المسارات السياسية المتوفرة مع دخول العراق في “الفراغ الدستوري”
يرى مراقبون أن العودة إلى توافقات “البيت الشيعي” باتت صعبة جداً خصوصاً مع تعمق الخلافات بين التيار الصدري والإطار التنسيقي
أحمد السهيل مراسل @aalsuhail8 السبت 9 أبريل 2022 13:27
لا تلوح في الأفق أي ملامح تقارب بين الأطراف السياسية المختلفة في العراق (رويترز)
لا تبدو الأزمة التي يمر بها العراق نتيجة الخلافات بين القوى السياسية حول شكل الحكومة المقبلة في طريقها إلى الانفراج، خصوصاً بعد انقضاء مهلة الشهر التي وضعتها المحكمة الاتحادية كحد أقصى لانتخاب رئيس جديد للجمهورية في 6 أبريل (نيسان) الحالي.
ودخل العراق وفق مختصين قانونيين، “حالة هلامية” لا يمكن تفسيرها أو إيجاد مخارج منها، خصوصاً أن الدستور العراقي لم يضع أي عواقب بحال تجاوز المهل الدستورية، وهو الأمر الذي سيُدخل المحكمة الاتحادية عاجلاً أم آجلاً كطرف لحل النزاع القائم.
مخارج من “الفراغ الدستوري”
وتدور النقاشات في الفترة الحالية حول مخارج للفراغ الدستوري الذي بدأ عملياً بعد السادس من أبريل الحالي، حيث أجاب الخبير القانوني علي التميمي عن تساؤل “ماذا بعد 6 أبريل دستورياً؟” بالقول إن قيام رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي “برفع جلسة انتخاب رئيس الجمهورية إلى إشعار آخر يعني أن الجلسة ستكون مستمرة”، مبيناً أن “معنى الجلسة مستمرة أي أنها افتُتحت بنصاب قانوني وتُفتتح في المرة المقبلة بالنصاب ذاته، وهذا يرفع الحرج عن رئيس البرلمان”. وأوضح التميمي أن “الجلسة المستمرة تعني أن رئيس البرلمان لم يحدد يوماً يُعَد خارج إطار ما قدمته المحكمة الاتحادية من تفسير، أي تبقى الجلسة وكأنها ما زالت بتاريخ انعقاد يسبق يوم السادس من أبريل”.
وأشار التميمي إلى أن “على رئيس الجمهورية الحالي برهم صالح وفق المادة 67 من الدستور أن يستفتي المحكمة الاتحادية العليا لمعرفة رأيها في ما وصلت إليه الإجراءات الدستورية لإيجاد مدة أخرى”.
وبشأن مصطلح “الفراغ الدستوري”، لفت التميمي إلى “عدم وجود شيء اسمه فراغ دستوري”، مبيناً أن ما يجري هو “خلافات سياسية انعكست سلباً على الإجراءات الدستورية”.
وختم بالقول إنه على الرغم من الحديث عن “فراغ دستوري” فإن “عمل رئيس الجمهورية الحالي برهم صالح سيستمر وفقاً لقرار المحكمة الاتحادية رقم 24 لعام 2022 إلى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فضلاً عن استمرار حكومة مصطفى الكاظمي في تصريف الأمور اليومية”.
هل يتنازل أحد طرفي الخلاف؟
في السياق السياسي، لا تلوح في الأفق أي ملامح تقارب بين الأطراف السياسية المختلفة وتحديداً “الكتلة الصدرية” التي اختار زعيمها، مقتدى الصدر، الاعتكاف لأكثر من شهر، و”الإطار التنسيقي” للقوى الشيعية، الذي يبدو عاجزاً عن صوغ أي تفاهمات سياسية إضافية تمكنه من التفاوض مرة أخرى مع التيار الصدري.
وعلى الرغم من نأي المحكمة الاتحادية بنفسها عن الجدل الدائر، فإن حالة الانسداد السياسي التي تعيشها البلاد حولت أنظار السياسيين مرة أخرى صوب المحكمة الاتحادية، في محاولة لإيجاد مخرج من المأزق السياسي الحالي.
وبدأ تعقيد المسار السياسي في البلاد بعد التفسير الجديد للمادة 70 من الدستور، الذي اشترط حضور ثلثَي أعضاء البرلمان، لعقد جلسة انتخاب الرئيس، ما عقَّد إمكانية إمرار مرشح تحالف “إنقاذ وطن” للرئاسة، ريبر أحمد.
ويبدو أن الضغط على المحكمة الاتحادية لإيجاد مخرج دستوري من حالة الانسداد السياسي القائمة سيكون المسار المقبل لغالبية القوى السياسية، وتحديداً تحالف “إنقاذ وطن” الذي يمتلك أغلبية مريحة تؤهله لتشكيل الحكومة المقبلة.
ورأى رئيس “المركز العربي الأسترالي للأبحاث” أحمد الياسري، أن “العراق لطالما دخل في الفراغ الدستوري مع اقتراب تشكيل أغلب الحكومات بعد عام 2003″، مبيناً أن “ما يجري ليس المرة الأولى التي تدخل فيها البلاد حالة من الفراغ الدستوري”. وأضاف أن “المحكمة الاتحادية لطالما ملأت تلك الفراغات الدستورية من خلال إعطاء فسحة للحراك السياسي، وإصدار تعريفات جديدة للقفز على المدد الدستورية في البلاد”.
وعلى الرغم من تكرار الفراغ الدستوري في العراق فإن المشهد السياسي هذه المرة يبدو “متفاعلاً وليس جامداً”، بحسب الياسري، الذي أوضح أن “اختلاف الفراغ الدستوري هذه المرة عن المرات السابقة يتعلق بأنه سيفضي إلى سقوط أحد الفريقين، إما التحالف الثلاثي وإما الإطار التنسيقي، خصوصاً مع تمسك الفريقين بمطالبهما وعدم تقديم تنازلات”. وأشار الياسري إلى أن “تصدع الإطار التنسيقي يُعد الخيار الأقرب”، لافتاً إلى وجود عدة سيناريوهات محتملة من بينها “إمكانية استقطاب كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني، أو انفضاض القوى المستقلة من الإطار”. وتابع أن “الخلافات بين التحالف الثلاثي من جهة، والاتحاد الوطني الكردستاني من جهة أخرى ليس منهجياً بل يتعلق بمناصب المرحلة المقبلة”.
وختم أنه “على الرغم من تعدد سيناريوهات الحلول للانسداد السياسي فإن النتائج لا يمكن التكهن بها، خصوصاً مع التقلبات الكبيرة التي لطالما حصلت في المسار السياسي العراقي، وعدم وجود منهجية في بناء مواقف الكتل المختلفة في البرلمان”.
اقرأ المزيد
- جمود الاستحقاقات الدستورية يدخل العراق في “نفق مظلم”
- غياب التوافق يعرقل انتخاب رئيسي الجمهورية والوزراء في العراق
- العراق يقر خطة لسداد دينه الداخلي على مدى 3 سنوات
- صراع على صلاحيات البرلمان العراقي يهدد التحالف الثلاثي
- “الانسداد السياسي” في العراق: تعطيل الثورة ومفاعيل الانتخابات
- العواصف الترابية تسيطر على أجواء العراق وتخلف عشرات المصابين
حل البرلمان… مناكفة لا أكثر
وعلى الرغم من تواتر عبارة “حل البرلمان” أو الانتخابات المبكرة الجديدة، لا يبدو أن تلك الفكرة تتعدى حدود المناكفة بين الأطراف المختلفة، إذ يرى مراقبون أن إعادة الانتخابات ستمثل مغامرة غير محسوبة بالنسبة إلى القوى السياسية حتى ضمن قوى “الإطار التنسيقي” للقوى الشيعية.
ورأى أستاذ العلوم السياسية، عصام الفيلي، أن “مخارج الأزمة السياسية في البلاد تبدو شحيحة، خصوصاً مع تعويل كل الأطراف على عامل الوقت، اعتقاداً منه بأن الطرف الآخر سيتنازل”. وأضاف أن “أحد المخارج المطروحة تتعلق بإمكانية تقديم مجموعة من المحامين شكوى إلى المحكمة الاتحادية يطالبون فيها بإيجاد مخرج للإشكالية”، مبيناً أن المحكمة “ستكون محرَجة لأنها قدمت كل تفسيراتها وتحديداً ما يتعلق بحل البرلمان الذي قالت إنه يجب أن يكون من خلال البرلمان نفسه ولا علاقة لها به”.
وتابع أن “المحكمة لم تعد تمتلك آليات ضغط قادرة على تسريع عملية تشكيل الحكومة المقبلة”.
وبشأن المخارج السياسية للأزمة، بين الفيلي أن السبيل الوحيد أمام تحالف “إنقاذ وطن” و”الإطار التنسيقي”، يرتبط بمدى تقبل كل طرف منهما بـ”إعادة النظر بشروطه على الآخر”، مشيراً إلى أن، “التصريحات الأخيرة التي تؤكد رغبة الصدر بإخضاع الفصائل المسلحة إلى سلطة الدولة، بعيداً من تأثير الإرادات العقائدية، ستزيد منسوب مخاوف قوى الإطار التنسيقي”.
لا حلول ولا تنازلات
في المقابل، اعتبر أستاذ العلوم السياسية، هيثم الهيتي، أن “استنزاف كل المدد الدستورية يجعل حلول الانسداد السياسي صعبة جداً”، مبيناً أن ما يجري في البلاد يشير بشكل واضح إلى “الفشل في صميم النظام السياسي العراقي”. وأضاف أن “ما يرشح إلى السطح هي الخلافات السياسية بين الطرفين من خلال المساحة البرلمانية، إلا أن سلاح الميليشيات ما يزال عنصراً فاعلاً في حسم الملفات السياسية في البلاد، وهذا الأمر يعقّد الإشكالية بشكل كبير”.
وعلى الرغم من استبعاد غالبية الباحثين فكرة الانتخابات المبكرة، صرح الهيتي أن “هذا الخيار ما يزال مطروحاً كحل أخير للأزمة السياسية التي تعيشها البلاد، خصوصاً مع عدم استعداد أي طرف للتنازل، واستصعاب تفكيك أي تحالف سواء الأغلبية الوطنية أو الثلث المعطل”، مبيناً أن، “استمرار الأزمة قد يؤدي إلى تبلور رأي شعبي يدعو إلى إعادة الانتخابات”.
وكان زعيم “ائتلاف دولة القانون”، نوري المالكي، أوضح في 6 أبريل، فحوى مبادرة “الإطار التنسيقي” من خلال إعادة الحديث عن ضرورة أن تكون الكتلة الكبرى في البرلمان العراقي “شيعية حصراً”.
وقال المالكي في تصريحات متلفزة، إن “الكتلة الكبرى يجب أن تكون شيعية حصراً، وفق العرف السائد، ولا يمكن التلاعب بالمساحة التي تخص المكون الأكبر من الشعب العراقي، والمسؤولة عن تحديد رئيس الوزراء وشكل الحكومات”.
وتابع أن، “كل الخيارات الأخرى، غير التوافق، غير مقبولة بالمرة من قبل الإطار التنسيقي بخاصة ذلك القائم على حل البرلمان والاتجاه إلى انتخابات جديدة، إذ ما تزال تداعيات الانتخابات الماضية قائمة”.
في المقابل، يبدو أن مواقف الكتل الرئيسة في تحالف “إنقاذ وطن” متماسكة، على الرغم من الانسحاب المؤقت للتيار الصدري وإعطاء الصدر مهلة 40 يوماً لقوى “الإطار التنسيقي” لتشكيل الحكومة المقبلة.
ويرى مراقبون أن العودة إلى توافقات “البيت الشيعي” باتت صعبة جداً خصوصاً مع تعمق الخلافات بين التيار الصدري وبقية الأطراف، فضلاً عن أن تقديم الصدر تنازلات للإطار هذه المرة، سيؤدي إلى خسارته الكثير سواء على مستوى الشارع العراقي أو الحراك السياسي.
وما يزال الترقب مستمراً لما سيسفر عنه الحراكان السياسي والقانوني خلال الفترة المقبلة، وما إذا كان الانسداد السياسي في طريقه إلى الانحسار أم أن الأزمة ستزداد عمقاً.