بعد 19 عاما على الغزو الأميركي… هل شارف نظام المحاصصة في العراق على النهاية؟
مثّل بالنسبة لصانعي القرار السياسي آلية دفاع لحماية مصالحهم في الدولة
أحمد السهيل مراسل @aalsuhail8 الاثنين 11 أبريل 2022 5:49
يقول مراقبون إن تشكيل الحكومة المقبلة سيمثل الاختبار الحقيقي للقوى السياسية العراقية (رويترز)
مع مرور الذكرى 19 للغزو الأميركي للعراق تتزايد التساؤلات بشأن شكل النظام السياسي في البلاد وما إذا كان نظام المحاصصة والديمقراطية التوافقية قد شارف على النهاية أم أن أركان النظام الرئيسية ستعيد ترميم هذه المعادلة.
ولعل ما حفّز تلك التساؤلات للظهور مع الذكرى الـ19 للغزو الأميركي، هي الخلافات السياسية الشديدة بين الأطراف المختلفة في البلاد وظهور مشروع “الأغلبية الوطنية” الذي يرفعه تحالف “إنقاذ وطن” مقابل محاولات “الإطار التنسيقي للقوى الشيعية” العودة إلى توافقات “البيت الشيعي”.
وبالرغم من التعقيدات الشديدة التي تحيط بالمشهد السياسي العراقي، لا يزال التحالف الثلاثي “إنقاذ وطن” والذي يضم “الكتلة الصدرية” و”الحزب الديمقراطي الكردستاني” و”تحالف السيادة” مصراً على موقفه إزاء تشكيل حكومة “أغلبية وطنية” مقابل إزاحة الأطراف الموالية لإيران صوب المعارضة.
نظام ما بعد 2003… “تصدع وتداع”
وبالرغم من التحفظات وعدم الثقة في الشارع العراقي من غالبية الأطراف السياسية، إلا أن هذا الحراك سيمثل إلى حد ما كسراً للأعراف السياسية التي سادت بعد الغزو الأميركي وعلى رأسها تحكم البيوت الطائفية بتشكيل الرئاسات الثلاث.
ويعتقد رئيس مركز “كلواذا” للدراسات، باسل حسين، أنه “من الصعب القول بأن نظام المحاصصة قد شارف على نهايته، لا سيما وأن القوى المستفيدة من مفهوم التوافقية السياسية ما بعد عام 2003 ما تزال تهيمن بشكل أو بآخر على الدولة”.
ومثلت المحاصصة السياسية بالنسبة لصانعي القرار السياسي في العراق “آلية دفاع لحماية مصالحهم في الدولة العراقية”، كما يعبر حسين الذي يشير إلى أن، تلك المعادلة السياسية بدأت بـ”التصدع والتداعي” وهو الأمر الذي “يعطي انطباعاً أن تغيير شكل السلطة في البلاد بات أمراً شبه حتمي”.
ويبدو أن المشكلة الرئيسة في العراق لا تتعلق بـ”تغيير قواعد الحكم وآليات تشكيل الحكومة فحسب”، بحسب حسين الذي يقول “جزء كبير من المعضلة العراقية يتعلق باستمرار تحكم قواعد نظام المحاصصة بالحراك السياسي في البلاد تحت عناوين مختلفة”.
ويشير حسين إلى أن “تداعي القوى أو تراجع القوى التقليدية مثل حزب الدعوة والمجلس الأعلى والحزب الإسلامي العراقي، مثلت فرصة مهمة لإنهاء نظام المحاصصة السائد منذ عام 2003، إلا أن عدم استثمار تصاعد النزعة الوطنية العراقية في مشروع سياسي واضح المعالم سيؤجل هذا التحوّل”.
أهم ذكرى لسقوط النظام السابق
يبدو أن المفارقة الأبرز التي يطرحها المراقبون للشأن العراقي تتعلق بأن الجماعات الموالية لإيران والتي تعلن عدائها المستمر للولايات المتحدة الأميركية ورفعها شعار “المقاومة”، باتت القوى الوحيدة المتمسكة بـ”نظام التوافق والمحاصصة” الذي أسسه الغزو الأميركي للبلاد.
ولم يتوان موالو طهران عن التعبير عن استيائهم إزاء أي فكرة من شأنها إلغاء التوافق على الأقل في سياق “البيت الشيعي”، وهو ما دفع بقادة وازنين في “الإطار التنسيقي” في أكثر من مناسبة إلى استخدام عبارات تحذر من “الحرب الشيعية – الشيعية” وانزلاق الأوضاع الأمنية في حال استبعادهم من تشكيل الحكومة المقبلة.
ويرى الكاتب والصحافي العراقي، محمد عزيز، أن ذكرى الغزو الأميركي هذه تمثل “أهم ذكرى لسقوط النظام السابق، خصوصاً مع وقوف النظام السياسي الحالي أمام مفترق طرق للمرة الأولى مع وجود مشروع وليد أسمه التحالف الثلاثي والذي يضم عرباً وكرداً، شيعة وسنة”.
ويضيف لـ”اندبندنت عربية”، أن هذا التحالف الجديد يمثل إلى حد ما “كسراً للعرف السائد منذ عام 2003 والذي يشترط أن يكون التحالف المكوّن للحكومة شيعياً خالصاً”.
على الرغم من “التحفظات الكثيرة وعدم الثقة ووجود تناقضات داخل التحالف الجديد”، بحسب عزيز فإنه يمثل “نواة مشروع لتجاوز معادلة ما بعد 2003 التي يحاول السلاح الموالي لإيران الإبقاء عليه”.
ويبدو أن الموجة التي تسببت بها تظاهرات أكتوبر (تشرين الأول) 2019، “قادت إلى فرصة لتغيير وجه المعادلة السياسية في البلاد وهو ما نعيشه الآن”، كما يعبّر عزيز الذي يشير إلى أن الأسابيع القليلة المقبلة ستكون كفيلة بتبيان “ما إذا كان صانع القرار الإيراني سيتمكن إعادة إحياء البيوت المكوناتية من خلال بث الروح مرة أخرى بالبيت الشيعي، أم أعضاء التحالف الثلاثي سيصمدون”.
ويختم عزيز أن “الضمانات في سياق التغيير الشامل لمعادلة الحكم في البلاد ليست حتمية، خصوصاً مع عدم وضوح مواقف الحزب الديمقراطي الكردستاني والقوى السنية في تحالف السيادة، لكنها ما تزال محاولة جديدة أطلقت شرارتها تظاهرات أكتوبر وقد تقود إلى مسار جديد في شكل هذه الدولة”.
محاولات “بث الروح في نظام التوافق”
ويرى مراقبون أن تشكيل الحكومة المقبلة سيمثل الاختبار الحقيقي للقوى السياسية العراقية ومدى جديتها في تجاوز جزء كبير من أعراف حكومات ما بعد الغزو الأميركي لامتصاص الغضب الشعبي نسبياً.
ويعتقد الكاتب والصحافي أحمد الشيخ ماجد أن كل ما يدور الآن من تعقيد في المشهد السياسي يعود إلى “محاولات بث الروح مرة أخرى في نظام ما بعد الغزو الأميركي والتوافقية السياسية والمحاصصة الطائفية”.
ويشير في حديث لـ”اندبندنت عربية” إلى أن “احتجاجات العراق الأخيرة ساهمت بشكل كبير في تغيير معادلة السلطة في المرحلة الحالية، حيث لم تعد المساحة الطائفية قادرة على التأثير في الجمهور أو استقطاب الناخبين”، مبيناً أن هذا الأمر هو “المحفّز الرئيس لإطلاق مشاريع سياسية تحاول التماهي إلى حد ما مع رغبات العراقيين”.
وبالرغم من الصراع القائم بين ما بات يطلق عليه “الأغلبية الوطنية” مقابل محاولات القوى الموالية لإيران إعادة سيناريو “البيت الشيعي المتحكم بتشكيل الحكومة”، لا يرجح الشيخ ماجد النهاية التامة لنظام المحاصصة في السياق السياسي، مبيناً أن إحدى أبرز العقبات أمام التغيير هي “تمسك الأطراف المسلحة الموالية لإيران بمعادلة الغزو الأميركي السياسية”.
ويعتقد ماجد، أن تشكيل الحكومة المقبلة وفق نظرية “الأغلبية السياسية” لن تنهي المحاصصة تماماً إلا أنها ستمثل “بادرة نشوء صراع حول صناعة معادلة جديدة مغايرة لمعادلة ما بعد الغزو الأميركي على الرغم من العقبات التي يضعها حلفاء إيران في طريقها”.
ولعل المفارقة الأبرز على الساحة السياسية العراقية بعد 19 عاماً على الغزو الأميركي، بحسب ماجد، تتمثل بأن “المليشيات الموالية لإيران باتت أشد المدافعين عن الأسس الأميركية في النظام السياسي العراقي”.
ويختم أن، بوادر انهيار نظام المحاصصة الطائفية بدأت بـ “غياب صناع نظام ما بعد الغزو الأميركي عن المشهد السياسي، والذين تمت معاقبتهم من قبل العراقيين”.
لا عودة إلى “الفرص الأخيرة”
في المقابل، يعتقد رئيس “مركز التفكير السياسي”، إحسان الشمري، أن “عرف التوافق أثبت فشله في العراق، والاستمرار بهذا النهج وجعله عرفاً يقفز على الدستور أصبح ذو تبعات كبيرة تهدد وجود النظام السياسي نفسه”.
ويضيف الشمري أن عدم التحوّل في نهج الحكم في العراق خلال السنوات الماضية مثّل “العامل الرئيس الذي شكّل دوافع الانتفاضة العراقية الأخيرة”، مبيناً أن الانتفاضة العراقية “مثلت إلى حد كبيرة نقطة تحوّل أخرى في السلوك السياسي للعديد من الأطراف الممثلة للنظام”.
ومنذ عام 2018 لطالما ترددت عبارة “حكومة الفرصة الأخيرة” في محاولة لإعادة إنعاش النظام التوافقي في البلاد وامتصاص الغضب الشعبي، إلا أن تلك المحاولات لم تنجح وأفضت في النهاية إلى اشتعال الشارع العراقي في انتفاضة أكتوبر 2019.
ويعتقد الشمري أن “حكومات الفرص الأخيرة لم تعد مجدية وبات النظام السياسي يبحث عن بدائل للتبيع من جديد مع المجتمع العراقي”، مبيناً أن الفرصة الأخيرة كانت “شعاراً لتضليل الرأي العام”.
وبحسب الشمري، فإن الصراع السياسي القائم “لا يمثّل سعياً لإزاحة أعراف ما بعد 2003 بقدر كونه محاولة للتكيف مع المتغيرات الاجتماعية الضاغطة على الفاعلين السياسيين لعدم تكرار الانفجار الاجتماعي الذي حصل في أكتوبر 2019”.
ويختم أن، “إزاحة هوية نظام ما بعد 2003 ترتبط بعدة عوامل على رأسها “مدى إمكانية إيجاد بدائل ونخب سياسية جديدة تستبدل اركان النظام الحالي”، مبيناً أن الانخفاض النسبي في شعبية قوى الإسلام السياسي الشيعي يمثل “فرصة مهمة للقوى الناشئة في صناعة معادلة جديدة”.