1

ذرائع أمنية لدوافع جيواقتصادية.. دلالات العدوان الإيراني على أربيل

تابعد. مهند الجنابي

نشر في: 20 مارس ,2022: 06:29

على الرغم من تركيز إيران على استعمال أذرعها المسلحة في تحقيق أهداف سياستها الخارجية في المنطقة إلا أنها تلجأ بين الحين والآخر إلى تفعيل أداة الطاقة مستغلة استحواذها على نسبة كبيرة من الأسواق في جوارها الغربي والشمالي الغربي، إذ تشير إحصائيات وأرقام حكومية إلى أن إيران تورّد ما نسبته 18% من حاجة تركيا للغاز الطبيعي سنوياً التي بلغت في عام 2021 ما يقارب 57 مليار متر مكعب، كانت حصة الغاز الإيراني منها 9.248 مليار متر مكعب، فيما تعد إيران المورّد الرئيس للعراق بنسبة 33% من حاجته السنوية البالغة 29.3 مليار متر مكعب لنفس العام، بلغت حصة الغاز الإيراني منها بحدود 10.950 مليار متر مكعب.

وخلال العامين الماضيين، وظّفت إيران بشكل مستمر ورقة الغاز الطبيعي ضد العراق لأسباب بعضها اقتصادية (بحجة عدم سداد الديون) والنسبة الأكبر منها سياسية، إذ خفضت إمدادات الطاقة في أحيان كثيرة ولم تتردد حتى عن قطعها بالكامل ولأيام، في ظل المتغيرات السياسية التي تشهدها البلاد وسياسات الحكومة العراقية الحالية لفك الارتباط تدريجياً عن إيران ومساعي تحرير السياسة الخارجية العراقية من النفوذ والتأثير الإيرانيين، وفي يناير الماضي أوقفت إيران ضخ الغاز الطبيعي إلى تركيا لمدة 10 أيام لأسباب نسبتها إلى خلل في خط أنابيب تبريز – أنقره، فيما نسبت تركيا الأسباب إلى “فشل إيران في تلبية شروط التعاقد بين البلدين لتلبية احتياجاتها الداخلية” بحسب وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي، بينما تذهب جهات ثالثة إلى جيوستراتيجية بدائل الطاقة مع التصعيد الذي سبق الحرب الروسية – الأوكرانية وتطورات العلاقات التركية – الخليجية، إلا أن البحث في هذه الأبعاد يكشف الأسباب الجوهرية للعدوان الإيراني على العراق باستهداف اربيل عاصمة إقليم كردستان بـ12 صاروخاً باليستياً يوم 13 آذار الجاري.

دواعِ جيواقتصادية للعدوان الإيراني على أربيل

يُظهر السلوك السياسي لإيران أنها تخفي أسبابا جوهرية خلف الأسباب المعلنة التي ادّعى تلفزيونها الرسمي في 16 اذار الجاري أن قصف إقليم كردستان جاء لأسباب تتعلق بالأمن القومي الإيراني بعد أن كانت أربيل “منطلقاً لهجوم إسرائيلي” على قاعدة عسكرية في كرمنشاه منتصف شباط الماضي، وحتى في هذه الرواية ناقضت إيران نفسها، فبعد الهجوم المشار إليه وتحديداً في 15 شباط الماضي أعلنت وكالة نور نيوز التابعة للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني أن هذا الهجوم جاء نتيجة عواصف رعدية، فضلاً عن تأكيدات الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان بعدم صحة الادعاءات الإيرانية.

إن ما تدّعيه إيران من أسباب تتعلق بأمنها القومي لا تمت بأي صلة بالاتهامات التي توجهها إلى إقليم كردستان، إنما تتعلق ببقاء العراق تحت هيمنتها ومنع أي مساع للتحرر من ضغوطاتها والسعي لصيانة السلامة والاستقلال والمصالح الوطنية العراقية، عبر مشاريع الاستثمار في مجال الطاقة التي ستعوض العراق عن الغاز الإيراني واحتمالية بزوغ الغاز العراقي بديلاً عن الغاز الإيراني في الأسواق الإقليمية.

وفي سياق التطورات قبل قصف أربيل، ذكر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال لقائه مع رئيس إقليم كردستان نيجيبرفان بارزاني في شهر شباط الماضي، أنه بحث ملف الطاقة وإمكانية توريد تركيا من الغاز العراقي، فيما أشار رئيس إقليم كردستان إلى أنه سيبحث هذا الموضوع مع الحكومة الاتحادية لإجراء الترتيبات الدستورية في هذا الصدد، وفي وقت لاحق من نفس الشهر أعلن رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني في زيارته إلى قطر أنه بحث مع الجانب القطري إمكانات الغاز الضخمة في إقليم كردستان والتعاون الإقليمي في مجال الطاقة، ليأتي بعد هذه التطورات مباشرة قرار المحكمة الاتحادية العليا بنقض قانون النفط والغاز في إقليم كردستان.

دلالات الاستهداف وتوقيته

يعمل إقليم كردستان على وضع الحجر الأساس لبناء البنية التحتية للصناعة الغازية الوطنية عبر تنسيق اختصاصاته مع اختصاصات الحكومة الاتحادية، ففي 8 شباط الماضي عقدت وزارة الموارد الطبيعية في إقليم كردستان اتفاقاً مع شركة كار غروب الكردستانية لمد أنبوبين للغاز الطبيعي، الأول من حقل كوردمير جنوب السليمانية إلى أربيل والآخر من حقل بينا باوي في أربيل إلى دهوك على بعد 35 كيلومترا عن الحدود العراقية التركية والمتوقع إنجازه بحلول الربع الأخير من العام القادم، ليتسنى لاحقاً ربطه بشبكة التصدير الاتحادية في حال تحقق الاكتفاء الذاتي، إذ يقدر احتياطي الغاز في إقليم كردستان حوالي 15 مليار متر مكعب تستثمر في صناعته شركات كبرى من بينها شركة روس نفط التي خضعت إلى العقوبات بعد الاجتياح الروسي لأوكرانيا وشركة دانة غاز الإماراتية.

ولكن هذه الطموحات الوطنية تشكل تهديداً استراتيجياً للمصالح الإيرانية التي تهدد المصالح الوطنية للعراق، فعلى الرغم من سعي الحكومة العراقية إلى التحرر من استغلال إيران أداة الطاقة للضغط على الأوضاع السياسية في العراق عبر توقيع عقد استثمار الغاز الطبيعي في الحقول الجنوبية بقيمة 27 مليار دولار مع شركة توتال اينرجي الفرنسية، إلا أن أي تقدم لم يتحقق بسبب العراقيل البيروقراطية وتدخلات من أحزاب شيعية وفصائل مسلحة، بحسب وكالة رويترز.

ولما كانت جهود الاستثمار بقطاع الطاقة الوطنية يمثل تجاوزاً للخطوط الحمراء إيرانياً، وفي ظل عدم توافر القدرة على إعاقة هذه الجهود من قبل أذرع إيران داخل إقليم كردستان كما يحصل مع عملاق الطاقة الفرنسي، تأتي رسائل الصواريخ الباليستية الـ12 لتعلن من خلالها إيران أنها لن تتوانى عن خسارة أسواقها الإقليمية إذا ما ذهبت أية جهة عراقية للبحث عن المصلحة الوطنية واستثمار موارد الدولة وقدراتها حتى لو تطلب ذلك استخدام القوة العسكرية.

وأمام هذه الحقائق التي يدركها صناع القرار العراقيون، تزداد الأولوية إلى حماية السيادة الوطنية ووضع حد للعدوان الإيراني المستمر والذي لا يهدد الاستقرار والسيادة الوطنية فحسب، إنما يهدد وجود الدولة العراقية في ظل تطلعات العراقيين للتخلص من الهيمنة الإيرانية واستثمار مواردهم الوطنية التي تعدها إيران مساساً بأمنها القومي، مما يرفع من مسؤوليات القوى السياسية في تشكيل حكومة قوية قادرة على صيانة الأمن الوطني وعدم التضحية بوجود الدولة لخدمة المصالح الإيرانية.

التعليقات معطلة.