العراق.. كلاسيكو التوافقيّة والأغلبيّة
إياد العنبر03 أبريل 2022
ينافس سياسيونا لاعبي كرة القدم في دَوري المحترفين، لكنّهم يختلفون عنهم كثيراً، فالمتلاعبون بالساحرة المستديرة يتنافسون في استعراض مهاراتهم داخل المستطيل الأخضر وبالنتيجة نستمتع بالمشاهدة والتشجيع. أما لاعبوا السياسة في بلداننا فهم غير محترفين في شيءٍ إلّا في مراكمة الحكومة، والأخرى تذهب إلى المعارضة داخل قبّة البرلمان. إلا أن الأحزاب والقوى السياسية المهيمنة والمتنفذة ثبتت عُرفاً سياسياً يرتكز على مقولة نعم لِلحُكم، وكلا وألف كلا لِلمعارضة، فالمعارضة تعني في عرفهم الانتحار السياسي!
قبل انتخابات تشرين 2021 كان الخطاب السياسي لِكثيرٍ من السياسيين يركّز على انتقاد النظام السياسي القائم على أساس التوافقات والصفقات. ولكن، بعد نتائج الانتخابات وكثرة الاعتراضات عليها، أدركت بعض أحزاب السلطة التقليدية، التي خسرت مقاعدها مقارنة بالانتخابات السابقة، بأن معركتهم القادمة ستكون مع شركائهم السابقين في العملية السياسية، الذين يسعون إلى الاستئثار بالسلطة وإبعادهم عن مراكز النفوذ في الحكومة القادمة. لذلك فإنَّ الزعمات التي انتقدت التوافقيةَ في السابق، باتت اليوم أكثر إصراراً ودفاعاً عن بقائها، فهي الضامن الوحيد لمشاركتهم في السلطة.
لحدّ الآن، الثلث المعطّل هو حجر عثرة أمام الذهاب نحو حكومة الأغلبية التي يريدها تحالف الصدريين مع السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني. وبعد أن نجح في تعطيل جلستين لانتخاب رئيس الجمهورية، أصبح اليوم الرهان الأقوى لِضمان بقاء التوافقية وتعطيل حكومة الأغلبية، حتى وإن كان الثمن التجاوز على التوقيتات الدستورية، فالتوافقية هي طوق النجاة من خسارة النفوذ بعد خسارة مقاعد البرلمان.
وعلى خلاف مواقفه السابقة، يبدو أن مقتدى الصَّدر أكثر ثباتاً هذه المرّة بدعوته إلى تشكيل حكومة الأغلبية الوطنية، ورفضه العودة إلى التوافقية. وكلّما تمسّك أكثر بموقفه أحرج خصومَه وحلفائَه على حدّ سواء. فالخصوم لا يريدون تشكيل حكومة مِن دون الصدريين؛ لأنَّ ذهاب الصدريين نحو المعارضة يعني بأن حكومتهم تولد ميّتة. أمّا حلفائه في تحالف إنقاذ وطن، فالبرزاني يريد كسر إرادة خصومه والفوز بمنصب رئيس الجمهورية، وتأخير ذلك يعطّل الخطوات اللاحقة التي تريد توسّع تمركزه في كردستان وبغداد. وزعامات السيادة تريد تثبيت قوّة نفوذها من خلال الحصول على الوزارات في الحكومة القادمة.
خطوات مقتدى الصدر باتت تنتقل مِن المواجهة المباشرة مع الخصوم إلى استراتيجية الانسحاب التكتيكي، ولعلَّ الأربعين يوماً التي حددها كفرصة لِلقوى المشاركة في الثلث المعطّل، بترك خيار التعطيل والاتفاق مع القوى السياسية في تحالف إنقاذ وطن لتشكيل حكومة مِن دون مشاركة الصدريين، ستكون تحديّاً واختباراً لِصلابة القوى المتحالفة في الثلث المعطّل في حال الانتقال مِن التعطيل إلى المشاركة في الحكومة.
لا تريد قوى الإطار التنسيقي، ومَن يتحالف معها في الثلث المعطّل، أن تستوعب حالةَ الشيخوخة التي بلغتها التوافقية وعجزها عن احتواء التناقضات بين الفرقاء السياسيين، وإن حكومةً تتشكّل على أساس التوافقات تعني بقاء الدولة هَشّةً وتزايد الفجوة بين الجمهور والطبقة السياسية. ومن ثمَّ، خيارات البقاء ضمن دائرة السلطة من خلال التوافقية، قد تؤدّي إلى كسب جولةٍ جديدة للمحافظة على النفوذ والسلطة، لكنّه يعني مَوتاً بطيئاً لهذا النظام السياسي الذي فشل في أن يكون نظاماً فاعلاً وقادراً على حلّ أزماته السياسية وأزماته مع المجتمع.
والذهاب نحو حكومة الأغلبية لا يعني عصا سحرية لحلّ كل تلك الأزمات والإشكاليات التي ترسّخت في العَملية السياسية طوال 19 عاماً، وإنما هو قرار جريء وشجاع باللجوء إلى الموتِ الرَّحيم لِنظام الحكم الذي أنتجته التوافقات الهشّة، والتي لم تنتج غير الفساد وهَدر الثروات وضياع ملامح الدولة وتسلّط الفاشلين على مقاليد الحكم.
إذاً، كلاسيكو التوافقية والأغلبية لم يعد يحتمل التأجيل في مناورات الشَّد والجَذب، والمراهنة على كسر الإرادات بالتعطيل أو تفكك التحالفات، فشجاعة الذهاب نحو المعارضة أفضل مِن المشاركة في حكومةٍ توافقية تساهم بديمومةِ العجز السياسي حتّى وإن كانت حَلاً لِلانسداد السياسي. ويجب أن تسهم النتيجةُ بقرارات شجاعة تحتاج إلى الثبات بالمواقف أكثر مِن الخطابات الديماغوجية التي تتوسّل بشعارات “حقّ المكوّن”، أو تريد تسقيط خصومها من خلال نظريات المؤامرة. فالملعب السياسي يحتاج إلى مهارات احترافية لإقناع الجمهور مِن خلال الأداء السياسي والاقتصادي والخدَمي، وليس إيهام الناس بأنَّ الأولوية لِحفظ “حقوق المكون”، حتّى وإن أدّى ذلك إلى الخراب وإلى تسلّط الفاسدين والفاشلين على ثروات البلد ومقدّراته