1

توحيد «البيت السني» يربك معادلة {التوازن المكوناتي} في العراق

هل استثمرت أنقرة الفراغ الإيراني – الأميركي؟الثلاثاء – 28 رجب 1443 هـ – 01 مارس 2022 مـ رقم العدد [ 15799]بغداد: «الشرق الأوسط»

خلال بضعة شهور حرص الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على لقاء أبرز زعيمين سنيين (محمد الحلبوسي وخميس الخنجر) مرتين. وكلا المرتين كانتا بعد إجراء الانتخابات البرلمانية الأخيرة في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2021 لم يعاصر كل من الحلبوسي والخنجر فترة الزعامات السنية الكبيرة التي غادرت مشهد ما بعد 2003 أو توارت عنه لسبب أو لآخر.
لم يكن أي واحد من تلك القيادات السنية من الآباء المؤسسين لنظام ما بعد سقوط صدام حسين. كان آباء النظام المؤسسون هم من الشيعة والكرد فقط. وحتى عندما تشكل مجلس الحكم عانى هؤلاء الآباء المؤسسون في البحث عن قيادات سنية يمكن أن تكمل ديكور الحكم الجديد الذي أطلق عليه «مجلس الحكم» برعاية أميركية، وبزعامة مطلقة من الحاكم المدني الأميركي بول بريمر.
اقتضى بناء النظام الجديد أن يتأسس على قاعدة المكونات العرقية والمذهبية (الشيعة والسنة والكرد). وطبقا لهذه القاعدة فإن مجلس الحكم الذي تشكل من 25 عضوا كانت حصة الشيعة منهم 13 عضوا، من بينهم زعيم الحزب الشيوعي العراقي الذي صنف لأغراض المحاصصة بوصفه شيعيا. بدا الأمر أشبه بنكتة كان هو نفسه (حميد مجيد موسى) زعيم الحزب الشيوعي يومذاك يسخر مما بدا مفارقة.
كان لا بد من البحث عن 5 أعضاء سنة لكي يصبحوا أعضاء في مجلس الحكم مقابل 5 أعضاء كرد وعضو مسيحي. جيء بالأعضاء الخمسة من الحزب الإسلامي العراقي يومذاك وعبر زعيمه (محسن عبد الحميد) وآخرين كان من بينهم أيضا عدنان الباجه جي وغازي الياور ونصير الجادرجي وسمير الصميدعي.
كان من بين مهام الولايات المتحدة الأميركية حفظ التوازن ولو شكلا بين المكونات العراقية. لكن السيطرة الحقيقية على أرض الواقع مع هشاشته خلال السنوات الأولى من التغيير هي للكرد والشيعة الذين كانوا من أبرز المعارضين لنظام صدام حسين لعقود تزيد على الثلاثة. سرعان ما استأنفوا ما عدوه تحالفا تاريخيا بينهم، كانت أولى ثماره دستور عام 2005 الذي تم التصويت عليه بأغلبية شيعية كردية واضحة (نسبة 80 في المائة تقريبا) مقابل رفض سني شبه كامل له. فالنسبة المتبقية وهم 20 في المائة من غير المصوتين ينتمي أغلبهم إلى سكان المحافظات الغربية ذات الغالبية السنية (الأنبار وصلاح الدين ونينوى وديالى وكركوك)، فضلا عن الأحياء السنية في العاصمة بغداد.
خلال بضع سنوات بدأ التحالف (التاريخي) الشيعي – الكردي يتصدع على وقع الخلافات حول تطبيق مواد الدستور لا سيما المواد 140 الخاصة بكركوك والمناطق المتنازع عليها و111 الخاصة بالنفط والغاز، فضلًا عن أسلوب تقاسم السلطة وغيرها من الخلافات. في هذه الأثناء بدأت القيادات السنية التي برزت أدوارها في مرحلة ما بعد فترة التأسيس، مثل طارق الهاشمي ورافع العيساوي وإياد السامرائي، زعيم الحزب الإسلامي، وأسامة النجيفي، رئيس البرلمان الأسبق، وصالح المطلك تتراجع أدوارهم بصيغ مختلفة، كان أبرزها مطاردة الهاشمي الذي لا يزال خارج العراق محكوما عليه بالإعدام غيابيا ورافع العيساوي الذي يتابع الآن القضايا العالقة بشأنه، حيث يتنقل بين مراكز التحقيق والقضاء لإثبات براءته.
في عام 2013 انطلقت مظاهرات ضخمة في المحافظات الغربية من العراق استمرت نحو سنة قبل أن يجري قمعها من قبل السلطات آنذاك. ومع أن المتظاهرين قدموا مطالب بدت مشروعة، لكنها سرعان ما اتهمت بأن من يقف خلفها هو «تنظيم داعش». لم يكن قد برز اسم محمد الحلبوسي بعد، لكن برز إلى الواجهة اسم خميس الخنجر رجل أعمال، وأحد الشيوخ العشائريين في محافظة الأنبار. في عام 2014 أصبح الحلبوسي عضوا في البرلمان العراقي ورئيسا للجنة المالية في البرلمان. ثم خرج من البرلمان محافظا للأنبار. وفي عام 2018 عاد عضوا في البرلمان ثم أصبح رئيسا له وهو بعمر الـ37، لم يحجز مقعده كأصغر رئيس برلمان في العراق، بل حجزه بوصفه واحدا من أبرز اللاعبين في المعادلة السياسية في العراق. في هذه الأثناء كان الخنجر مغضوبا عليه شيعيا قبل أن يتغير المشهد بعد فترة ليست طويلة ليظهر في صورة بدت تاريخية في وقتها مع نوري المالكي وهادي العامري وعدد من أبرز قيادات الشيعة. بدت تلك الصورة بمثابة غسيل تاريخ قديم واستئناف تاريخ آخر. لم تكن العلاقة طيبة بين الحلبوسي الشاب المندفع وبين الخنجر رجل الأعمال بالغ الثراء. السبب في تردي العلاقة بينهما هو النفوذ على المحافظات الغربية.
بعد انتخابات 2021 تغير المشهد تماما مع تغير نتائج الانتخابات، وتغير أدوار اللاعبين الإقليميين والدوليين. وسرعان ما برز الزعيم الشيعي مقتدى الصدر رقما صعبا إن كان على مستوى الفوز بأعلى المقاعد أم على صعيد رؤيته في تشكيل الحكومة المقبلة دون تدخلات (غربية أو شرقية). بروز الصدر قسم البيت الشيعي إلى قسمين (التيار الصدري والإطار التنسيقي). فشلت إيران في توحيدهما برغم كل محاولاتها، الأمر الذي بدأ يثير المزيد من الشكوك حول جدية تراجع الدور الإيراني. الكرد الذين كانت مواقفهم موحدة حيال المركز أو بغداد فإن المنصب السيادي الأكبر لهم (رئاسة الجمهورية) فكك قوتهم بسبب تناحرهم عليه مما انتزع منهم دورهم القديم (بيضة القبان). وفيما لم يعد بينهم وبين الشيعة تحالف تاريخي بل حل محله الآن نوع من التناحر غير التاريخي حتى الآن بسبب خرق الحزب الكردي الأكبر من ناحية الفوز بالانتخابات (الديمقراطي الكردستاني) قاعدة ثبات البيوت المكوناتية التي بناها الآباء المؤسسون (الشيعة والكرد)، كان من شأن ذلك أن زاد من ضعف البيت الشيعي وفاقم الخلاف الكردي – الكردي.
سنيا لا شيء يبدو مخفيا. الصور تفصح عن نفسها. محمد الحلبوسي رئيس البرلمان الذي فاز بأغلبية ساحقة (200 صوت) يلتقي مع خصمه القديم وحليفه الجديد خميس الخنجر في أنقرة مع إردوغان. توحد البيت السني وتشكل (تحالف السيادة). بدا الأمر بالنسبة للشيعة مريبا لا سيما اللقاء الأخير الأسبوع الماضي، حيث ظهر في الصورة مدير المخابرات التركية فيدان حقان. اختلطت نظريات المؤامرة مع ما يمكن أن يخبئه المستقبل. فالخبراء السياسيون يرون أن تركيا استثمرت تراجع الأولويات الأميركية – الإيرانية فيما يتعلق بالملف العراقي، فتمكنت من ملء الفراغ عبر توحيد البيت السني، بينما كمية التصريحات التي أطلقتها العديد من القيادات الشيعية بعد الصورة الرباعية (خميس الخنجر ورجب طيب إردوغان ومحمد الحلبوسي وفيدان حقان)، وعكست مخاوف من أن الشيعة سوف يتحولون إلى أقلية في الحكومة القادمة. هذا يعني من وجهة نظر هذه القيادات أن الشيعة لن يتمكنوا من فرض أغلبيتهم التي كانوا عليها داخل البرلمان، فضلا عن أن تركيا سوف تتمدد نفوذا وقوة بتحالف سني كبير، وقد يلتحق به قسم من الكرد في مرحلة لاحقة.

التعليقات معطلة.