حوار عراقي لمواجهة “التطرف العنيف” برعاية دولية
الأمم المتحدة أطلقت مشروعاً لتشكيل رابطة للقيادات الدينية بهدف نشر الوسطية
مؤيد الطرفي مراسل عراقي الأربعاء 30 مارس 2022 3:08
جانب من الجلسة الحوارية التي عقدت برئاسة بعثة الامم المتحدة بالعراق
استغلالاً للاستقرار النسبي الذي يعيشه العراق منذ إعلان انتهاء العمليات العسكرية ضد تنظيم “داعش” في نهاية عام 2017، تعمل بعثة الأمم المتحدة على تعزيز التعايش السلمي بين المكونات العراقية عبر سلسلة من المبادرات الهادفة إلى خفض معدل التطرف في البلاد.
البعثة أطلقت مشروعاً جديداً ضمن مشاريعها لمواجهة التطرف العنيف ودعم التماسك الاجتماعي، يهدف إلى تشكيل رابطة للقيادات الدينية، تكون مسؤولة مستقبلاً عن مبادرات مجتمعية تعزز التعايش السلمي، وتحث على الوسطية في الخطاب الديني، عبر شبكة من رجال الدين تمتدّ في جميع المدن العراقية.
المشروع الذي أُطلق ضمن جلسة حوارية في بغداد، شاركت فيها مستشارية الأمن الوطني العراقي وممثلون عن المؤسسات الدينية من الأوقاف الشيعية والسنية والإيزيدية والمسيحية والصابئة، إضافة إلى العتبة الحسينية، أعلن دعمه لتنفيذ استراتيجية منع التطرف العنيف من خلال بناء قدرات اللجان الفرعية المختصة بتنفيذ الاستراتيجية في المحافظات العراقية.
تقوية التماسك المجتمعي
الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق زينة علي أحمد قالت إن إنشاء رابطة وسطية للقادة الدينيين، وهو ضمن مشاريع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لدعم الحكومة العراقية في منع التطرف العنيف، سيسهم في تقوية التماسك المجتمعي.
من جهته، قال علي عبدالله البديري، رئيس اللجنة الوطنية لمتابعة تنفيذ استراتيجية منع التطرف العنيف، إن الأولوية لدور رجال الدين الفاعل والمؤثر في المجتمع، وسيتعزز من خلال هذه الرابطة لبثّ رسائل تدعو إلى نهج الوسطية، ما يسهم في دعم تنفيذ الاستراتيجية.
وتبنّت الجلسة توصيات واضحة برفض خطاب الكراهية ورصد من يعتمده بهدف الرد عليه بشكل علمي أمام المجتمع العراقي. وقال محمد صلاح، ممثل الوقف السني في الجلسة، إن الاجتماع بشأن إنشاء الرابطة كان صريحاً وشفافاً في دعوته إلى خطاب معتدل ومحاربة الكراهية، فيما أشار إحسان جعفر، ممثل الوقف الشيعي إلى أن المجتمعين اتفقوا على حشد الإمكانات المجتمعية من مختلف الفئات لمنع التطرف العنيف.
رائد جبار الخميسي، الممثل عن وقف الأقليات، قال إن نتائج الجلسة تبعث على التفاؤل بأن هناك تنفيذاً لمبادرات جيدة في إطار هذه الرابطة لمنع التطرف العنيف قبل حدوثه.
وعانى العراق من التطرف بعد عام 2003 بحيث شهد في 2006-2007 حرباً طائفية بين السنة والشيعة خلّفت آلاف الضحايا، فيما احتل تنظيم “داعش” الذي يتبنّى فكراً متطرفاً ما يقارب ثلث مساحات البلاد قبل طرده عام 2017، إلا أنه لا يزال موجوداً في عدد من المناطق، وينفذ إغارات على القوات الأمنية العراقية من حين لآخر، ما أدى إلى سقوط كثير من الضحايا.
الرابطة التي يسعى بعض القادة الدينيين إلى تأسيسها بدعم أممي، ينظر إليها متخصصون في الشأن الأمني والسياسي على أنها قد تكون شبيهة بمؤتمرات سابقة ما لم تُعزَّز باستراتيجيات جدية من خلال إشراك بعض المتخصصين.
رؤية شاملة
معتز عبد الحميد، رئيس مركز العراق للدراسات الأمنية والاستراتيجية، شدد على ضرورة وضع رؤية استراتيجية بشأن تعزيز مبدأ التعايش السلمي ونبذ التطرف والعنف، وألا يقتصر الأمر على عقد المؤتمرات وإنشاء رابطة خاصة بهذا الاتجاه.
ونبّه إلى أن هناك مؤتمراً إسلامياً أقيم قبل أكثر من عامين، وتشكلت من خلاله منظمة للتسامح الديني، وجاءت وفود من كل دول العالم، لكن الموضوع انتهى ببيان ختامي، متمنّياً عدم تكرار الأمر والاعتراف ببعض الأديان الأخرى كالبهائية.
والبهائية أقلية دينية غير معترف بها في العراق، ولا توجد إحصاءات محددة بشأنها، إلا أن أعدادهم لا تتجاوز المئات. وتحوّلت البهائية إلى طائفة معترف بها قانونياً في فترة الحكم الملكي، إلا أنها أصبحت منبوذة، لا سيما خلال حكم البعث من عام 1968 إلى عام 2003.
ودعا عبد الحميد إلى إصدار قوانين خاصة تمنع الصراعات الدينية والمذهبية وتعاقب من يؤججها، مثل تلك التصريحات التي خرجت قبل أيام في إقليم كردستان، وزادت من حدة الاحتقان المذهبي، مشدداً على ضرورة أن يكون هناك قانون قوي يحدّ من التناحر الديني.
وكان الأكاديمي الكردي نايف كردستاني، أعرب في تغريدة عبر منصة “تويتر” عن دعمه لـ”المرجعية العربية” عوضاً عن بقية المرجعيات الدينية، قبل أن يتراجع لاحقاً عما وصفه بـ”سوء فهم بخصوص المرجعية”، ثم كتب في ما بعد أن صفحته تعرّضت للقرصنة، وقال “لقد استعدتها وأنا غير مسؤول عن كل ما ورد بخصوص التغريدات”.
واقتحم محتجون غاضبون كان بعضهم يحمل صوراً للسيستاني مقر “الفرع الخامس” للحزب الكائن في حي الكرادة، وأضرموا النيران فيه بعد تحطيم محتوياته قبل أن يتدخل رجال الأمن لاحتواء الموقف.
إشراك المفكرين
الباحث في الشأن السياسي علي بيدر شدد على ضرورة إشراك كثير من المفكرين من جميع الأديان، لدراسة أسباب التطرف، مشيراً إلى أن “المؤسسات الدينية لم تستطِع الإجابة عن أسئلة المتطرفين وما يتعلق بتكفير الآخر وطمس هويته وإلغائه، لذلك كانت هناك حجج لعمل المتطرفين على المستوى الديني”.
وأبدى الباحث أمله في أن تسعى الأمم المتحدة إلى البحث عن جذور التطرف وأسباب نشأته، لكونه بدأ في مناطق الجهل والفقر والظلم والاضطهاد من أطراف معينة، مستدركاً “علينا مواجهة البيئة التي نشأ فيها ومواجهتها من خلال دور تقويمي للمؤسسات الدينية”.
ولفت إلى غياب خطاب ديني موحد في الجانب السني، بوجود الإخوان المسلمين والسلفية والصوفية، “لذلك هناك تقاطع في توحيد هذا الخطاب، وهذا الأمر يخلق مساحات للتطرف، وكذلك ينطبق الأمر على المذاهب والديانات الأخرى”.