1

Workers make charcoal from wood for domestic use, in Iraq's southern province of Diwaniyah, on March 1, 2022. (Photo by Hussein Faleh / AFP)


العمال في العراق.. نقابات ولجان وقوانين لكن من دون “ضمان” لقمة العيش

أسعد زلزلي – أربيل03 أبريل 2022

يعاني كثير من عمال القطاع الخاص في العراقي من عدم حصولهم على الضمان الاجتماعي، فرغم سنوات العمل الطويلة تمتنع شركات كثيرة من تسجيل العاملين لديها في صندوق الضمان، ويعزف العمال بدورهم عن التسجيل أحيانا بسبب عدم قدرتهم على تحمل الاستقطاع المطلوب للضمان في ظل انخفاض الأجور والظروف الاقتصادية الصعبة في البلد. وفي النتيجة لا يجد كبار السن من العمال ومن يتعرضون للحوادث أثناء العمل أي ضمانات أو حقوق تعينهم على تحمل مشقات الحياة بعد فقدانهم القدرة على العمل.

مهنة آخر العمر 

داخل محله الصغير في سوق الشورجة وسط العاصمة بغداد، يجلس سليم أحمد (69 عاما) متأملا أدوات الحلاقة التي قضى معها أكثر من أربعة عقود، انتهت بمرض الصدفية الذي أصاب كلتا يديه وأجبره على تحويل محله إلى مرافق صحية (دورة مياه)، بعد أن يئس من الحصول على الضمان أو البديل الذي يوفر لعائلته قوت العيش.

ينظر أبو مريم إلى أدوات الحلاقة بحسرة على ذكريات الأمس، وقلق من مستقبل مجهول ينتظر بناته الأربعة، بعد أن بلغ من العمر عتيا ونخر المرض جسده. وتكاد الدموع تطفر من عينيه وهو يتحدث لموقع الحرة قائلا: “أنا لا أخشى على نفسي فانأ أعيش آخر أيام حياتي بين المرض والحسرة على محلي وأدوات الحلاقة التي صدئت.. للأسف بعد أربعين عاما من العمل في أغنى بلدان العالم النفطية لم أجد أي ضمان استند عليه اليوم أو أموت فيه وأنا مرتاح لما سيحل ببناتي الأربعة وزوجتي من بعد. أتساءل من لهن بعدي في حال مت؟”.

امتداد الغبن وغياب الضمان 

أبو مريم وملايين العمال في مختلف أرجاء العراق يواجهون مصيرا مشابها من دون حقوق أو ضمان
أبو مريم وملايين العمال في مختلف أرجاء العراق يواجهون مصيرا مشابها من دون حقوق أو ضمان

أبو مريم يتشارك وملايين العمال في أرجاء العراق الهواجس ذاتها بسبب العمل لسنوات طويلة أحيانا، من دون حقوق أو ضمان اجتماعي يوفر لهم لقمة عيش كريمة في الشيخوخة أو عند تعرضهم للحوادث.

الشاب ريبر أحمد محمود (36 عاما) وجد نفسه حبيس جدران غرفة بسيطة بعد تعرضه لصعقة كهربائية أثناء العمل، فقد إثرها يده اليسرى وأصابع يده اليمنى، فضلا عن الحروق التي توزعت في جسده.

لا يستطيع ريبر توفير أساسيات العيش لأسرته أو دفع إيجار منزله. “منذ 15 عاما وأنا أعمل، وفي آخر مرة تعرضت لصعقة كهربائية فقدت فيها يدي وأصابعي، وجسمي محروق.. لا أعلم كيف أعيش الآن أو أوفر لعائلتي قوت العيش.. حياتي انتهت أنا بين هذه الجدران الأربعة طول اليوم، ولن أقوى على العمل بعد اليوم، ولا أعلم من أناشد. فأنا بعد كل تلك السنوات خرجت دون ضمان  أو معيل ومصيري، ومصير عائلتي مجهول”.

إحصائيات ومسببات

ريبر أحمد محمود (36 عاما)
ريبر أحمد محمود (36 عاما)

لا يوجد إحصاء رسمي لعدد العمال في العراق نتيجة عدم تسجيلهم جميعا  ضمن قواعد بيانات الوزارات الحكومية أو صندوق الضمان، لكن الأرقام تتراوح وفقا لتقديرات عدد من النقابات العمالية، بين 5-6 ملايين عامل موزعين على القطاع الخاص والحكومي،  لم يسجل منهم في صندوق الضمان الاجتماعي التابع لوزارة العمل سوى 570 ألف عامل فقط وفقا لتصريحات وزير العمل، عادل الركابي، الذي قال إنه عمل على زيادة عدد المشمولين بالضمان منذ توليه الوزارة، ليرتفع من 250 ألفا إلى 570 ألف بعد تنشيط دور الفرق واللجان التفتيشية التابعة لوزارته.

رحيم الساعدي رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال العراق
رحيم الساعدي رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال العراق

ولكن رغم تحركات الوزارة، لا تتجاوز نسبة العمال المسجلين حتى اليوم 10 في المئة من مجموع العمال، نتيجة لعوامل عدة أبرزها سطوة أصحاب العمل الذين لا يريدون دفع 12 في المئة من أجور العامل لصندوق الضمان.

ويشير رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال العراق، علي رحيم الساعدي، إلى أن العمال أنفسهم يتحملون جزءا من المسؤولية بسبب غياب الوعي لديهم حول إيجابيات الضمان، وانعكاساته الإيجابية على مستقبل العامل وعائلته في حال تعرضه للإصابة. وأضاف الساعدي أن الجزء الآخر من المسؤولية يقع على عاتق أرباب العمل الذين لا يتعاونون فيما يتعلق بدفع مبالغ الضمان للعامل.

وعود واهية 

ريبر أحمد محمود (36 عاما)
ريبر أحمد محمود (36 عاما)

وترافق تراجع بيئة العمل في العراق مع ظروف صحية وأمنية صعبة مرت على البلد، الأمر الذي زاد من معاناة العمال، خصوصا مع تفشي وباء كورونا وتداعياته على سوق العمل.

ووفقا للمسؤول النقابي، لا تولي السلطتان التنفيذية والتشريعية في البلاد مطالب العمال الاهتمام اللازم. ويقول رئيس الاتحاد العراقي لنقابات العمال، وليد نعمة، “إن الواقع مأساوي وهناك عدم وضوح رؤية لدى أصحاب القرار بشأن حل مشكلة الضمان للعمال بشكل يعينهم على مواجهة مصاعب الحياة وظروفها”، مؤكدا أن وعودا حكومية كثيرة أطلقت لحل المشكلة لكنها لم تفض إلى حل. ويتابع “مع شديد الأسف نحن لا نتعامل مع رجال دولة وليس هذا وحسب فهم لا يمتلكون مرونة أو حلولا ولا يهمهم سوى الانتفاع والمصالح الشخصية أما قضايا العمال وحقوقهم فلا يمتلكون أي رؤية أو ضمان لهم فيها”.

وليد نعمة رئيس الاتحاد العراقي لنقابات العمال
وليد نعمة رئيس الاتحاد العراقي لنقابات العمال

ويرى عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام لنقابات عمال العراق، حافظ محمد، أن هناك إجحافا بحق العامل العراقي وعدم مساواة بينه وبين الموظف الذي يحتل التصنيف (أ) لدى الحكومة بينما يحتل العامل التصنيف (ي)، ولا يتساوى الطرفان لا بالواجبات ولا بالحقوق.

هرم المسؤولية ولجان التفتيش 

يرجع كثير من الناشطين في مجال حقوق العمال قلة عدد المسجلين في صناديق الضمان إلى غياب دور لجان التفتيش الرقابية التي كانت تقوم بدور مهم في زيارة أماكن العمل ومحاسبة أصحاب العمل في حال عدم تسجيل العاملين لديهم في الضمان، لكن تلك اللجان انحسرت مع تراجع الدور الرقابي وفترات عدم الاستقرار الأمني التي مرت بالعراق، ويعترف المنضوين في تكوينها بضعفها وعدم تقديمها المطلوب.

ويقول علي رحيم الساعدي رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال العراق أن المسؤولية في عمل تلك اللجان تقع على عاتق ثلاثة أطراف تضم كلا من ممثل وزارة العمل رئيسا وممثل عن نقابات العمال وممثل عن اتحاد الصناعات.

وأقر الساعدي بأن دور تلك اللجان ليس بالمستوى المطلوب لكن ممثليها يبذلون ما وسعهم للوصول حتى لأطراف المدن، وقال: “أبلغنا وزارة العمل عن وجود شكاوى كثيرة حول عمال غير مضمنين”.

في المقابل، يرى رئيس اتحاد الصناعيين العراقيين، عادل عكاب، أن الوضع الاقتصادي أثر كثيرا على دور تلك اللجان وعددها، مشيرا إلى أن اتحاده، ونتيجة لمحدودية ميزانيته وغياب الدعم الحكومي لا يمتلك إلا خمسة ممثلين من أصل 24 لجنة.

وقال إن ضعف الموارد والإمكانيات وغياب الممثلين عن اللجان يولد مشاكل كبيرة، وهي لا تغطي كل مواقع العمل في العراق، موضحا قوله “اللجان بصراحة هي على الورق لكنها في الواقع غير موجودة “. 

وأشار رئيس اتحاد الصناعيين إلى أن قانون العمل رقم 37 لسنة 2015 لا يلبي الطموح وهناك قانون بديل نسعى لإقراره في البرلمان. وترى وزارة العمل أنها تحركت بقوة لتفعيل عمل لجان الرقابة والتفتيش، وهو ما ولد زيادة تجاوزت 50 في المئة من أعداد العاملين المسجلين في صندوق الضمان خلال فترة عام واحد فقط، بحسب قوله.

 رئيس اتحاد الصناعيين العراقيين عادل عكاب
رئيس اتحاد الصناعيين العراقيين عادل عكاب

نقابات متعددة 

وبالرغم من وجود ثماني نقابات واتحادات تمثل شريحة العمال، فإن العامل العراقي يعاني من مشاكل عديدة متراكمة  مثل التمييز، فالحد الأعلى لرواتب تقاعد العمال لا يتجاوز أربعمائة ألف دينار عراقي، بينما يكون الحد الأدنى لرواتب تقاعد الموظفين الحكوميين  خمسمئة ألف دينار. وأيضا جشع أصحاب العمل وضعف القانون ساهما في تهميش العمال وحرمانهم من حقوقهم، وكذلك انشغال رؤساء تلك النقابات في الصراع في ما بينهم على المنافع الخاصة بهم وبنقاباتهم جعلهم يغفلون مشاكل العمال ومعاناتهم.

يقول العامل في مجال النجارة علي الشمري  (39 عاما ) أن النقابات العمالية لا تنزل إلى الشارع لتتواصل مع العمال، وتستمع إلى همومهم: “النقابات تهتم بمصالحها ومكاتبها وسفراتها دون أن تهتم لحقوقنا المسلوبة كالمساواة مع الموظفين وساعات العمل وعمالة الأطفال والمضايقات، هي تطالبنا بالضمان فقط دون أن تعمل على إجبار أصحاب العمل على تضميننا أو تساعدنا حال تعرضنا للإصابة والوفاة”.

تعديل القوانين والإنصاف 

ينص قانون العمل رقم 37 لسنة 2015 وقانون التقاعد والضمان الاجتماعي على عقوبة بغرامة مالية أو السجن لصاحب العمل الذي لا يسجل جميع العاملين لديه في صندوق الضمان الاجتماعي لضمان حصولهم على التقاعد، لكن رغم هذا يرى ممثلو نقابات العمال أن القوانين المرتبطة بالعمل هي قوانين غير منصفة ولا تلبي احتياجات العامل العراقي ومتطلباته الحياتية، وأبرزها المساواة مع أقرانهم في القطاع العام.

وعن هذا الأمر يوضح أمين العلاقات في الاتحاد العام لنقابات عمال العراق، تحسين نديم، أن الإجحاف بحق العامل كبير وهناك فجوة بينه وبين الموظف الحكومي، فإن أعلى حد لتقاعد العامل هو 400 ألف دينار عراقي (حوالي 270 دولارا ) بينما يبلغ الحد الأدنى لتقاعد الموظف الحكومي 500 ألف دينار عراقي (حوالي 340 دولار ) أضف إلى ذلك أن قانون التقاعد والضمان الاجتماعي رقم 39 لسنة 1971 هو قانون بائس، كما يصفه، ولا يعالج الكثير من المشاكل أو يواكب التطورات الحياتية التي حصلت في مجال العمل، وهو حال قانون التنظيم النقابي رقم 52 لسنة 1987 الذي يحتوي هو الآخر نفس المشاكل السابقة ويحرم العمال في القطاع العام من التنظيم النقابي، مشيرا إلى أن الاتحادات والنقابات العمالية عملوا على إنجاز مسودتين لمشروع قانونين بديلين عن القوانين المؤشرة، لكن المسودتين معطلتان لدى مجلس شورى الدولة، وهناك تعطيل لإقرارها وبالأخص قانون التنظيم النقابي بينما ننتظر إقرار قانون التقاعد الجديد في البرلمان.

مصائب مجتمعة

رغم تعدد النقابات ووجود وزارة للعمل، يرى الناشطون في مجال حقوق العمال، أن العامل العراقي يرزح تحت مصائب عدة منها غياب القدرة على تطبيق القانون والحصول على الحقوق، ويبقى كثير من العمال دون ضمان أو معيل جراء إصابات أو حوادث تعرضوا لها في ضل سطوة أصحاب العمل وجشع البعض منهم ممن يستند إلى ضعف القانون وتطبيقه وقلة فرص العمل وشحتها في العراق بعد أن بلغت نسبة الفقر في أحد أغنى البلدان في العالم 25 في المئة وفقا لوزارة التخطيط، ووجود أكثر من 1.6 مليون عاطل عن العمل وفق المسجلين لدى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية إضافة لوجود 1.5 مليون عامل أجنبي في البلد وفقا للجنة العمل النيابية.

وإلى جانب كل تلك العوامل، فإن انخفاض دخل العامل يجعل من الصعب عليه تحمل الاستقطاع المطلوب للضمان، وهكذا ينصرف اهتمامه إلى توفير لقمة العيش اليومية لأسرته دون  التفكير في المستقبل.أسعد زلزلي – أربيل

التعليقات معطلة.