1

المنافذ ملف شائك آخر يتفاعل بين حكومتي أربيل وبغداد

انتقادات للحكومتين في التعامل مع قرارات حظر الاستيراد

باسم فرنسيس صحافي @basimhanna  الثلاثاء 12 أبريل 2022 5:44

مزاعم بوجود العديد من المنافذ الحدودية غير رسمية معظمها في كردستان (رويترز)

بعد قرارها منع استيراد عدد من المنتجات الزراعية في المنافذ الاتحادية، تتعرض حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى حملة انتقادات لعجزها في فرض قرارات مماثلة على مناطق إقليم كردستان، فيما يعيش الأكراد ضغوطاً متزايدة على الصعيدين الداخلي والاتحادي لفرض السيطرة والضوابط على منافذ الإقليم المنقسمة وفقاً للنفوذ المناطقي بين الحزبين الحاكمين.

وكانت وزارة الزراعة الاتحادية تقدمت بطلب عاجل لمجلس الوزراء الاتحادي “بوقف استيراد 52 منتجاً ومواد زراعية، وكذلك وقف حركة نقلها من إقليم كردستان إلى باقي محافظات العراق (حتى لو كانت منتجة في الإقليم)”. ودعا وزير الزراعة محمد كريم “الجهات المعنية بتوجيه من مكتب رئيس الوزراء باتخاذ الإجراءات اللازمة بشأن تنفيذ القرار وضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية بشأن المتسرب منها إلى الأسواق المحلية”. 

لكن كريم عاد وكشف في لقاء متلفز عن وجود خلاف بينه وبين الكاظمي بسبب أن الأخير “أمر بفتح الاستيراد، وامتعض من إجابتي على قرار فتح استيراد هذه المواد التي يتم إنتاجها محلياً أيضاً، وقد أدى موقفي هذا إلى قطيعة معه منذ ثلاثة أسابيع”. 

وعلى إثر ارتفاع في أسعار السلع أعلنت الحكومة العراقية في 6 من الشهر الجاري، عن إعادة فتح باب استيراد المواد الغذائية كافة لمدة ثلاثة أشهر، بعد ما كانت منعت استيراد محاصيل الخضراوات لوفرة المنتوج المحلي.

ازدواجية في القرار

ويزعم مسؤولون ونواب في الحكومة والبرلمان الاتحاديين “وجود العديد من المنافذ الحدودية غير رسمية معظمها في كردستان”، ويتهمون حكومة الكاظمي “بالعجز عن إخضاع تلك المنافذ لهيئة المنافذ الاتحادية،”، كما يحملون الأكراد مسؤولية ضرب الإنتاج المحلي عبر عدم الالتزام بالقرارات الاتحادية المتعلقة بوقف استيراد المحاصيل التي تحقق بحسب مواسم زراعتها الاكتفاء الذاتي. 

واتهم نائب محافظ كربلاء علي الميالي الحكومة الاتحادية “بتخصيص استيراد المواد الغذائية عن طريق المنافذ الحدودية الشمالية (إقليم كردستان) حصراً مما يؤدي إلى مضاعفة المبالغ على المحاصيل بسبب الابتزاز التي تمارسه السيطرات وارتفاع أجور النقل”، كما اتهم عضو “ائتلاف دولة القانون” عباس المالكي رئيس الحكومة في تصريحات بأن “قرار غلق المنافذ في الوسط والجنوب منح كردستان الفرصة للسيطرة على السوق المحلية، بعد أن أجبر التجار لإدخال بضائعهم من منافذ الإقليم التي تذهب إيراداتها إلى حكومة كردستان وليست الحكومة الاتحادية”.

العضو الآخر في الائتلاف تركي جدعان وجه رسالة إلى الكاظمي حذر فيها من “ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية والأغذية في محافظة ديالى، بينما تبقى منافذ كردستان مفتوحة لدخول كل المواد من دون أي رقابة”، داعياً إلى “ضرورة السماح الفوري بدخول المواد فوراً من منافذها، لأن المحافظة تعتمد كلياً على المستورد، وليس من كردستان، تجنباً لكلفة النقل التي تصعد من الأسعار”. 

وشهدت محافظة البصرة الأسبوع الماضي احتجاجات غاضبة على منع السلطات دخول الخضراوات عبر منافذها الحدودية والسماح لدخولها من المناطق الكردية، ما أدى إلى ارتفاع في أسعار المنتجات الزراعية، رغم إعلان سلطات منفذ الشلامجة السماح لدخول البضائع عبر المنفذ، وشددوا على “أهمية السماح بعبور الخضروات أسوة بكردستان، التي من غير المعقول أن نعطيها النفط ولا تقدم لنا شيئاً”، زاعمين “وجود أكثر من 20 منفذاً في كردستان تدخل من خلالها شتى البضائع بينما لا يتم السماح سوى لدخول بضع مواد من أربع منافذ في البصرة كلها تنحصر بالمواد الإنشائية”، وكشفت وسائل إعلام محلية عن ما وصفتها بتسريبات تفيد بأن “دخول المواد الغذائية من المنافذ الجنوبية مشروط بإجازة استيراد التي تمنح فقط لمتنفذين، والذين يأتون بالبضائع من كردستان حصراً، ضمن صفقات فساد”.  

مواقف متضاربة

في المقابل أكد مدير جمارك الإقليم سامال عبد الرحمن لـ”اندبندنت عربية”، “صدور قرار من بغداد يمنع بموجبه دخول بضائع ومنتجات من الإقليم نحو المحافظات العراقية، لكن لم تصلنا تعليمات بشكل رسمي”، معرباً عن أسفه للخطوة قائلاً إنها “تأتي في وقت توصلت لجنة من الطرفين إلى بعض التفاهمات، منها إصدار صحيفة زراعية عامة، ومنذ أن كانت لجنتنا تجري مباحثات في بغداد فإن قرارات قد صدرت، وتم إجراء تعديل على قرارات أخرى”. 

وأعادت حكومة الكاظمي في فبراير (شباط) الماضي العمل بقرار وضع سيطرات الجمارك مع كردستان “لحماية المنتج المحلي”، عقب فشل مباحثات الطرفين لوضع إدارة مشتركة في المنافذ الحدودية وفق اتفاق موقع عام 2019 ينص على تسليم أربيل جزء من عائدات الجمارك لبغداد، مقابل دفع الأخيرة مستحقات الإقليم ضمن الموازنة العامة أسوة بباقي المحافظات.

وحول عدد المعابر في الإقليم أكد عبد الرحمن “وجود خمسة منافذ تجارية، وأربعة منافذ دولية”، مبيناً أن “الادعاءات بوجود منافذ غير رسمية عارية عن الصحة، وإنما هناك منافذ للتبادل التجاري حصراً يمنع فيها تنقل الأفراد، وتتوفر فيها المستلزمات المتعلقة بالسيطرة النوعية والفحص والميزان وغيرها”، مردفاً بالقول إن “أعضاء من اللجنة الاتحادية سبق وتفقدوا هذه المعابر وتقرر أن يستمر العمل فيها لحين تسجيلها لاحقاً في وزارة الداخلية، وهذا لا يعني أنها غير رسمية”، واستدرك “لكن موافقة الحكومة الاتحادية بهذا الشأن ما زال معلقاً بسبب الوضع السياسي القائم بين أربيل وبغداد”. 

غياب للدولة

ويرى مراقبون أن الفوضى الإدارية والفساد وغياب الرقابة في المنافذ على الجانبين الكردي والاتحادي، ناجم عن تفوق نفوذ الأحزاب والميليشات على مؤسسات الدولة، ما يلحق أضراراً بالغة بالمنتج المحلي نتيجة لإغراق السوق المحلية بالبضائع المستوردة خصوصاً القادمة من دول الجوار، وتحديداً تركيا وإيران، وأن الإجراءات المتخذة لفرض سيطرة الدولة على حركة البضائع قد تكون غير مجدية مع “وجود شبكات فساد”.     

اقرأ المزيد

وحول توجيه سياسين ونواب من الجانب الاتحادي اتهامات للإقليم بعدم الخضوع لقرارات بغداد والتسبب في إلحاق الخسائر بالمنتج المحلي قال عبد الرحمن “هذه التهم تفتقر للأدلة، وغالباً أنها جزء من الحرب الإعلامية القائمة بين الإقليم وبغداد، وللأسف أنها تنعكس سلباً على كل مفاصل الحياة، مع وجود من يعمل على المزايدات السياسية”، لافتاً إلى أن “باب الاقليم كان مفتوحاً دائماً للمشككين، حتى أن اللجان التي جاءت لم ترصد أية مخالفة حمراء، وقلنا لهم يمكنكم تفقد المنافذ لكي تطلعوا مباشرة على آلية العمل فيها، ثم زار السيد الكاظمي شخصياً معبري إبراهيم الخليل وباشماخ، وأشاد بالكفاءة فيها مقارنة ببقية المنافذ الاتحادية، حيث نستخدم نظاماً إلكترونياً صارماً يمنع أية مخالفات أو تدخلات، وإذا ما كانوا يمتلكون أية أدلة يمكنهم اللجوء إلى القضاء”. 

ورفض قسم الإعلام في “الهيئة العامة للجمارك الاتحادية” الادلاء بتصريح حول القرارات الأخيرة، لكن الناطق باسم “هيئة المنافذ الحدودية الاتحادية” علاء الدين القيسي اكتفى بالقول إن “جميع المنافذ في إقليم كردستان لا تخضع للإشراف من قبل الحكومة الاتحادية”، نافياً علمه “بعدد تلك المنافذ سواء الرسمية وغير الرسمية”.    

تقاسم المنافذ 

ولا تنحصر أزمة إدارة المنافذ بين حكومتي بغداد وأربيل، إذ تصاعدت أخيراً حدة الاتهامات داخل الإطار الكردي، بين الحزبين الحاكمين في الإقليم “الديمقراطي” بزعامة مسعود بارزاني” ونظيره “الاتحاد الوطني” بزعامة بافل طالباني حول الاستحواذ على الإيرادات في المنافذ المقسمة وفقاً للثقل السياسي والعسكري للحزبين بين أربيل التي تخضع لنفوذ حزب بارزاني والسليمانية حيث نفوذ حزب طالباني، في وقت يعانيان فيه من تأمين المرتبات وسط غضب شعبي من تفاقم الوضع المعيشي مع ارتفاع غير مسبوق في الأسعار والضرائب.    

وإزاء انعكاسات القرارات الاتحادية على الأسعار في الإقليم يرى عبد الرحمن أن “ذلك يقع في أغلبه على كاهل المواطن في مناطق الوسط والجنوب، فيما يكون تأثيره محدوداً على الإقليم، باستثناء بعض منتجات الفلاحين أو التجار”، مشيراً إلى أن “مثل هذا القرار لا يتوائم مع مبدأ وحدة العراق الذي يؤكدون عليه”.

وأكد تجار ومسؤولون في إدارة سوق بيع الخضار بالجملة في كل من أربيل والسليمانية ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية المستوردة، عازين الأسباب إلى “ارتفاع أسعارها من بلد المنشأ، فضلاً عن تأخر موسم المنتجات المحلية عن موعده المعتاد جراء برودة الطقس، مشيرين إلى ارتفاع سعر بعض المنتجات بنحو مضاعف.  

“منافذ خارج السيطرة”

نواب من حزب طالباني اتهموا حزب بارزاني بالتعمد في قطع حصة السليمانية من الإيرادات والتعمد في خلق أزمة المرتبات، وكشف أخيراً النائب كاروان كزنيي قوله إنه تأكد عبر وزارة مالية الإقليم من وجود خمسة معابر رسمية، إلى جانب 20 معبراً حكومياً غير رسمي لا تحول إيراداتها إلى خزينة الحكومة”، ونوه إلى أن “لا أحد في وزارة المالية يعلم شيئاً عن حجم إيرادات معبر إبراهيم الخليل (المنفذ الرئيس مع تركيا) وحاج عمران (المعبر مع إيران)”، ويقع المعبران المشار إليهما ضمن نفوذ حزب بارزاني الذي يتهم متنفذين في حزب طالباني بـ”الاستحواذ على الإيرادات التي ترسلها أربيل إلى بنوك السليمانية، فضلاً عن تحكمها بإيرادات المنافذ مع إيران”.  

وتزعم هيئة المنافذ الحدودية الاتحادية بأن الإقليم يمتلك خمس منافذ حدودية غير رسمية من بين 11 منفذاً، وهو ما تنفيه حكومة أربيل، كما أكد وزير المالية الاتحادي علي علاوي خلال جلسة “استضافة” في البرلمان في فبراير الماضي على أن “60 بالمئة من المنافذ الحدودية خارج سيطرة الدولة بضمنها الواقعة في إقليم كردستان”.

القيادي في حزب طالباني، آريز عبدالله من جهته أقر بأن “إيرادات بعض المنافذ الحدودية يتم تقاسمها، نصفها يذهب للحكومة والنصف الآخر لا نعلم إلى أي جهة يذهب”، وأقر “بوجود منافذ غير رسمية تبلغ إيراداتها اليومية ملايين الدولارات، وإذا ما تحدث البرلمان أو مجالس المحافظات عن ذلك فلا نجد آذان صاغية من الحكومة، هناك نظام مركزي يتم تطبيقه لا يوائم الإقليم”، لافتاً إلى أن “هناك مشاكل أيضاً في أربيل ودهوك، لكن سلطاتها لا تسمح للمواطن بالاحتجاج، وقد تم كبح دور البرلمان ورئاسة الإقليم من قبل الحكومة التي تتعامل معهما كمؤسستين فائضتين”. 

وفي أغسطس (آب) الماضي أمر نائب رئيس حكومة الإقليم قباد طالباني “نشر قوات أمنية في عدد من المنافذ الحدودية في السليمانية لمواجهة المهربين ومنع أي خرق للتعليمات القانونية.

صيغة جديدة للإدارة

وتداولت صحف كردية مقترحاً مطروحاً من قبل حزب بارزاني يقضي بوضع آلية جديدة لإدارة الإقليم، وهو ما لم يخفيه النائب عن الحزب هلكوت أنور، كاشفاً عن أن “المقترح ينص على أن يتولى نائب رئيس الحكومة قباد طالباني الإشراف على مناطق نفوذ حزب الاتحاد إلى ما بعد الانتخابات النيابية، على أن يتولى رئيس الحكومة مسرور بارزاني إدارة مناطق نفوذ الديمقراطي”، مبيناً أن “الهدف يكمن في أن يشرف طالباني على جمع الإيرادات والمشاريع في السليمانية، لكي تظهر حقيقة الجهة التي تتحكم بالإيرادات”.

وأخيراً أعلن النائب البارز علي محمد صالح والذي ينشر بيانات شبه يومية حول الإيرادات أنه وزميله النائب دابان محمد سبق وكسبا قضية في دعوى كانت مقامة ضدهما بتهمة تقديم معلومات مظللة حول عمليات التهريب في أحد منافذ السليمانية”، مبيناً أنه “عرض مقاطع مصورة تؤكد تهرب عشرات الشاحنات من دفع الرسم الجمركي”. وذكر صالح في منشور عبر صفحته في “فيسبوك” أنه “منذ مدة طويلة يبحث في ملف فساد تتعلق باستيراد حليب الأطفال ومشروبات الطاقة بطرق غير شرعية، وقد طالبت وزارة الصحة منذ 18 شهراً باتخاذ الإجراءات من دون جدوى”، وشدد على أن “أي شخص يتاجر بحياة الأطفال من أجل المال كيف بنا أن ننتظر منه أي شيء”، لافتاً إلى أن “الحكومة تمتلك الأموال اللازمة لدفع مرتبين للموظفين قبل عطلة عيد الفطر، لكن هناك تعمد في تأخير الصرف”. 

التعليقات معطلة.