قيصر روسيا الجديد يصحح مسار الثورة البلشفية!
أميرة أبو الفتوح الأربعاء، 02 مارس 2022 12:52 م
تلاعب دب الكرملين العجوز بالعالم، وسخر هو وإعلامه من أمريكا وساستها ومخابراتها وإعلامها الذين يروجون لغزو روسيا لأوكرانيا، مُدعيا أنه فيلم هوليودي بامتياز، وأكد انه لن يغزو أوكرانيا وموّه أنه سيسحب جيشه من الحدود مع أوكرانيا، ولكنه راوغ وخدع وذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، واعترف باستقلال الإقليمين المنفصلين عن أوكرانيا، جمهوريتي “دونيتسك” و”لوغانسك”، وبين ليلة وضحاه إذا بالمناور يغزو أوكرانيا بغتة!
ووقف الغرب متفرجاً وهو يرى الدبابات تدخل الأراضي الأوكرانيا والطائرات المقاتلة في سمائها وقد حولتها للهيب نار مشتعل، والصواريخ تفذف بقنابلها وتحرق الأخضر واليابس، واكتفى بالإدانة والشجب، ولولا العقوبات الاقتصادية الهزيلة التي فرضها عليه الغرب لاختلط علينا الأمر واعتقدنا أن بيان الاتحاد الأوروبي صادر من جامعة الدول العربية، وأن من ألقاه هو أمينها العام “أحمد أبو الغيط”، وليست “أورسولا فون دير لاين”، رئيسة المفوضية الأوروبية!!
لولا العقوبات الاقتصادية الهزيلة التي فرضها عليه الغرب لاختلط علينا الأمر واعتقدنا أن بيان الاتحاد الأوروبي صادر من جامعة الدول العربية، وأن من ألقاه هو أمينها العام “أحمد أبو الغيط”، وليست “أورسولا فون دير لاين”، رئيسة المفوضية الأوروبية!!
ومن دواعي السخرية، ما قاله الرئيس الأمريكي “جون بايدن”، من أنه لن ينخرط في أي عمل عسكري في أوكرانيا ولكن إذا غزا بوتن البلاد المجاورة سيتدخل عسكرياً!!
لقد خذل الغرب حليفهم الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي”، الذي ألغي متابعة حسابات رؤساء العالم قائلاً: “تركونا لوحدنا نصارع الروس”..
نعم لقد صدّق الوعود الأمريكية بحماية بلده، فنام مطمئناً يلتحف بالغطاء الأمريكي، فإذا بكابوس يزلزل الأرض من تحت قدميه ويطير غطاؤه الأمريكي ويوقفه عارياً مرتعشاً. لقد أعجبني وصف لحالة أوكرانيا، “أنها نزلت إلى البئر بحبل أمريكا والغرب، وهربوا بعد ذلك برمي الحبل في البئر وبقيت أوكرانيا في البئر بمفردها”!!
لقد كتبت في مقالي السابق منذ أسبوعين، وقبل الغزو الروسي: “لو استسلم الغرب للابتزاز الروسي لتكون أوكرانيا هي الثمن هذه المرة؛ فستصبح المآلات في المستقبل أكثر سوءاً وأشد تعقيداً، فقد تضخم الدب العجوز “بوتين”، وازداد طمعاً وجشعاً من ميوعة الغرب وهذا ما سوف يشجعه على انتهاج نفس السيناريو مع بقية الدول القريبة جغرافياً من روسيا والتوغل فيها. فما أدراك بعد ذلك أن يتطور الأمر ويتقدم نحو رومانيا وبلغاريا وبولندا! هذه الدول تعيش حالياً في حالة رعب وخوف على مصيرها المجهول؛ إذا سقطت أوكرانيا في الفلك الروسي المُظلم، ولهذا يجب أن تتخذ أمريكا والغرب عامة موقفاً حازماً وحاسماً تجاه روسيا، وإلا فقدت مصداقيتها أمام حلفائها وصدقت مقولة “المتغطي بأمريكا عريان”. ويجب كبح جماح دب الكرملين العجوز، الذي يريد أن يعود بالساعة إلى الوراء”..
ولم تتخذ أمريكا للأسف موقفاً حازماً يردع هذا البلطجي الذي بدأ يهدد فنلندا والسويد بإجراءات عقابية، غالباً ستكون عسكرية، لمجرد أنهما أعربتا عن مخاوفهما بعد غزوه لأوكرانيا، وأنه تهديد لأمن أوروبا. لقد أشاع هذا البلطجي شعوراً بالخوف لدى المواطن الأوروبي، الذي بات خائفاً على حضارته وثقافته ونهضته العلمية والصناعية والرقمية التي بناها على مدار ثلاثة قرون، يخشى أن يعيده هذا المجنون إلى الوراء بهدم منظومته القيمية!
يحاول قيصر روسيا الجديد أن يستعطف شعبه ويستميله له بلغته العاطفية المؤثرة، حتى أنه كاد يبكي وهو يستعرض التاريخ وكيف كان تفكك الاتحاد السوفييتي يوماً أسود على البشرية، وما كان ينبغي لجمهوريات الاتحاد السوفييتي أن تستقل لولا تخاذل القيادة السوفيتية آنذاك
بوتين بالفعل أعاد الساعة إلى الوراء، وطرح كتابة جديدة من بنات أفكاره لتاريخ أوكرانيا، زاعماً أنها لم تكن يوماً دولة بالمعنى الحقيقي، وأن زعيم الثورة البلشفية ومؤسس الاتحاد السوفييتي “فلاديمير لينين”، تسبب في تقسيم البلاد عبر الهيكل الاتحادي الذي أسسه على أنقاض الإمبراطورية الروسية، كما تسبب بضياع أراض روسية تحولت إلى دول منفصلة مع مرور الوقت، وأنه أخطأ حينما منح الأوكرانيين استقلالاً داخل الاتحاد السوفييتي وتخلى عن أراضي روسيا يسكنها الشعب الروسي لأوكرانيا، وأن من استولى على السلطة فيها هم النازيون الجدد، الذين كان أجدادهم وأباؤهم يحاربون مع هتلر ويقتلون الروس!!
يحاول قيصر روسيا الجديد أن يستعطف شعبه ويستميله له بلغته العاطفية المؤثرة، حتى أنه كاد يبكي وهو يستعرض التاريخ وكيف كان تفكك الاتحاد السوفييتي يوماً أسود على البشرية، وما كان ينبغي لجمهوريات الاتحاد السوفييتي أن تستقل لولا تخاذل القيادة السوفيتية آنذاك؛ ليستنبط هممهم ويغذي روح العصبية في وجدانهم ويثير النزعة القومية في نفوسهم..
وأراد أن يخلق الذرائع أمام العالم باستحضاره للتاريخ، ليبرر غزوه لأوكرانيا، والذي لا يعتبره غزواً، بل تصحيحاً لمسار خاطئ ارتكبه لينين!
إنه بلا شك منطق أعوج، فعلى أساس هذا المنطق البوتيني يكون من حق كل دولة في العالم غزو دولة مجاورة لها للعودة لحدود ما قبل الحرب العالمية الأولى أو ربما قبلها، فكل الدول القائمة بعد الحرب العالمية الأولى لها مشاكل حدودية مع الدول المجاورة..
كان يعلم ثعلب روسيا أن الغرب لن يواجهه عسكرياً ولن تخرج ردود فعله عن العقوبات الاقتصادية، وهذا ليس شيئاً جديداً على روسيا، فقد جربها عامي 2008 عندما غزا جورجيا، و2014 عندما احتل شبه جزيرة القرم ومناطق من شرق أوكرانيا. ولن تردع هذه العقوبات موسكو، ربما سيتأثر بها فقط الشعب الروسي الغلبان، فدائما الشعوب هي الضحية، وهي التي تدفع ثمن غرور وحماقة ومغامرات الحكام
كان يعلم ثعلب روسيا أن الغرب لن يواجهه عسكرياً ولن تخرج ردود فعله عن العقوبات الاقتصادية، وهذا ليس شيئاً جديداً على روسيا، فقد جربها عامي 2008 عندما غزا جورجيا، و2014 عندما احتل شبه جزيرة القرم ومناطق من شرق أوكرانيا. ولن تردع هذه العقوبات موسكو، ربما سيتأثر بها فقط الشعب الروسي الغلبان، فدائما الشعوب هي الضحية، وهي التي تدفع ثمن غرور وحماقة ومغامرات الحكام. وقد سبق أن عاني الروس من المجاعة عام 1921، وقُتل خمسة ملايين روسي، ولم تكلف الحكومة الروسية خاطرها آنذاك حتى بإصدار بيان تعبر فيه عن مأساة شعبها، إلى أن وجه الأديب الروسي “مكسيم غوركي” نداءً إلى شرفاء الغرب يستنجد بهم لإنقاذ شعبه من الهلاك، فلبّوا النداء وهرعوا وأنقذوا ما أمكن إنقاذه..
لقد ضرب ثعلب روسيا عصفورين بحجر واحد، فهو يدرك في الوقت ذاته أن عدم رد الولايات المتحدة عليه عسكرياً، سينال من هيبتها أمام العالم وسيعريها أمام الدول الصديقة لها ويظهرها رهاناً خاسراً لهم، فتنفض من حولها وتبدأ بالبحث عن البديل الفتوّة الجاهز لاستقبالهم في الحال!!
لقد نالت أوكرانيا استقلالها عن الاتحاد السوفييتي السابق في عام 1991، وهنا تتبادر إلى الذهن عدة أسئلة: لماذا لم يحتضنها الغرب في الحال، وخاصة أنها دولة مساحتها كبيرة وأرضها خصبة ذات كفاءة عالية في الزراعة وخاصة زراعة القمح، وغنية بالموارد الطبيعية، وكانت روسيا في تلك الفترة ضعيفة مترهلة في ظل الرئيس الروسي السابق “بوريس يلتسين”؟ ولماذا لم يتم ضمها في الحال إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي “الناتو”، كما حصل مع دول أخرى من الجمهوريات السوفييتية المستقلة؟! ولماذا ضغطت عليها أمريكا للتخلي عن أسلحتها النووية الموروثة من الاتحاد السوفييتي بموجب اتفاقية وقعت في بودابست في الخامس من كانون الأول/ ديسمبر 1994، تعهدت فيها روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا باحترام استقلال أوكرانيا وسيادتها وحدودها، مقابل تخلي كييف عن أسلحتها الذرية..
وقد أخل بوتين بتلك الاتفاقية عام 2014، باحتلاله لشبه جزيرة القرم، بما فيها مرفأ “سيباستوبول” الذي كانت روسيا تدفع لأوكرانيا رسماً متواضعاً لقاء استخدامه، ومناطق في شرق أوكرانيا. والسؤال هنا لماذا سمحت أمريكا وبريطانيا لروسيا أن تحنث بتعهداتها وتخرق الاتفاقية، وهما كانتا شاهدين عليها؟ ولماذا لم تتم مواجهتها بحزم وإرجاعها من حيث أتت؟!
ولماذا بعد احتلال القرم تعاود أوكرانيا الطلب بالانضمام إلى الحلف الأطلسي “الناتو”؟ لقد قال الرئيس الأوكراني أنه دار على كل دول أوروبا لقبول العضوية، فلماذا أغروه بإمكانية قبوله، وهم يعلمون جيداً أنه وفقاً لمعاهدة الناتو “لا يمكن للدول التي تعاني من مشاكل حدودية أو أراض محتلة أن تكون أعضاء في الناتو”، وبالتالي لا يمكن لأوكرانيا التي تحتل روسيا مناطق في شرقها وشبه جزيرة القرم أن تكون عضواً في الناتو؟ لقد لعب هؤلاء الغاوون الذين قيّموا انضمام أوكرانيا إلى الناتو عمداً لصالح روسيا؛ من خلال التظاهر بأن هناك احتمالاً لأن تصير أوكرانيا عضوا في الناتو!!
يقول أصحاب نظرية المؤامرة، إن هناك اتفاقا ضمنيا بين روسيا والغرب فكانت التضحية بأوكرانيا!! ويستندون في ذلك إلى شرط في قبول العضوية!!
ولكن في المقابل هل كان غرضهم توريط روسيا في حرب استنزاف طويلة، تستنزف فيها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وخاصة أنهم نجحوا في عزلها دولياً، من خلال العقوبات والدعاية وإظهارها بالرجل الوحش الذي يريد أن يعيد أوروبا إلى عصور الحروب والظلام، وذلك من شأنه إخراج روسيا من ساحة التأثير الدولي، مما يتيح لأمريكا والغرب التركيز على الصين، عدوهم الاستراتيجي الأساسي، وإحكام التحالفات حولها؟ وها هي ألمانيا تلغي مشروع خط أنابيب الغاز بين البلدين والذي كان كفيلا بإقامة علاقات مميزة بين روسيا وكل أوروبا مما يؤثر سلباً على أمريكا، وهذا أكبر مكسب حققته الولايات المتحدة بان تحول ألمانيا من أكبر حليف لروسيا لأكبر عدو لها..
لقد وقع دب الكرملين في الفخ الذي نصبته له أمريكا بذكاء وخبث شديد، لقد مر أسبوع منذ بداية الحرب ولم تستطع القوات الروسية دخول العاصمة “كييف”، على الرغم من امتلاكها ترسانة عسكرية ضخمة، بل وجدت مقاومة شرسة من جانب الأوكرانيين، أفقدتها الكثير من أرتالها العسكرية عند تخوم المدينة
إذن فلقد وقع دب الكرملين في الفخ الذي نصبته له أمريكا بذكاء وخبث شديد، لقد مر أسبوع منذ بداية الحرب ولم تستطع القوات الروسية دخول العاصمة “كييف”، على الرغم من امتلاكها ترسانة عسكرية ضخمة، بل وجدت مقاومة شرسة من جانب الأوكرانيين، أفقدتها الكثير من أرتالها العسكرية عند تخوم المدينة، وقُتل وأُسر الآلاف من جنودها. وقد تدفقت إليها الأسلحة من كل حدب وصوب وفتحت باب التطوع وسيصل إليها مقاتلون من كل أنحاء العالم، ولا نستبعد أن يرسل الغرب جنوداً تحت مسمى “متطوعون”..
إنها الحرب التي كان يحسبها قيصر روسيا الجديد نزهة يقضى فيها سويعات ويأتي بالغنيمة (أوكرانيا) ويبتلعها في مضغة واحدة ويعيدها للإمبراطورية الروسية، كما كانت إبان فترة القياصرة التي يريد أن يعيد أمجادها ويتوج على عرشها. لذلك فقد البلطجي عقله وبدأ يلوح علناً باستخدام سلاحه النووي، غافلاً عن أن الغرب يمتلك أيضا ترسانة نووية ضخمة ومتنوعة ولم يهدده بها!!
فهل هذا التهديد من قبيل حلاوة الروح، بعد أن لاحت أمام عينيه علامات الهزيمة التي لم تكن في حسبانه، أم أنه بالفعل سيكون نيرون الجديد الذي يحرق موسكو؟!