فوزية رشيد
العرب وأزمة المصداقية في النظام العولمي الغربي!
{ ليس من منطقة عانت من سياسات وأجندات الغرب الاستعماري ومن أجندات التقسيم والتفتيت وإثارة الصراعات والفتن، كما عانت المنطقة والشعوب العربية من الغرب خلال القرنين الماضيين ثم بعد ذلك من «النظام العولمي الغربي» الذي برزت بداياته بعد الحرب العالمية الثانية، بقيادة الولايات المتحدة، مع تراجع بريطانيا العظمى عن زخم احتلالاتها للكثير من الدول في العالم!
ومعاناة هذه المنطقة طويلة مع الغرب الاستعماري الذي توج نفسه بسايكس – بيكو ثم باغتصاب فلسطين، ثم بالحروب الكثيرة على خلفية الصراع العربي – الصهيوني، وحروب أخرى في المنطقة، ليبرز على خلفيتها العداء الإيراني وأجندته التوسعية في الجغرافيا العربية بمباركة غربية، مروراً بمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي عمل على إسقاط الأنظمة والدول وإشاعة الفوضى وأجندات التقسيم! ذلك كله أسهم في تشكّل وجدان شعبي عربي ضد الأجندات والمشاريع الغربية والأمريكية، ما عدا بعض الأبناء العرب الضالين، الذين شكلوا أدوات داخلية لهدم أوطانهم حسب الرؤية الاستعمارية الغربية!
{ اليوم ومنذ زمن يتابع العالم كله وليس دول المنطقة العربية، تراجعاً كبيراً لمصداقية الولايات المتحدة والغرب وعولمته «الانفرادية»، مثلما يتابع تراجع المكانة العالمية لأمريكا مع بروز القوتين الصينية والروسية وقوى أخرى في العالم، وحيث المقتل لأمريكا والغرب برز في (فضائح المختبرات العسكرية للفيروسيات والأوبئة)! وفي «الأزمة الأوكرانية» وحيث لعبت أمريكا وحلف الناتو بالمصير الأوكراني منذ 2014، بتأييد الانقلاب العسكري، والثورة التي استنسخت الثورات البرتقالية وثورات «الخريف العربي»، لجعل «أوكرانيا» منطقة (توجيه عسكري مناوئ لروسيا) نووياً وبالسلاح البيولوجي! ما أشعل الأزمة وأشعل معها القرار الروسي باجتياح أوكرانيا، وهي من الأزمات ذات الأبعاد المتعددة، التي قد تتحول إلى أزمة مع أمريكا والغرب نفسه، وليس لروسيا في ظل العقوبات غير المسبوقة، خاصة إذا حقق «بوتين» أهدافه المعلنة!
{ هذه الأحداث المتسارعة بين الغرب وروسيا، والتي قد تتحول لاحقاً إلى أزمة أخرى بين الغرب والصين على خلفية «تايوان»، هي في النهاية ليست أزمة عربية أو خليجية، إلا بما ستعكسه تداعياتها على العالم كله وليس على الدول العربية وحدها!
وفي ظل فقدان الثقة العربية بأمريكا وفقدان المصداقية الأمريكية الغربية في العالم كله، فإن لا ناقة ولا بعير للعرب في المواجهة بين الناتو وروسيا، خاصة مع تراجع أمريكا عن حفظ أمن المنطقة العربية بشكل معلن، بعد أن كان تراجعاً مُضمراً من خلال «مشروع الشرق الأوسط الجديد» الذي أرادت به ضرب الأنظمة العربية وتقسيم دولها، لحساب التوسع الإيراني ودعم أذرعها بأشكال مختلفة، ودعم الإخوان والمليشيات الإرهابية المنبثقة عنها كصنيعة غربية، لبث الصراع والإرهاب في المنطقة العربية!
{ إن الثقة التي تزعزعت بشدة وبشكل غير مسبوق بين السعودية تحديداً والغرب منذ أحداث 2011 وما تلاها، وبعد الكثير من الأفخاخ التي نصبها الغرب للعرب خاصة بعد سقوط بغداد، لم تعمل الإدارات الأمريكية على ترميم الثغرات فيها، بل إن إدارتي «أوباما» و«بايدن» تمادتا في تغذية فقدان تلك الثقة، وفقدان المصداقية الأمريكية والغربية في التعامل مع المصالح العربية والأمن القومي العربي، ما جعل المصالح الخليجية والمصرية كقيادة للمصالح العربية، تتجه بدورها لتأكيد تنويع التحالفات الدولية، والتوجه خلال السنوات الماضية نحو تعزيز العلاقات مع الصين وروسيا، في إطار رؤية استراتيجية جديدة، وفي إطار (بناء الذات) بعيداً عن الإملاءات الغربية، خاصة مع انكشاف المخططات الأمريكية والغربية ضد الغرب! وهذا ما نرى تداعياته وانعكاساته في هذه المرحلة المتجه نحو تعددية الأقطاب وسقوط القطب الغربي الواحد، الذي ظل مهيمناً على العالم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي!
إنه عالم آخر تتضح ملامحه شيئاً فشيئاً، وإن أراد العرب أن يكون لهم مكان فيه فبإمكانهم ذلك، إن أحسنوا قراءة الأحداث الجارية، وتحصنوا برؤية استراتيجية بعيدة المدى، وفعَّلوا إرادتهم السياسية، وقد تكون فرصة تاريخية للعرب غير قابلة للتكرار بسهولة مرة أخرى!