلى الفصل السابع من الميثاق” عندما يقرر مجلس الأمن إن إجراءاته تم استيفاؤها وحققت المطلوب منها.
وفي هذا الإطار نشير كذلك، إلى أن الوصف القانوني الدقيق لإنهاء “ملف التعويضات” بحق العراق هو “إنهاء الإجراءات والتدابير التي اتخذها مجلس الأمن، استناداً إلى إجراءات الفصل السابع تجاه العراق فيما يتعلق بملف التعويضات”.
ومن المهم إيضاح فقرة معينة، وهي: أن اتخاذ مجلس الأمن إجراءات قسرية وزجرية استناداً إلى إجراءات الفصل السابع ضد دولة ما، بالمقابل قد تكون تلك الإجراءات لصالح المجتمع الدولي أو لصالح دولة ما، وبالتالي فإن الدولتين تخضعان لإجراءات الفصل السابع، والفرق هنا أن الإجراءات هي ضد دولة ولصالح دولة أخرى. ففي حالة التعويضات فإن العراق والكويت يخضعان لإجراءات الفصل السابع، ولكن العراق يقوم بتنفيذ هذه الإجراءات لصالح الكويت. فالمعيار الأساس في هذه الحالة هو فعل الانتهاك الذي قامت به الدولة والذي على ضوئه حدد مجلس الأمن، إن هذه المسألة تشكل تهديداً يندرج تحت تدابير الفصل السابع.
وعندما يتخذ مجلس الأمن إجراءات بموجب إجراءات الفصل السابع، فإنه يتوقع أن يكون هنالك مجموعة من الإجراءات القسرية أو الزجرية التي يجب القيام بها وفق الآليات التي يكون قد حددها المجلس مسبقاً، لذلك فإن القرارات التي تتصرف بموجب هذا الفصل يكون لها شكلية معينة، فإن إشارة قرارات مجلس الأمن إلى عبارة “إذ يتصرف بموجب الفصل السابع..”، هي لا تعني بالضرورة في كل الأحوال إبقاء الحالة تحت إجراءات هذا الفصل، وذلك لأن إنهاء إجراءات مجلس الأمن المستندة إلى الفصل السابع من الميثاق يكون إنهاؤها بموجب إجراءات ذات الفصل، فليس من المنطق القانوني أن يتم أخذ إجراءات في إطار الفصل السابع، وهو الفصل الأشد الذي يخول المجتمع الدولي استخدام قوة الزجر والقسر بحق الدول، ومن ثم الانتهاء من إجراءاته دون الإشارة إليه، فهو بذلك يستخدم ذات القوة في إنهاء إجراءاته التي اتخذها بنفس الآلية.
وقد سلك مجلس الأمن هذا المسلك، إذ إنه تصرف سابقاً بموجب إجراءات وتدابير الفصل السابع في إطار إنهاء تدابيره الزجرية والقسرية المتخذة تحت ذات الفصل وأحالها إلى النظر بها بموجب إجراءات الفصل السادس، وذلك في القرار 2107 (2013).
وفي حالة يصل مجلس الأمن إلى قناعة بأنه لا يتوقع عرض أية إجراءات مستقبلية أمام أنظاره في المسألة المحددة، تتجه رغبة المجلس إلى إنهاء النظر بها، وعليه وفي هذه الحالة تحديداً فإن القرار لا يذكر الفقرة الذيلية (يبقي المجلس المسألة قيد نظره الفعلي) لأنه توصل إلى قناعة بأن الإجراءات تم الإيفاء بها وتم تحقيق الغاية منها، وبالتالي لا يتوقع المجلس أية إجراءات أخرى تُعرض أمامه في هذه المسألة. فالقرار إذا كان ينتظر إجراءات تُعرض أمامهُ مستقبلاً في حالة محددة، فسوف “يُقرر إبقاء المسألة قيد نظره الفعلي”، حتى تُعرض أمامهُ للنظر بها واتخاذ إجراءات إضافية، أو إذا رأى أن المسألة أصبحت تستحق أن يتم إحالتها إلى إجراءات فصل آخر من الميثاق، فيُشير بذلك صراحةً إلى إحالتها إلى إجراءات الفصل السادس، وإذا توفرت الرغبة عند أعضاء المجلس بأن المسألة تستدعي أن تبقى تحت نظره فسوف يشير صراحة إلى عبارة (يقرر أن يبقي المسألة قيد نظره الفعلي).
وفي قرار مجلس الأمن المتعلق بالتعويضات، تصرف القرار بموجب إجراءات وتدابير الفصل السابع لكي يُنهي كافة إجراءاته المتعلقة بالقرارات ذات الصلة والتي اتخذها استناداً للفصل السابع سابقاً، حيث قرر بموجب الفصل السابع، أن اللجنة قد أوفت بولايتها، وأن العراق قد أوفى بالتزاماته الدولية، والتأكيد على أن حكومة العراق لم تعد ملزمة بإيداع نسبة مئوية من عائدات مبيعات تصدير النفط والمنتجات البترولية والغاز الطبيعي في الصندوق. وكذلك يؤكد القرار أن عملية مطالبات اللجنة قد اكتملت الآن ونهائياً، وأنه لن يتم تقديم أي مطالبات أخرى إلى اللجنة. وإن مجلس الأمن قرر إنهاء ولاية المفوضية، وقرر مجلس الأمن كذلك إنهاء نظره في التعويضات من خلال لجنة التعويضات. هذه الصياغات لفقرات القرار هي إشارة واضحة ودقيقة في أن تعكس رغبة مجلس الأمن بإنهاء كافة تدابيره التي اتخذها استناداً إلى الفصل السابع فيما يتعلق بالتعويضات.
وقد حرصت البعثة العراقية على تضمين فقرة تشير إلى معالجة الفقرة (2/ب) من القرار 686 (1991)، التي ألزمت العراق “بمسؤوليته الدولية بموجب القانون الدولي عن أية خسائر أو أضرار ناجمة عن أحداث عام 1990″، كما أشرنا إليه سابقاً. وذلك من خلال الإشارة إلى “أن اللجنة قد أُنشئت من قبل مجلس الأمن وبموجبها يتم دفع التعويضات فيما يتعلق بالمسؤولية المحددة في الفقرة 2 (ب) من القرار 686 (1991). أي إن مجلس الأمن سلك هذا المسلك للتعويض وليس هنالك آلية جديدة يمكن أن ينظر بها مجلس الأمن مستقبلاً حول التعويضات.
وحرص المفاوض العراقي على عدم إدراج الفقرة الذيلية التي تشير إلى (إبقاء المسألة قيد نظره الفعلي)، وهذا تأكيد على أن مجلس الأمن قرر “وفق صياغاته المعتمدة”، أن الحالة قد استوفت كافة إجراءاته المتخذة تحت الفصل السابع، وأنه ليس هنالك إجراءات يَنظر بها المجلس مستقبلاً في ملف التعويضات. أي إن إدراج فقرة، “وإذ يتصرف بموجب الفصل السابع”، يجب أن تقترن بفقرة في نهاية القرار يشير فيها إلى “إبقاء المسألة قيد نظرة الفعلي”، حتى يُفهم من القرار أن مجلس الأمن يستمر بالنظر بهذه المسألة لأنه يعتقد بأن الإجراءات والتدابير التي اتخذها سابقاً لم تُستوف بعد.
وباعتماد مجلس الأمن القرار 2621 (2022)، يكون العراق قد أنهى كافة التزاماته المالية والإجرائية مع لجنة التعويضات، وبالتالي إنهاء كافة الإجراءات المتخذة من قبل مجلس الأمن استناداً إلى الفصل السابع فيما يتعلق بملف التعويضات.