1

العراق.. أفق سياسي مسدود

10 مارس 2022 23:20

د. محمد عز العرب *

لا يزال الانسداد السياسي هو الملمح الحاكم للوضع في العراق منذ الانتخابات التشريعية قبل خمسة أشهر؛ بحيث تتعثر محاولات انتخاب رئيس جديد للبلاد وتشكيل حكومة جديدة، بسبب الخلاف بين التيار الصدري و«الإطار التنسيقي» المعبر عن بقية القوى الشيعية؛ إذ يتمسك مقتدى الصدر بتشكيل حكومة أغلبية تكون بعيدة عن التدخلات الخارجية، في حين أن الإطار يتمسك بزعمه أنه صاحب الكتلة الأكبر التي يعود لها عرفاً تشكيل الحكومة.

دعا رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، خلال جلسة للحكومة انعقدت في الأول من مارس/ آذار الجاري، القوى السياسية الوطنية إلى أن تكون على قدر المسؤولية في تشكيل حكومة «قوية وفاعلة» تحرك عجلة النمو الاقتصادي في البلاد، مضيفاً أن «العراق يمر اليوم بظروف حساسة توجب على جميع القوى السياسية تكثيف الجهود للمضي في تشكيل حكومة فاعلة وقوية في خدمة المواطن والبلد». فقد تم تشكيل ست حكومات «وحدة وطنية» منذ عام 2005، لكنها تعثرت في إنجاز المهام الموكلة إليها.

متغيران حاكمان

على الرغم من أن السياقات الداخلية كانت مواتية لمصلحة التيار الصدري بشأن تشكيل حكومة أغلبية وطنية تختلف عن الحكومات العراقية السابقة التي غلبت عليها المحاصصة الطائفية والتوافقات السياسية، وثبت فشلها في التعامل مع التحديات المختلفة التي تواجه البلاد على الصعيدين الداخلي والخارجي، فإن التفاعلات التي جرت خلال الأسابيع القليلة الماضية غيّرت الموازين بشكل كبير، وفقاً لمتغيرين رئيسيين.

* أولهما، إطالة مدة بقاء «الإطار التنسيقي» الشيعي على قيد الحياة، بعد صدور توصية من علي خامنئي المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران بأن الأحزاب الشيعية عليها أن تختار ما بين بديلين إما الدخول جميعاً في تشكيلة الحكومة وإما الذهاب جميعاً إلى معسكر المعارضة، بما يعزز بقائها ككتلة موحدة، ويعرقل محاولات انقسامها لاسيما في ظل وجود توجهات لدى بعض تلك الأحزاب إلى الدخول في تفاهمات مع «التحالف الثلاثي» الذي يضم التيار الصدري وأحزاباً كردية وتيارات سنية لتشكيل الحكومة وتجاوز حالة الانسداد.

* ثانيهما، قرارات متتالية اتخذتها المحكمة الاتحادية العراقية تعزز من حظوظ الإطار التنسيقي للقوى الشيعية ومنها اشتراط المحكمة نصاباً عالياً، من ثلثي العدد الكلي لأعضاء مجلس النواب، لعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية فيما يُعرف بالثلث المعطل. وكذلك تم رفض ترشيح هوشيار زيباري لمنصب رئاسة الجمهورية، بسبب تهم موجهة إليه بالفساد وإعادة فتحها باب الترشيح للمنصب، وضمت القائمة 33 مرشحاً (بعد استبعاد 26 مرشحاً لأسباب مختلفة) من بينهم الرئيس الحالي برهم صالح، ومرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني ريبر برزاني، وهو ما يعكس الخلاف بين الحزبين الكرديين الرئيسيين «الاتحاد الكردستاني» و«الديمقراطي الكردستاني» على نحو يؤثر في التحالف الناشئ بين التيار الصدري والمكون الكردي لتشكيل الحكومة.

علاوة على ذلك، تم نقض قانون النفط والغاز لإقليم كردستان العراق المُشرَّع في عام 2007، فيما يبدو ضربة لأحد أعمدة التحالف الثلاثي، الحزب الديموقراطي الكردستاني الذي يقود الإقليم ويدير سياسته النفطية، وبما يعطي إشارة للحزب بعدم المضي قدماً في التحالف مع التيار الصدري. وقد أسهم العاملان في امتلاك الإطار التنسيقي ورقة ضاغطة لمنع تشكيل حكومة الأغلبية الوطنية التي يصر مقتدى الصدر على تشكيلها.

ولعل ذلك هو ما دفع رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي إلى التصريح في تغريدة على حسابه في «تويتر» بتاريخ 18 فبراير الماضي «منذ البداية اخترنا السياسة بديلاً عن السلاح الذي كان يرفع بوجهنا في مناطقنا، ليقيننا أن العنف لا يبني الدول؛ بل تُبنى بالحرية والعدالة والمساواة وفق دستور حاكم وقوة القانون».

توافق محتمل

خلاصة القول إن مصير رئاسة العراق مرهون بتوافق الحزبين الكرديين الرئيسيين، وعلى الرغم من أن هذا المنصب شرفي ولا يمتلك صلاحيات تنفيذية، فإن الخلاف بشأنه يرسم صورة عن الخلافات السياسية الأوسع، لاسيما بين التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، والإطار التنسيقي الداعم لحزب الاتحاد الكردستاني. ولعل ذلك يعكس حدة الخلاف بشأن هوية رئيس الوزراء المقبل والحقائب الرئيسية السيادية التي تتمثل في الدفاع والداخلية والخارجية والمالية والنفط.

وهنا، تسود تحليلات مختلفة ومنها قدرة الإطار التنسيقي على تسويق مبادرته، لتسوية الأزمة مع التيار الصدري بما يضمن اشتراكهما سوياً في الحكومة المقبلة التي أعلنها في بيان بتاريخ 10 فبراير/ شباط الماضي، ودعت جميع القوى السياسية والشخصيات الوطنية إلى بدء مرحلة جديدة من التواصل والحوار، لإنجاز الاستحقاقات الدستورية، واستكمال المواقع السيادية، بما يحقق شراكة حقيقية في إدارة البلد، وتقضي المبادرة أيضاً إلى مد الإطار يده للقوى السياسية، خاصة التيار الصدري وكيانات وشخصيات نيابية مستقلة إلى اللقاء والتحاور حول تشكيل الكتلة الأكثر عدداً بشكل جديد.

كما تقضي المبادرة باتفاق الكتلة النيابية الأكثر عدداً على معايير اختيار رئيس وزراء ومواصفات التشكيلة الحكومية. وعلى الرغم من إعلان الصدر تمسكه بموقفه وحالة الجمود التي شهدتها المفاوضات بين الطرفين ومساعي قائد فيلق القدس الإيراني، إسماعيل قآني، خلال الفترة الماضية، ولقاءاته بقيادات عراقية لم تؤتِ ثمارها بالتقريب بين الإطار التنسيقي والصدر، فإن نجاح الإطار التنسيقي في إقناع الصدر بها خلال المرحلة المقبلة وتشكيل حكومة جديدة قد يقلل من رصيد الصدر لدى قطاعات ليست بالقليلة من الرأي العام العراقي؛ بحيث تكون مسافة بين النخبة السياسية الحاكمة من ناحية والشارع من ناحية أخرى، الأمر الذي يرجح معه عودة الاحتجاجات مرة أخرى كالتي شهدتها البلاد في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 ولم يقلص حدتها سوى انتشار كورونا.

خيار آخر

وفي هذا السياق، قد يكون هناك خيار آخر للتيار الصدري، وهو البقاء في صفوف المعارضة، وترك الحرية لشركائه في التحالف إما بالاشتراك في الحكومة وإما بالذهاب للمعارضة معه. وهنا يمكن للإطار التنسيقي تشكيل تحالف شيعي- سني- كردي، لكن من الصعب أن يستمر هذا التحالف في الحكم أو ينجز بعض الملفات الداخلية لغياب تيار سياسي متماسك بداخله كالتيار الصدري. ومن ثم، لا يمكن التكهن بمصير محدد يتجه إليه العراق مستقبلاً للافتقار إلى التماسك والرؤية الموحدة بين أعضاء التحالف.

* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

التعليقات معطلة.