1

لبنان… صندوق اقتراع أم صندوق أزمات؟

مصطفى فحص-الحرة

وضح جدا أن الانتخابات النيابية اللبنانية المقرر إجراؤها في 15 من الشهر المقبل، لن تغير كثيرا في المشهد التمثيلي السياسي اللبناني، المحكوم بالآليات الدستورية وقانون انتخابات “مسخ” يناسب المنظومة الحاكمة ويمنحها قدرة معينة على البقاء والسيطرة على المشهد السياسي، ولكن رغم اطمئنان بعض هذه القوى إلى حجم تمثيلها، تنشغل أيضا بمحاولة تأمين تمثيل وازن لحلفائها، وحتى بعض خصومها المدجنين، وذلك لقطع الطريق على وصول مجموعة من النواب المستقلين أو المعارضين خصوصا من أجواء انتفاضة 17 تشرين إلى قبة البرلمان.

على الأرجح أن جميع الأطراف السياسية الموالية والمعارضة من داخل السلطة تعاني أزمة انتخابية، كما أن المعارضة التي انبثقت عن انتفاضة 17 تشرين تعاني مأساة كبيرة في قدرتها على فرض حضورها السياسي من دون النظر إلى إمكانية أن يصل من يمثلها إلى الندوة البرلمانية.

من هنا يتضح أن جميع المشاركين في السباق الانتخابي يواجهون أزمات مختلفة، ولكن يمكن القول إن المعارضة غير المدجنة ليس لديها شيء لتخسره لذلك تنحصر الأزمة بأهل السلطة، وخصوصا الأطراف التي تتصرف كوصية على الدولة، أو تلك التي تقدم نفسها وصية على طوائفها.

أزمة فائض الوصاية هو الذي يتصرف ضمن معادلة احتكار التمثيل واحتكار الناخب، بحيث أن حصرية التمثيل تمنح حصرية امتلاك الناخب وتوجيهه، ولكن تبدو هذه المعادلة خصوصا عند الأحزاب القوية تواجه إشكالية ليس فقط مع جمهورها العام بل حتى داخل بيئتها التنظيمية، وذلك لأنها لم تستجب لأدنى مطالب كتلها التنظيمية الناخبة ولا لجمهورها العام.

هذه القوى أو الأحزاب أو التيارات لم تقم بأي مراجعة لسلوكها في السلطة ولا لسلوكيات نوابها، بل إنها متمسكة بسلوكها وتدافع عنه، ولم تعط جمهورها الحق في الاعتراض على من فرضته عليه وتطلب منه إعادة انتخابه. وهذا ما بدأ ينعكس فعليا على مستوى المشاركة بالانتخابات التي تعتبرها بعض الأطراف التي تمتلك فائض وصاية بأن الانتخابات استفتاء شعبي على مشروعيتها وشرعيتها، لذلك ليست أزمتها في احتكار التمثيل شبه المضمون بل في حجم المشاركة.

فعليا، لا تخفي المنظومة الحاكمة ذعرها من أمرين، الأول يوم الانتخابات والثاني اليوم الثاني بعدها، أي ما بعد إعلان النتائج.

في الحالة الأولى هي قلقة من حجم المشاركة وانخفاضها وكيف ستؤثر على النتائج، وهذا ما يحاول حزب الله مثلا معالجته ولكن دون جدوى إلى الآن، فهو قلق من حجم المقاطعة الشيعية من جهة، وقلق على حلفائه من جهة أخرى، لأن تدني الإقبال الشيعي على المشاركة واحتمال المقاطعة السنية الضخمة يقابلها مشاركة كثيفة على المستوى المسيحي، سيتسبب بخسارة لحلفائه الذين كانوا يعتمدون بفوزهم على الناخب الشيعي أو على التحالف مع السنة فيما المشاركة المسيحية الكثيفة بالرغم من تعدد اللوائح ستؤثر على شريك الحزب المسيحي الذي أمن له غطاء وطنيا منذ اتفاق مار مخايل.

القلق الثاني ما بعد إعلان النتائج، من الواضح أن المنظومة ستحصل على الأغلبية و ستتصرف كمنتصر داخليا وخارجيا، ولكن هذا الانتصار سيفرض عليها تحمل المسؤولية واتخاذ قرارات صعبة مستقبلا، إذ لا تستطيع التملص من مسؤوليتها والقيام بما يتوجب عليها من تنازلات وتسويات ستفرض عليها البدء بعملية الإصلاحات، لذلك يمكن القول أن من يريد أن يحتكر صناديق الاقتراع عليه أن يتحمل ما في داخلها من أزمات.

عمليا إذا كانت الانتخابات التشريعية المقبلة لن تخفف من الأعباء المعيشية والاقتصادية التي يعاني منها المواطن اللبناني، ولن تحسن نتائجها من أوضاعه، فإن الأزمة المتفاقمة لا تميز ما بين موال ومعارض أو ما بين “تشريني” ومؤيد للمنظومة.

إذن، لماذا سيتحمل المواطن أعباء وتكلفة يوم الانتخابات، ليعيد منح ثقته لطبقة لا تستحقها. وبعيدا عن نتائج الانتخابات شبه المعروفة، فإن فتح صناديق الاقتراع مساء 15 أيار سيكون أشبه بفتح صندوق الأزمات لذلك يجوز السؤال أو التساؤل هل ستجري الانتخابات في موعدها؟

التعليقات معطلة.